< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ سیدعلي الموسوي‌اردبیلي

44/08/08

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: المهور / أحکام المهر / زمان ردّ المتعة للزوجة

 

الفرع الثامن: زمان ردّ المتعة للزوجة

قال في الجواهر: «قال بعض الأفاضل: ظاهر الكتاب وكلام الأصحاب أنّ محلّ التمتّع ما بعد الطلاق، فإنّه إنّما يخاطب به بعده كما جاء في عدّة أخبار فيمن طلّقت قبل الدخول فليمتّعها، بل إذا كان الدخول فمحلّه بعد انقضاء العدّة حيث تبين لخبر الحلبي السابق.»[1]

ومراده من خبر الحلبيّ هو موثّقته عن‌ أبي عبدالله(ع)‌: «في قول‌ الله‌ عزّ وجلّ‌: ﴿ و َلِلْمُطَلَّقٰاتِ‌ مَتٰاعٌ‌ بِالْمَعْرُوفِ‌ حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ﴾[2] ، قال:‌ متاعها بعدما تنقضي عدّتها، على الموسع‌ قدره‌ وعلى المقتر قدره، وكيف‌ لا يمتّعها وهي‌ في عدّتها ترجوه‌ ويرجوها ويحدث‌ الله‌ عزّ وجلّ‌ بينهما ما يشاء.»[3] [4]

وهناك روايات أخرى مقابل هذه الموثّقة، تدلّ على وجوب دفع المتعة قبل الطلاق:

منها: صحيحة زرارة‌ عن‌ أبي جعفر(ع)،‌ قال‌: «متعة‌ النساء‌ واجبة،‌ دخل‌ بها أو لم‌ يدخل‌ بها، وتمتّع‌ قبل‌ أن‌ تطلّق.‌»[5] [6]

ومنها: صحيحة محمّد بن‌ مسلم‌ عن‌ أبي جعفر(ع)، قال‌: «سألته‌ عن‌ الرجل‌ يطلّق‌ امرأته؟‌ قال:‌ يمتّعها قبل‌ أن‌ يطلّق، فإنّ‌ الله‌ تعالى يقول:‌ ﴿وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ﴾[7] [8] [9]

ومنها: خبر أبي حمزة‌ عن‌ أبي جعفر(ع)،‌ قال‌: «سألته‌ عن‌ الرجل‌ يريد أن‌ يطلّق‌ امرأته‌ قبل‌ أن‌ يدخل‌ بها؟ قال:‌ يمتّعها قبل‌ أن‌ يطلّقها، فإنّ‌ الله‌ تعالى قال:‌ «وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ».»[10] [11]

أقول: لا علاقة لموثّقة الحلبيّ بما نحن فيه، لأنّها وردت في وجوب دفع المتعة فيما طلّقت المرأة بعد الدخول. كما أنّ الآية لا دلالة فيها على لزوم الدفع بعد الطلاق وإنّما ذكر الطلاق فيها موضوعاً لوجوب دفع المتعة.

فإذن زمان وجوب دفع المتعة يكون قبل طلاق الزوجة وبمجرّد إرادته، لكن لا يعني ذلك أنّها تستحقّ المتعة بمجرّد إرادة الزوج للطلاق ولو لم يتحقّق طلاق في الخارج أو أعرض الزوج عن قراره، بل المراد أنّه يكفي في استحقاق الزوجة للمتعة إرادة طلاق متعقّبة بالطلاق على نحو الشرط المتأخّر.

الفرع التاسع: عدم اعتبار رضا الزوجة وعدم تقدير المتعة بقدر معيّن

قال النووي في روضة الطالبين: «فإن تراضيا بشيءٍ فذاك. وحكى الحنّاطي وجهاً أنّه ينبغي أن يحلّل كلّ منهما صاحبه، فإن لم يفعلا لم يبرأ الزوج ولها رفع الأمر إلى القاضي ليقدّرها؛ والصحيح الأوّل. وإن تنازعا فهل يكفي أقلّ ما يتموّل أم يقدّره الحاكم باجتهاده؟ وجهان.»[12]

وقال الماوردي في الحاوي: «وما قدر المتعة؟ فهي إلى رأي الحاكم واجتهاده... وما وجب ولم ينحصر بمقدار شرعيّ كان تقديره معتبراً باجتهاد الحاكم.

وقال أبو حنيفة: هي مقدّرة بنصف مهر المثل، ولا يجوز أن يكون أقلّ من خمسة دراهم، لأنّه

نصف أقلّ ما يكون مهراً عنده.»[13]

وقال الشِربيني في مغني المحتاج: «ويسنّ أن لا تبلغ نصف مهر المثل كما قاله ابن المُقريّ، فإن بلغته أو جاوزته جاز لإطلاق الآية. قال البُلقيني وغيره: ولا يزيد وجوباً على مهر المثل، ولم يذكروه.

ومحلّ ذلك ما إذا فرضه الحاكم... ويحمل على هذا كلام من اعترض على البُلقيني وقال: الأوجه خلاف كلامه، بل مقتضى النظائر أن لا يصل إلى مهر المثل إذا فرضها القاضي وهو ظاهر، ثمّ إن تراضيا على شيء فذاك.»[14]

ولكنّ الحقّ أنّه لا وجه لأيّ من الدعاوي الآنفة، لأنّ إطلاق الآية والأخبار يدلّ على أنّ الملاك الوحيد لتعيين المتعة هو مكنة الزوج الماليّة وشأن الزوجة. وعليه فإذا تمّ مراعاتهما عرفاً، فللزوج أن يدفع أيّ مال وكان اختيار جنسه ونوعه بيده، لأنّ التكليف بإعطاء المتعة في الآية الشريفة متوجّه إلى الزوج، ولزوم تحصيل رضا الزوجة محتاج إلى الدليل وهو غير موجود. كما أنّه لا وجه لتقييد مقدار المتعة بقدر معيّن من حيث الكثرة.

أمّا إذا اختلف الزوجان من حيث مراعاة الشرطين المذكورين وادّعت الزوجة أنّ المال الذي أعطاه الزوج أقلّ من قدرته أو أدنى من شأنها، فترجع إلى الحاكم، لكن ليس للحاكم أن يتدخّل في تعيين ما يعطيه الزوج متعةً، بل إنّما يُلزم الزوج بمراعاة الشرط إذا ثبت قولها.

 

الفرع العاشر: ثبوت المتعة في ذمّة الزوج

تقدّم أنّ وقت وجوب دفع المتعة يكون قبل طلاق الزوجة بمجرّد إرادة الزوج للطلاق. فمادام الزوج لا يريد الطلاق، فلا وجه لاشتغال ذمّته بالمتعة. ولكن بعد تحقّق هذه الإرادة بشرط تعقّبها بالطلاق خارجاً، فتشتغل ذمّة الزوج بالمتعة. فإذا دفع الزوج المتعة للزوجة ولو من غير مطالبتها، برأت ذمّته. وإذا مات الزوج بعد الطلاق أو أفلس، طالبته الزوجة بالمتعة مع سائر غرمائه.

وإن أراد الزوج أن يدفع المتعة ولم تقبله الزوجة، فهو مثل أيّ دين أبى الدائن من قبوله من المدين، فإمّا أن يدفع المديون المال إلى الحاكم فيقبضه الحاكم عن الدائن، وإمّا أن يُعتبر رفع يد المديون عن المال في هذه الصورة بحكم قبض الدائن، فلا يكلّف المديون بشيء بعدئذٍ.

أمّا إذا وهبت الزوجة المتعة للزوج قبل إرادته للطلاق أو أبرأت ذمّته قبل الوطء من مهر المثل، فهل يسبّب إبراؤها براءة ذمّة الزوج؟

المسألة مبنيّة على أنّه هل يصحّ إسقاط ما لم يجب أم لا؟ فبناءً على الصورة الأُولى ـ التي توافق التحقيق ـ فإبراء الزوجة يسبّب براءة ذمّة الزوج ولن يكون مكلّفاً بدفع المتعة أو مهر المثل بعد الطلاق أو الوطء. ولكن على الفرض الثاني فإبراؤها لا يبرئ ذمّة الزوج، فيلزمه بعد الطلاق أو الوطء أن يدفع المتعة أو مهر المثل، إلا إذا أبرأت الزوجة ذمّته ثانية بعد تحقّق سبب اشتغالها.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo