< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ سیدعلي الموسوي‌اردبیلي

45/03/11

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: المهور/أحکام المهر/الروايات الدالة علی فساد الشرط المخالف للکتاب و السنة

 

نتطرّق فيما يلي إلى فساد الشرط لمخالفة الكتاب والسنّة.

والدليل على فساد الشرط المخالف للكتاب والسنّة هي الروايات الواردة في هذا الشأن وهي فئتان:

الفئة الأولى: الروايات الدالة على لزوم موافقة الشرط للكتاب والسنّة

منها: حسنة ابن‌ سنان‌ عن‌ أبي عبدالله‌(ع)‌: «...إنّ‌ رسول‌ الله(ص) قال: من‌ اشترط شرطاً سوى كتاب‌ الله،‌ فلا يجوز ذلك‌ له‌ ولا عليه.»[1] [2]

غير أنّ دلالتها على ضرورة موافقة الشرط لكتاب اللّه متوقّفة على أخذ قوله: «شرطاً سوى كتاب الله» شرطاً لا يوجد في القرآن الكريم، وأمّا إذا أخذناه بمعنى الشرط المخالف للكتاب الكريم، فالرواية تكون من الفئة الثانية.

ومنها: ما رواه العامّة عن النبيّ(ص): «ما بال أقوام يشترطون شروطاً ليست في كتاب الله؟ فمن اشترط شرطاً ليس في كتاب الله فليس له، وإن اشترط مائة مرّة» [3]

الفئة الثانية: الروايات الدالة على عدم جواز مخالفة الشرط للكتاب والسنّة

منها: موثّقة إسحاق‌ بن‌ عمّار عن‌ جعفر عن‌ أبيه(ع) أنّ‌ عليّ‌ بن‌ أبي طالب(ع)‌ كان‌ يقول‌: «من‌ شرط لامرأته‌ شرطاً فليف‌ لها به،‌ فإنّ‌ المسلمين‌ عند شروطهم‌ إلا شرطاً حرّم‌ حلالاً أو أحلّ‌ حراماً»[4] [5]

ومنها: حسنة الحلبيّ‌ عن‌ أبي عبدالله(ع)، قال‌: «...کلّ‌ شرط خالف‌ كتاب‌ الله‌ فهو ردّ»[6] [7]

ومنها: صحيحة ابن‌ سنان‌ عن‌ أبي عبدالله(ع)،‌ قال‌: «المسلمون‌ عند شروطهم‌ إلا كلّ‌ شرط خالف‌ كتاب‌ الله‌ عزّ وجلّ فلا يجوز»[8] [9]

ولكن الأصحاب غالباً ما أخذوا التعبير بموافقة الكتاب بمعنى عدم المخالفة.

قال الشيخ الأعظم في المکاسب: «لا يبعد أن يراد بالموافقة عدم المخالفة؛ نظراً إلى موافقة ما لم يخالف كتاب الله بالخصوص لعموماته المرخّصة للتصرّفات الغير المحرّمة في النفس والمال، فخياطة ثوب البائع مثلاً موافق‌ للكتاب بهذا المعنى.»[10]

فلا تخلوا هذه الدعوى من جهة، وتؤيّدها الرواية الآتية:

صحيحة عبدالله‌ بن‌ سنان‌ عن‌ أبي عبدالله‌(ع)، قال: ‌«سمعته‌ يقول‌: من‌ اشترط شرطاً مخالفاً لكتاب‌ الله‌ فلا يجوز له‌ ولا يجوز على الذي اشترط عليه‌، والمسلمون‌ عند شروطهم‌ فيما وافق‌ كتاب‌ الله‌ عزّ وجلّ‌.»[11] [12]

ووجه التأييد أنّ الإمام(ع) ذكر فساد الشرط المخالف للكتاب أولاً ثمّ قال(ع) في مقام بيان قاعدة عامّة: إنّ الشرط يجب أن يوافق الكتاب، وهذا يؤيّد أنّ المراد من موافقة الكتاب في ذيل الرواية هو عدم المخالفة الوارد في صدرها.

على أنّه لو كانت موافقة الكتاب شرطاً، للزم أن لا يجوز إلا اشتراط فعل واجب أو ترك محرّم، ولم يجز إلزام المشروط عليه بفعل مباح أو تركه، لأنّ الإلزام بفعله أو تركه لا يطابق الكتاب، بينما من المعلوم أنّ هذا الإلزام غير مخالف للكتاب الكريم، إذ لا منافاة بين ترخيص الشارع فعلاً أو تركاً وبين أن يلتزم الشخص بنفسه بأحدهما.

والنقطة الأُخرى التي ينبغي الالتفات إليها هي أنّ عدم مخالفة الكتاب الوارد في الأخبار يشمل عدم مخالفة السنّة أيضاً، لأنّ الأخبار والروايات تبيّن الآيات القرآنيّة وتفسّرها، فيكون مخالفتها مخالفة للكتاب الكريم.

ولكن الشيخ الأنصاري قال في بيان انّه متى يكون الشرط مخالفاً للكتاب والسنّة: إنّ مخالفة الشرط للكتاب والسنّة إمّا يكون بمخالفة المشروط للأدلّة الشرعيّة ـ كما لو شرط أن يرث غير الوارث الشرعيّ أو لا يرث الوارث الشرعيّ، أو يشترط رقّيّة الحرّ وأمثال هذه ـ وإمّا يكون بسبب أنّ الالتزام الناشئ عن الشرط مخالف للأدلّة الشرعيّة، كما لو التزم بعدم نكاح زوجة أو أمة، لأنّه منافٍ لجعل الإباحة من قبل الشارع لمثل هذه الأُمور.[13]

ولكن يشكل على هذه الدعوى بأنّ الالتزام بترك المباح أو فعله لا ينافي الإباحة، لأنّ الملتزم بها في شرطه لا يقصد إيجاب ذلك المباح بعينه أو تحريمه على نفسه شرعاً حتّى يقال: إنّ هذا الالتزام منافٍ للحكم الشرعيّ، وإنّما يلتزم بأن يقوم بفعل أو يتركه في مقام العمل، وهذا لو كان ينافي الكتاب والسنّة، لكان الحلف على ترك فعل مباح أو القيام به أيضاً مخالفاً للكتاب والسنّة ولكان باطلاً، وهذا ممّا لم يلتزم به أحد، بل لا يمكن الالتزام به، إذ الشرط غالباً مّا يكون بصدد إلزام المشروط عليه بإتيان فعل مباح أو تركه؛ كما إذا اشترط ضمن العقد على أحد الطرفين أن يهب ماله لأحد، أو يعتق عبده، ومعلوم أنّ الالتزام بهذا الشرط ـ حسب الدعوى المتقدّمة ـ لا يتوافق مع إباحة هبة المال وعتق العبد، بينما لم يشكل أحد على جواز هذه الشروط ولم يعتبرها مخالفةً للكتاب والسنّة.

نعم، لو كان المراد من هذه الشروط أن يلتزم المشروط عليه بتحريم أو إيجاب عمل مباح على نفسه ـ مثل أن يشترط عليه أن يحرّم على نفسه النكاح من الثانية أو الأمة ـ فهذا الشرط مخالف للكتاب والسنّة، وموثّقة إسحاق بن عمّار أيضاً تدلّ على هذا الأمر، وما ذكره الشيخ للمورد الأوّل من موارد مخالفة الشرط للكتاب والسنّة ـ أي اشتراط أن يرث غير الوارث الشرعيّ أو لا يرث الوارث الشرعي ـ مثال لهذه الفئة وليس من موارد مخالفة المشروط بنفسه للكتاب والسنّة، ولذلك إذا شرط أن يعطی غير الوارث من الميراث شيئاً ـ لا تحت عنوان الإرث ـ أو إذا لم يأخذ الوارث إرثه، فهذا الشرط لا يخالف الكتاب والسنّة.

وكذا المثال الثاني الذي ذكره ـ أي: اشتراط رقيّة الحرّ ـ مثال على المورد الذي جعل الشرع فيه أسباباً معيّنة لتحقّق شيء والشرط لم يحسب ضمن تلك الأسباب، ولذلك فإنّ التعدّي عن تلك الأسباب يعني أنّ الشارط يريد التدخّل في الجعل الشرعيّ ومثل هذا الشرط لا يجوز.

علماً بأنّ الشيخ سلّم في كلامه اللاحق بأنّ مجرّد الالتزام بإتيان فعل مباح أو تركه لا ينافي الكتاب والسنّة، ولكنّه ادّعى أنّ هذا لا يؤدّي إلى بطلان التقسيم المذكور، لأنّ الالتزام بإتيان الحرام أو ترك الواجب، ينافي الكتاب والسنّة.

ولكن يجاب عليه بأنّه كلّما كان المشروط إتيان محرّم أو ترك واجب، فما يخالف الكتاب والسنّة هو المشروط، وليس الالتزام الناشئ عن الشرط.

وسيأتي الجواب على التمسّك بالروايات الواردة في مبحث النكاح إثباتاً لكون الالتزام بعدم اتّخاذ جارية أو زوجة أخرى ضمن عقد النكاح مخالفاً للكتاب والسنّة.

إذن فمن الأفضل أن يقال في تعيين ملاك لتمييز الشرط المخالف للكتاب والسنّة: إنّ الشرط المخالف للكتاب والسنّة لا يخرج عن هذه:

1 ـ أن يكون المشروط فعل حرام أو ترك واجب.

2 ـ أن يراد بالشرط التدخّل في الجعل الشرعيّ، بمعنى أن يكون المشروط حكماً وضعيّاً أو تكليفيّاً لم يجعله الشارع.

وأمّا الالتزام الناشئ عن الشرط والذي لا يريد إلا إلزام المشروط عليه في مقام العمل بفعل مباح أو تركه في حدّ ذاته، فهذا لا يعدّ شرطاً مخالفاً للكتاب والسنّة.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo