< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ سیدعلي الموسوي‌اردبیلي

44/07/17

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: المهور / أحکام المهر / عدم تمكين الزوجة بعد استيفاء المهر

 

الفرع الثامن: عدم تمكين الزوجة بعد استيفاء المهر

إذا امتنعت الزوجة من التمكين بعد استيفاء المهر، فهل يحقّ للزوج أن يسترده؟

قال العلامة في القواعد: «لو دفع الصداق فامتنعت من التمكين أُجبرت، وليس له الاسترداد.»[1]

وقال المحقّق الثاني في شرحه: «ليس له استرداد الصداق، لأنّه تبرّع بالتسليم، فلم يكن له الرجوع، كما لو عجّل المديون الدين المؤجّل. وعلى القول بوجوب التسليم للصداق أوّلاً على الزوج له الاسترداد، لأنّ ذلك شرط تسليم العوض؛ كذا قيل. فعلى هذا يكون منع المصنّف إيّاه من الاسترداد دليلاً على عدم اختيار هذا القول.»[2]

لكنّ الحقّ أنّه إن قلنا بوجوب الابتداء بدفع المهر علی الزوج، فالحقّ ما ذهب إليه العلامة ولا وجه لاسترداده في فرض عدم تمكينها، لأنّ أصل استحقاقها للمهر ثابت بالعقد، فما أخذته إن كان عيناً فقد دخل في ملكها وإن كان ديناً فقد ملكته باستلامه.

فمن قال بجواز الاسترداد وجب عليه إقامة الدليل عليه، لأنّ الاسترداد في هذه الصورة تصرّف في مال الغير.

ولا تصحّ دعوى توقّف وجوب ردّ المهر على تمكين الزوجة، وإنّما وجوب الابتداء بالردّ من قبل الزوج متوقّف على هذا الشرط، وبتحقّق الردّ وعدم الإشكال في ملكيّة الزوجة للمهر، فإنّ القول بإمكان إجراء الزوج حكمَ عدم الردّ يحتاج إلى دليل.

بل بناءً على ما تقدّم منّا سابقاً من عدم العوضيّة بين المهر والبضع، فيمكن القول بأنّ المهر إن كان عيناً وتصرّفت فيه الزوجة من غير اطّلاعه، فحتّى لو قلنا بحرمة فعل الزوجة، فالزوج لا يحقّ له الاسترداد وإن لم تمكّنه من نفسها.

إمهال الزوجة للدخول بعد تسليم المهر

قال العلامة في القواعد: «إذا سلّم الصداق فعليه أن يمهلها مدّة استعدادها بالتنظيف والاستحداد، ولا يمهلها لأجل تهيئة الجهاز، ولا لأجل الحيض، لإمكان الاستمتاع بغير القبل.»[3]

وقال المحقّق الکرکي في شرحه: «الاستحداد: استفعال من الحديد، وهو هنا كناية عن ازالة الشعر ولو بغير الحديد، كالإطلاء بالنورة، وإن كان أصله الإزالة بالحديد.

وظاهر قول المصنف: «فعليه أن يمهلها مدّة استعدادها» الوجوب، ولم يقدّر المدّة، وقدّرها الشيخ في المبسوط بثلاثة أيّام وقوّى وجوبها، محتجّاً بقوله(ع) ونهيه أن يطرق الرجل أهله ليلاً، وبأنّ العادة جارية بذلك؛ هذا محصّل استدلاله.

ويؤيّده ما روي في الحديث: «أمهلوا كي تمتشط الشَعِثة وتستحدّ المغيبة» ولا دلالة في الأخبار على المدّة على الوجوب، وذهب في التحرير إلى عدم الوجوب لانتفاء مقتضيه.

ويمكن أن يقال: في ذلك حقّ للمرأة، لأنّه إذا رآها على غير حال الاستعداد لم يؤمن بنفرة منها، فيكون مضرّاً بحالها.

ويمكن القول بالوجوب والتحديد بالحاجة لا بثلاثة أيّام، وكيف كان فمتى أوجبنا إمهالها لم يجز التعرّض إليها حتّى تنقضي مدّته.»[4]

والحقّ في المسألة ما ذهب إليه المحقّق الثاني، والوجه فيه ضرورة المعاشرة العرفيّة بين الزوج والزوجة بمدلول قوله تعالى: ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ[5] ، فمقدار إمهال الزوجة لاستعدادها متوقّف على رأي العرف في كلّ مورد.

ولا يخفى أنّ ما ورد في ذيل كلام العلامة ظاهر فيما تقدّم بحثه من أنّ كلمات بعض الأصحاب ظاهرها ثبوت حقّ امتناع الزوجة عن مطلق التمكين قبل استيفاء المهر.

استحباب تقليل المهر

يستحبّ قلّة مهر المرأة وقد وردت فيها بعض الأخبار:

منها: خبر خالد بن‌ نَجيح‌ عن‌ أبي عبدالله(ع)،‌ قال‌: «تذاكروا الشؤم‌ عند أبي عبدالله(ع) فقال:‌ الشؤم‌ في ثلاث:‌ في المرأة والدابّة‌ والدار؛ فأمّا شؤم‌ المرأة‌ فكثرة‌ مهرها وعُقم‌ رحمها.»[6] [7]

ومنها: معتبرة السكوني‌ عن‌ أبي عبدالله(ع)،‌ قال:‌ «قال‌ رسول‌ الله(ص)‌: أفضل‌ نساء‌ أمّتي أصبحهنّ‌ وجهاً وأقلّهنّ‌ مهراً.»[8] [9]

ومنها: مرسلة الفقيه، قال: «روي أنّ‌ من‌ بركة‌ المرأة‌ قلّة‌ مهرها ومن‌ شؤمها كثرة‌ مهرها.»[10] [11]

ومنها: موثّقة محمّد بن‌ مسلم‌ عن‌ أبي عبدالله‌(ع)،‌ قال‌: «من‌ بركة‌ المرأة‌ خفّة‌ مؤونتها وتيسير ولادتها، ومن‌ شؤمها شدّة‌ مؤونتها وتعسير ولادتها.»[12] [13]

علاوة على الأخبار المتقدّمة سابقاً الدالّة على كراهة تعيين المهر زائداً على مهر السنّة، كمعتبرة المفضّل بن عمر، فذهب المحقّق وبعض الأصحاب بناءً على هذه الأخبار إلى أنّ قلّة مهر المرأة وإن كانت مستحبّة ولكنّ الكثرة المكروهة هي الزائدة على مهر السنّة.

ثمّ إنّ الكراهة الثابتة في هذه الصورة، هل تتوجّه للزوجة فقط أم تشمل أيضاً فعل الزوج في إعطائه مهراً زائداً على السنّة؟

قال العلامة في القواعد: «يستحبّ‌ تقليله ويكره أن يتجاوز السنّة وهو خمسمائة درهم.»[14]

وقال المحقّق الثاني في شرحه: «اعلم أنّ ظاهر قوله: «ويكره أن يتجاوز خمسمائة» شمول الكراهيّة للزوج والزوجة، والأخبار لا تنهض حجّة على ذلك، وقد روي أنّ الحسن(ع) تزوّج امرأة أصدقها مائة جارية مع كلّ جارية ألف درهم.»[15]

وقال في المسالك: «ظاهر الأخبار أنّ الكراهة متعلّقة بالمرأة ووليّها لا بالزوج، وعبارة المصنّف شاملة لهما. وقد يمكن تعلّق الكراهة به من حيث الإعانة على المكروه إن أمكنه النقصان، وإلا فلا كراهة من قبله.»[16]

ولکن قال في الجواهر: «ظاهر الفتاوى الكراهة أيضاً للزوج، بل هو مستفاد من التأمّل في النصوص.»[17]

والحقّ ما ذهب إليه المحقّق الكركيّ، فإعطاء المهر الزائد على السنّة لا يعدّ إعانة من الزوج على المكروه، على أنّه قد يشكل في أصل الحرمة أو الكراهة وقيل باختصاص دليله بالتعاون، كما قد يشكل في أصل كراهة الإعانة أو التعاون على المكروه أيضاً.

ولا تصحّ دعوى صاحب الجواهر من إمكان استفادة كراهيّة إعطاء الزائد على السنّة على الرجل بالتأمّل في النصوص، لأنّ النصوص لا تفيد ذلك. على أنّه قد ورد في بعضها بذل مهر زائد على السنّة من المعصومين(ع)، مثل الخبر المتقدّم في كلمات المحقّق الثاني وكذا حسنة محمّد بن مسلم المتقدّم ذكرها من أنّ النجاشي أمهر أُمّ حبيبة عن النبيّ الأكرم(ص) أربعة آلاف درهم، ومعلوم أنّه لو كان عمله مكروهاً لم يكن ليقبل به رسول الله(ص) ولو كان باذل المال غيره، أي النجاشي.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo