< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ سیدعلي الموسوي‌اردبیلي

45/03/14

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: المهور/أحکام المهر/کلام الشيخ الأنصاري في مخالفة الشرط

 

قال الشيخ في تكملة بحثه في السؤال عن أنّ مخالفة الشرط لأيّ الأحكام الشرعيّة يؤدّي إلى فساد الشرط: «إنّ‌ المراد بحكم الكتاب والسنّة الذي يعتبر عدم مخالفة المشروط أو نفس الاشتراط له، هو ما ثبت على وجه‌ لا يقبل تغيّره بالشرط لأجل تغيّر موضوعه بسبب الاشتراط.

توضيح ذلك: أنّ‌ حكم الموضوع قد يثبت له من حيث نفسه ومجرّداً عن ملاحظة عنوان‌ آخر طارٍ عليه، ولازم ذلك عدم التنافي بين ثبوت هذا الحكم وبين ثبوت حكم آخر له إذا فرض عروض عنوان‌ آخر لذلك الموضوع؛ ومثال ذلك أغلب المباحات والمستحبّات والمكروهات بل جميعها، حيث إنّ‌ تجوّز الفعل والترك إنّما هو من حيث ذات الفعل، فلا ينافي طروّ عنوان‌ يوجب المنع عن الفعل أو الترك؛ كأكل اللحم، فإنّ‌ الشرع قد دلّ‌ على إباحته في نفسه بحيث لا ينافي عروض التحريم له إذا حلف على تركه أو أمر الوالد بتركه، أو عروض الوجوب له إذا صار مقدّمة لواجب‌ أو نَذَر فعله مع انعقاده.

وقد يثبت له لا مع تجرّده عن ملاحظة العنوانات الخارجة الطارئة عليه، ولازم ذلك حصول التنافي بين ثبوت هذا الحكم وبين ثبوت حكم آخر له، وهذا نظير أغلب المحرّمات والواجبات، فإنّ‌ الحكم بالمنع عن الفعل أو الترك مطلق‌ لا مقيّد بحيثيّة تجرّد الموضوع، إلا عن بعض العنوانات كالضرر والحرج، فإذا فرض ورود حكم‌ آخر من غير جهة الحرج والضرر فلابدّ من وقوع التعارض بين دليلي الحكمين، فيعمل بالراجح بنفسه أو بالخارج.

إذا عرفت هذا فنقول: الشرط إذا ورد على ما كان من قبيل الأوّل لم يكن الالتزام بذلك مخالفاً للكتاب، إذ المفروض أنّه لا تنافي بين حكم ذلك الشيء في الكتاب والسنّة وبين دليل الالتزام بالشرط ووجوب الوفاء به.

وإذا ورد على ما كان من قبيل الثاني كان التزامه مخالفاً للكتاب والسنّة...

ثمّ‌ إنّه لا إشكال فيما ذكرنا من انقسام الحكم الشرعي إلى القسمين المذكورين وأنّ‌ المخالف للكتاب هو الشرط الوارد على القسم الثاني لا الأوّل.

وإنّما الإشكال في تميّز مصداق أحدهما عن الآخر في كثير من المقامات... فموارد الإشكال في تميّز الحكم الشرعي القابل لتغيّره بالشرط بسبب تغيّر عنوانه عن غير القابل كثيرة‌ يظهر للمتتبّع، فينبغي للمجتهد ملاحظة الكتاب والسنّة الدالّين على الحكم الذي يراد تغيّره بالشرط والتأمّل فيه حتّى يحصل له التميّ.. فإن لم يحصل له بنى على أصالة عدم المخالفة، فيرجع إلى عموم: «المؤمنون عند شروطهم»، والخارج عن هذا العموم وإن كان هو المخالف واقعاً للكتاب والسنّة لا ما علم مخالفته، إلا أنّ‌ البناء على أصالة عدم المخالفة يكفي في إحراز عدمها واقعاً كما في سائر مجاري الأُصول، ومرجع هذا الأصل إلى أصالة عدم ثبوت هذا الحكم على وجه‌ لا يقبل تغيّره بالشرط...

لكن هذا الأصل إنّما ينفع بعد عدم ظهور الدليل الدالّ‌ على الحكم في إطلاقه بحيث يشمل صورة الاشتراط، كما في أكثر الأدلّة المتضمّنة للأحكام المتضمّنة للرخصة والتسليط، فإنّ‌ الظاهر سوقها في مقام بيان حكم الشيء من حيث هو الذي لا ينافي طروّ خلافه لملزم‌ شرعيّ‌، كالنذر وشبهه من حقوق الله، والشرط وشبهه من حقوق الناس. أمّا ما كان ظاهره العموم، كقوله: «لا يُملك ولد حرّ» فلا مجرى فيه لهذا الأصل.»[1]

ولكن لا يمكن الالتزام بمقالته، لأنّه إذا لم يترتّب الحكم في الدليل الشرعي على عدم الشرط، فهو مطلق من تلك الجهة، ولا يمكن ادّعاء أنّ الدليل ليس في مقام البيان من تلك الجهة، لأنّ الظاهر أنّ الشارع في مقام بيان جميع الأُمور الدخيلة في ترتّب الحكم على الموضوع، وإذا لم يمكن الأخذ بإطلاق الأدلّة من هذه الجهة، لم يمكن الأخذ بإطلاقها في سائر الموارد أيضاً. فبما أنّه لم يرد في أكثر بل جميع الأدلة الواردة في بيان الأحكام الشرعيّة الأوّليّة ذكر عن توقّف ترتّب الحكم على الموضوع على عدم الشرط، فالظاهر من الأدلّة أنّ ترتّب الحكم على الموضوع مطلق من حيث ذكر الشرط وعدمه، ولا يؤدّي مجرّد احتمال تقيّده بعدم ذكر الشرط إلى انتفاء إطلاق الدليل.

ولكنّ الذي يؤدّي إلى هذا التوهّم في بعض الموارد ـ مثلاً مع وجود دليل «الأمين لا يضمن» قال البعض بجواز اشتراط الضمان في العارية بينما لم يقولوا به في الإجارة ـ فالجواب عنه هو أنّ دليل «الأمين لا يضمن» يدلّ على عدم الضمان القهريّ للأمين، لا على أنّه لن يضمن حتّى إذا قبل الضمان بنفسه، كما أنّ عدم توجّه الضمان إلى من لم يستند إليه الضرر يعني أنّ الضمان القهريّ لا يتوجّه إليه، وهذا لا ينافي قبوله الضمان ضمن عقد الضمان، أو أن يلتزم ضمن شرط في العقد أن يتقبّل غرامة المتضرّر.

فإذن جواز الشرط في العارية ليس ناتجاً عن تقيّد دليل «الأمين لا يضمن» بعدم الاشتراط ضمن العارية، وإنّما ناشئ عن أنّ المراد من عدم الضمان هو عدم الضمان القهريّ بعدم شمول دليل «على اليد» للأمين، وهذا لا ينافي أن يدخل عهدة المشروط عليه جبران الأضرار لقبوله الشرط. وعليه، فلا فرق بين العارية والإجارة من هذه الجهة، فكما يمكن اشتراط الضمان في العارية، فكذلك يمكن اشتراطها في الإجارة.

وأمّا دعوى جواز التمسّك بأصل عدم مخالفة الشرط للحكم الشرعيّ فيما إذا شكّ بترتّب الحكم الشرعيّ على الموضوع مطلقاً أو مقيّداً بعدم الشرط فيه، دعوىً غير تامّة، لأنّ هذا الأصل متوقّف على جريان استصحاب العدم الأزليّ الذي لا يقول به كثيرون.

ولكن كما تقدّم، فإنّ أصل الدعوى ـ أي عدم وجود الإطلاق في الأدلّة الشرعيّة ولو مع عدم التقييد بعدم الاشتراط فيها ـ لا يمكن قبولها.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo