< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ سیدعلي الموسوي‌اردبیلي

44/08/13

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: المهور / أحکام المهر / عدم تحقّق التفويض في الصّغیرة و الکبيرة

قال المحقّق الحلّي:

«الخامسة: يتحقّق التفويض في البالغة الرشيدة ولا يتحقق في الصغيرة ولا في الكبيرة السفيهة. ولو زوّجها الوليّ بدون مهر المثل أو لم يذكر مهراً، صحّ العقد وثبت لها مهر المثل بنفس العقد؛ وفيه تردّد منشؤه أنّ الوليّ له نظر المصلحة، فيصحّ التفويض وثوقاً بنظره، وهو أشبه. وعلى التقدير الأوّل لو طلّقها قبل الدخول كان لها نصف مهر المثل، وعلى ما اخترناه لها المتعة. ويجوز أن يزوّج المولى أمته مفوّضة، لاختصاصه بالمهر.»[1]

قلنا في بداية البحث انّ إطلاق الآية الشريفة شامل لنكاح الصغيرة بنحو تفويض البضع أيضاً، ولكن اختلف الأعلام في جواز هذا النكاح بالصغيرة.

قال الشيخ في المبسوط: «من يجبر على نكاح لصغر أو بكارة، فلا يكون مفوّضة البضع أبداً. ومتى عقد وليّها مفوّضة لم تكن مفوّضة ووجب مهر المثل بالعقد عند قوم، وعندنا بالدخول، إلا في مسألة وهي الأمة يزوّجها سيّدها مفوّضة، فيصحّ هذا وإن كان ذلك عن إجبار، لأنّ السيّد هو الذي اختار ذلك والمهر له، فلهذا صحّ أن تكون مفوّضة.»[2]

والظاهر من كلامه أنّه يرى النكاح جائزاً والتفويض باطلاً، فيجب على الزوج أن يدفع مهر المثل إذا دخل بها، ولا يجب عليه بمجرّد النكاح.

ولکن قال في موضع آخر منه: «من يجبر على النكاح من الصغيرة والبكر الكبيرة تجبرها أبوها أو جدّها على النكاح، فمتى زوّجها مفوّضة البضع، كان الحكم فيه مثل الحكم فيمن لا يجبر سواء. وقال قوم: لها مهر المثل لا غير، لأنّه تصرّف في حقّ المولّى عليه، فلم يصحّ إلا بعوض المثل، كما لو باع شيئاً، فإنّه يجب أن يكون بعوض المثل.

فإذا ثبت هذا فإن أجبرها وليّها فزوّجها مفوّضة، لم يجب عليه ضمان المهر، لأنّه قد وجب بالعقد.»[3]

وحمل جماعة كلامه على أنّه يرى ثبوت مهر المثل بالعقد لا الدخول.

قال العلامة في القواعد: «قيل: ويثبت مهر المثل بنفس العقد.»[4]

وقال المحقّق الثاني في شرحه: «إشارة إلى قول الشيخ رحمه الله، فإنّه حكم بصحّة النكاح وبطلان التفويض، لوجوب مراعاة عوض المثل للبضع في النكاح كما في المعاوضة على سائر الأموال، وأوجب مهر المثل بنفس العقد لفساد التفويض.

ولو لم يجب المهر بنفس العقد لكان التفويض صحيحاً، إذ لا واسطة بين الصحّة والفساد، وكذا القول في عقده على أقلّ من مهر المثل.»[5]

ولکن قال في المسالك: «هذا الكلام الأخير ربما أوهم ما نقلوه عنه إلا أنّه باتّصاله بالأوّل ومنافاته له ظاهراً، يمكن حمله على وجود سبب وجوبه بالعقد لا على وجوبه حقيقة، لأنّه ذكر في غير موضع أنّ المفوّضة ملكت بالعقد أن تملك المهر... وكذلك صرّح في باب الأولياء بصحّة تزويج الوليّ‌ بدون مهر المثل محتجّاً بأنّ له العفو عن الصداق، فله أن يعقد على بعضه. وهذا كلّه موافق لما اختاره المصنّف من جواز تفويض الوليّ‌ بضع المولّى عليها، وزاد المصنّف التقييد برعاية المصلحة وهو حسن.»[6]

ومن المعلوم ـ حسبما تقدّم في بداية كلام الشيخ ـ أنّه لا يرى ثبوت مهر المثل بمجرّد العقد، وما ذكره في نهاية كلامه فهو مذهب من خالفه وليس رأي الشيخ، فلا حاجة للتوجيه الوارد في كلام الشهيد.

وما قاله المحقّق الثاني من أنّه إذا قلنا بصحّة العقد وعدم ثبوت مهر المثل بمجرّد العقد، فلا مناص من كون العقد واقعاً بتفويض البضع، لأنّ النكاح الصحيح الذي لا يثبت المهر فيه بالعقد ليس إلا نكاح مفوّضة البضع، فهي دعوى صحيحة.

وقال المحقّق الکرکي أيضاً: «فإن قيل: لمّا كان التفويض فاسداً وجب أن يثبت مقابله وهو وجوب مهر المثل بالعقد، ولا امتناع في تقييد إطلاق العقد بمهر المثل، كما يقيّد إطلاق الإذن من الزوجة للوكيل في الإنكاح مجرًّداً عن ذكر المهر بمهر المثل.

قلنا: الفرق واقع، فإنّ الإطلاق يتقيّد بالقرينة بخلاف ما نحن فيه، لأنّ العقد بالنسبة إلى ما يتّرتب عليه سبب، والأسباب أُمور وجوديّة واقعة على وجوه خاصّة لا يكفي فيها مجرّد القصد ولا دلالة القرائن، فلا يكون تجرّد العقد عن المهر موجباً لمهر المثل في محلّ النزاع وسائر ما أشبهه.»[7]

ومقتضى التحقيق في المسألة أنّه ـ كما قال المحقّق الحلّي ـ لا وجه لفساد التفويض في صورة مراعاة المصلحة؛ لأنّ للوليّ أن يتصرّف بكلّ ما راعى فيه مصلحة الصغيرة، ولا وجه لفساد التصرّف في صورة وجود مصلحة في التفويض.

ويؤيّده جواز إبراء ذمّة الزوج من المهر من قبل الوليّ الذي ورد ذكره في قوله تعالى ﴿إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِی بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ [8] ومعلوم أنّه لو جاز للوليّ إبراء ذمّة الزوج، فيحقّ له أيضاً أن لا يحدّد مهراً لها منذ البداية بشرط مراعاة مصلحة المولّى عليها.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo