< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ سیدعلي الموسوي‌اردبیلي

44/08/14

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: المهور / أحکام المهر / إذا لم يراع الولي مصلحتها

 

تقدّم في الجلسة السابقة أنّه لا وجه لفساد نكاح مفوّضة البضع إذا ما أخذ الوليّ بمصلحة الصغيرة.

وأمّا إذا لم يراع مصلحتها، فحالتان: 1 ـ أن لا يكون أصل النكاح بمصلحتها، 2 ـ أن يكون أصل النكاح ذا مصلحة ولكنّ التفويض يفقد المصلحة.

فعلى الأوّل لا إشكال في كون النكاح خارجاً عن دائرة ولاية الوليّ وكونه فضوليّاً وتوقّف صحّته على إجازة الصغيرة بعد بلوغها.

فإذا أجازت أصل العقد ولم تجز تفويض البضع، فهل يمكن القول بوقوع العقد وبطلان تفويض البضع؟

تقدّم أنّ بطلان تفويض البضع لا معنى له إلا إذا ثبت المهر بنفس العقد، وبما أنّ المفروض عدم ذكر مهر في ضمن العقد، فلا دليل أيضاً على ثبوت مهر المثل بالعقد، فصحّة العقد لا تنفكّ عن صحّته بنحو تفويض البضع.

وأمّا على الثاني فقد ذهب جماعة إلى صحّة أصل النكاح وبطلان التفويض.

غير أنّه ليس لهذه الدعوى معنى محصّل، إذ لا يمكن الفصل بين مصلحة أصل النكاح ومصلحة التفويض في النكاح الخارجيّ.

بيانه: أنّ النكاح الواقع خارجاً إمّا أن يثبت فيه المهر بالعقد، وإمّا أن يكون بحيث لا يوجب ثبوت المهر بالعقد، ولا ثالث لهما. فعندما يقال: إنّ أصل النكاح لا مصلحة فيه، فمعناه أنّ النكاح لا مصلحة فيه لا ضمن الفرد الأوّل ولا في ضمن الثاني. وأمّا إذا ادّعي أنّ أصل النكاح واجد للمصلحة ولكن تفويض البضع لا مصلحة فيه، فمعناه أنّ النكاح الواجد للمصلحة هو الذي عُيّن فيه المهر، وبما أنّ المفروض عدم تعيين المهر في النكاح، فلا وجه لتصحيحه.

فإن قيل: هذه الدعوى متوقّفة على تقيّد النكاح بالمهر أو عدمه، ففي هذه الصورة إذا انتفى القيد انتفى المقيّد أيضاً، وإلا فلا مانع من الفصل بين صحّة النكاح وعدم صحّة التفويض.

الجواب: أنّه حتّى فيما لم يقع النكاح مقيّداً بالمهر أو عدمه فإنّ الواقع خارجاً يقع مقيّداً، بمعنى أنّ خصائصه دخيلة في فرديّته، وإذا انتفت الخصائص زالت الفرديّة. وبعبارة أُخرى فإنّ التقيّد اللحاظي أمرٌ والتقيّد الوجودي أمر آخر، وعدم التقيّد اللحاظي لا يسبّب عدم التقيّد الوجودي، وإنّما القيد لازم لوجود كلّ موجود.

فمثلاً عند لحاظ طبيعة الإنسان، يمكن أخذها لا بشرط الخصائص الفرديّة لأفرادها، ولكن الإنسان الخارجيّ لا يمكن وجوده بدون قيوده الوجوديّة.

وبما أنّ ملاك المصلحة هو الوجود الخارجيّ للنكاح لا لحاظه وأنّ الوجود الخارجيّ للنكاح إنّما يتحقّق ضمن أحد الفردين، فإذا افتقد الفرد المتحقّق المصلحة ولم يكن دليل على تحقّق الفرد الثاني، لم يمكن القول بصحّة أصل النكاح.

نعم، لو كان للنكاح فرد ثالث جرت فيه سائر الأحكام إلا أحكام مفوّضة البضع على الرغم من عدم ذكر المهر في ضمن العقد وقلنا بعدم جريان أحكام مفوّضة البضع إلا فيما تمّ التصريح فيه بعدم المهر، فمن الوجيه في هذه الصورة أن يقال: تصريح الوليّ بعدم المهر يفقد المصلحة، وبالنتيجة فإنّ النكاح واقع ضمن الفرد الثالث الذي لا تترتّب عليه أحكام مفوّضة البضع وإن لم يثبت المهر فيه بالعقد. لكنّنا نعلم بعدم هذا الفرد الثالث في النكاح، لأنّه إمّا أن يكون المهر ثبت فيه بالعقد وإمّا بنحو تفويض البضع، وفي صورة عدم وقوعه بالنحو الأوّل وعدم مصلحة النحو الثاني، فلا وجه لتصحيح أصل النكاح.

وبعبارة أُخرى فإنّ صحّة أصل العقد وفساد شرائطه إنّما يمكن إذا كان للمعاملة فرد أمكن بقاؤها في ضمنه عند فساد الفرد الأوّل، وفي صورة عدم وجود هذا الفرد ـ كما نحن فيه ـ فلا وجه لتصحيح أصل العقد.

فهذا الفرض إذن كالفرض السابق، يتوقّف فيه صحّة النكاح بتفويض البضع على إجازة الزوجة بعد البلوغ، بمعنى أنّها إن أجازت العقد، فإنّه يقع بنحو تفويض البضع، وإن ردّته فيبطل أصل النكاح.

أمّا إذا كان النكاح بتفويض البضع بمصلحة الصغيرة أو أجازته بعد بلوغها، فإذا طلّقها الزوج قبل الدخول، وجب عليه المتعة، ولم يكن عليه مهر.

وأمّا إذا قلنا بصحّة النكاح، فالعقد يوجب مهر المثل، وإذا طلّقها قبل الدخول وجب عليه نصف مهر مثلها، ولكن ـ كما تقدّم ـ لا وجه لدعوى ثبوت مهر المثل بمجرّد العقد.

هذا فيما أنكح الوليّ الصغيرة مفوّضة للبضع.

ولكن إذا كان المهر المعيّن للصغيرة من قبل وليّها في ضمن العقد أقلّ من مهر مثلها، فهل هو كالسابق؟

قال الشهيد الثاني في المسالك: «وأمّا على تقدير تزويجها بدون مهر المثل، فإن جوّزناه بالمصلحة فلها مع الطلاق قبل الدخول نصف المسمّى. وإن أوقفناه على رضاها به بعد الكمال كما هو المشهور، فإن طلّقها قبل الكمال فلها نصف المسمّى. وإن طلّقها بعده روعي في الواجب رضاها به أو فسخه فيرجع إلى مهر المثل. وإن جعلنا الواجب حينئذٍ مهر المثل بالعقد إلحاقاً لهذه التسمية بالفاسدة حيث وقعت بغير عوض المثل، وجب بالطلاق نصف مهر المثل.»[1]

ما ذكره الشهيد الثاني في الطلاق قبل كمال الزوجة، مبنيّ على صحة أصل النكاح وتوقّف صحّة المهر المسمّى على إجازة الزوجة بعد البلوغ، إذ لو توقّفت صحّة أصل النكاح على الإجازة، فإنّ عدم إجازتها بعد البلوغ كاشف عن عدم وقوع النكاح منذ البداية وعدم تأثير الطلاق اللاحق وعدم استحقاق الزوجة للمهر أو أيّ مال آخر، وما ذكره في خصوص الطلاق بعد الكمال أيضاً مبنيّ على ذلك.

ولكن مقتضى التحقيق أنّ الزوجة إذا أمضت أصل النكاح وردّت المهر المسمّى، وقع النكاح بنحو تفويض البضع، لأنّه يلزم من إمضاء النكاح وردّ المهر، وقوع النكاح بغير مهر مسمّى وهو نكاح تفويض البضع، وفي هذه الصورة إذا تمّ الطلاق قبل الدخول، استحقّت الزوجة المتعة ولم تغرمه مهراً.

كما ينبغي الالتفات إلى أنّ إمكان إجازة أصل النكاح وردّ المهر المسمّى في هذا الفرض هو لكون هذا الفرض على خلاف الفرض الذي وقع فيه النكاح بتفويض البضع منذ البداية ممّا تقدّم أنّه لو فرض ردّ الزوجة للتفويض لم يمكن استمراره في ضمن فرد آخر من النكاح، إذ يمكن هنا استمرار النكاح في الفرد الثاني منه، أي بنحو تفويض البضع.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo