< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ سیدعلي الموسوي‌اردبیلي

45/03/09

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: المهور/ أحکام المهر/الشرط الغير المشروع في ضمن العقد

قال المحقّق الحلّي: «السابعة: إذا شرط في العقد ما يخالف المشروع ـ مثل أن لا يتزوّج عليها أو لا يتسرّى ـ بطل الشرط وصحّ العقد والمهر.

وكذا لو شرط تسليم المهر في أجل فإن لم يسلّمه كان العقد باطلاً، لزم العقد والمهر وبطل الشرط.

وكذا لو شرط أن لا يفتضّها، لزم الشرط، ولو أذنت بعد ذلك جاز عملاً بإطلاق الرواية. وقيل: يختصّ لزوم هذا الشرط بالنكاح المنقطع، وهو تحكّم.»[1]

 

البحث في هذه المسألة يقع في مقامين:

المقام الأول: أثر الشرط الباطل في العقد

إنّ الشروط الواقعة في العقود إمّا صحيحة وإمّا فاسدة.

وفساد الشرط يكون لجهتين:

1 ـ مخالفته لمقتضى العقد بحيث يعارض الالتزام به الالتزام بأصل العقد؛ كما لو قيل: «بعتك هذه السلعة بشرط أن لا تملكها».

2 ـ دلالة الأدلّة الشرعيّة على عدم صحّته ممّا يعبّر عنه بمخالفة الشرط للكتاب والسنّة.

وفساد الشرط في الجهة الأُولى يؤدّي إلى فساد العقد أيضاً، لأنّ وجه فساد الشرط ـ كما تقدّم ـ هو أن يتعارض الالتزام بالشرط مع الالتزام بمقتضى العقد، وهذا يسبّب الإشكال في العقد نفسه، لأنّ الالتزام بالعقد يعارض الالتزام بالشرط أيضاً ولا وجه لتقديم مضمون العقد على مضمون الشرط والقول بصحّة العقد وفساد الشرط.

وبعبارة أُخرى فإنّ الشرط المخالف لذات العقد يكشف أنّ الشارط غير ملتزم بمضمون العقد، والعقد واقع من غير قصد مضمونه، فهو فاسد. نعم، لو وجدت قرائن تؤدّي إلى ترجيح جانب العقد، أمكن القول بصحّة العقد وفساد الشرط.

فلذا قال الشيخ الأعظم في المکاسب: «أن لا يكون منافياً لمقتضى العقد، وإلا لم يصحّ‌، لوجهين:

أحدهما: وقوع التنافي في العقد المقيّد بهذا الشرط بين مقتضاه الذي لا يتخلّف عنه وبين الشرط الملزم لعدم تحقّقه، فيستحيل الوفاء بهذا العقد مع تقيّده بهذا الشرط، فلابدّ إمّا أن يحكم بتساقط كليهما وإمّا أن يقدّم جانب العقد، لأنّه المتبوع المقصود بالذات والشرط تابع‌، وعلى كلّ‌ تقدير لا يصحّ‌ الشرط.»[2]

ولكن الذي سبّب الإشكال بين الأصحاب في خصوص الشرط المخالف لمقتضى العقد هو أنّ بعضهم أخذوا وجود أو فقدان بعض آثار التي يقتضيها إطلاق العقد بعنوان مقتضى ذات العقد، ولذلك فإنّهم اعتبروا الشرط الذي يثبت ذلك الأثر أو ينفيه شرطاً مخالفاً لمقتضى العقد، وقد ذكر الشيخ في مكاسبه عدداً من الأمثلة عليها[3] ، مثل: اشتراط البائع عتق العبد المبيع، والاشتراط على المشتري بعدم بيع المبيع، واشتراط ضمان المستأجر في الإجارة، وأمثالها.

ومن هنا عمد المحقّق الثاني لبيان ملاك لتمييز الشرط المخالف لمقتضى العقد وقال: «المراد ب‌ـ «ينافي مقتضى العقد» ما يقتضي عدم ترتّب الأثر الذي جعل الشارع العقد من حيث هو هو بحيث يقتضيه ورتّبه عليه على أنّ أثره وفائدته التي لأجلها وضع، كانتقال العوضين الى المتعاقدين، وإطلاق التصرّف لهما في البيع، وثبوت التوثّق لهما في الرهن، والمال في ذمّة الضامن بالنسبة إلى الضمان، وانتقال الحقّ إلى ذمّة المحال عليه في الحوالة، ونحو ذلك.

فلو شرط في المبيع أن يبقى على ملك البائع، لكان ذلك منافياً لما جعل الشارع عقد البيع واقعاً عليه ومقتضياً له.

ومثله لو شرط أن لا ينتفع بالمبيع أصلاً، أو لا يبيعه أبداً، أو لا يعتقه كذلك، أو لا يطأ الجارية كذلك أيضاً، ونحو ذلك، لأنّ الغرض الأصلي من انتقال الملك إنّما هو إطلاق التصرّفات، فإذا شرط عدمها أو عدم البعض أصلاً نافى مقتضى العقد.

فإن قلت: فعلى هذا لو شرط عدم الانتفاع زماناً معيّناً يجب أن لا يكون صحيحاً، لمنافاته مقتضى العقد، إذ مقتضاه إطلاق التصرّف.

قلت: لا يلزم ذلك، لأنّ إطلاق التصرّف يكفي فيه ثبوت جوازه وقتاً مّا، فمادام لا يشترط المنع مطلقاً لا يتحقّق المنافي.

ويمكن أن يقال: أثر الملك من حيث هو التصرّف في كلّ وقت، فاشتراط المنع وقتاً مّا ينافي مقتضى العقد، ودفع ذلك لا يخلو من عسر. وكذا القول في نحو خيار الحيوان مثلاً، فإنّ ثبوته مقتضى العقد، فيلزم أن يكون شرط سقوطه منافياً لمقتضاه، مع أنّ اشتراط ذلك جائز. ولا يمكن أن يراد بمقتضى العقد ما لم يجعل إلا لأجله، كانتقال العوضين في البيع الذي هو الأثر الحقيقي له، لأنّ ذلك ينافي منع اشتراط أن لا يبيع المبيع مثلاً.

والحاسم لمادّة هذا الاشكال أنّ الشروط على أقسام:

منها: ما انعقد الإجماع على حكمه من صحّة وفساد، فلا عدول عنه.

ومنها: ما وضح فيه المنافاة للمقتضي ـ كشرط عدم الضمان عن المقبوض بالبيع ـ ووضح مقابله، ولا كلام في اتّباع ما وضح.

ومنها: ما ليس واحداً من النوعين، فهو بحسب نظر الفقيه.»[4]

ولكن يرد على مقالته:

1 ـ ليس مقتضى ذات العقد مستفاداً من الأدلّة الشرعيّة، لأنّ العقود ليست حقائق شرعيّة وإنّما هي أُمور عرفيّة، ومعرفة أنّ الشرط هل هو مخالف لذات العقد أم لا متوقّف على معرفة ما يراه العرف من مقتضى ذات العقد.

وسنذكر باقي الإشكالات على مقالته غداً بإذن الله تعالی.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo