< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ سیدعلي الموسوي‌اردبیلي

44/06/15

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: المهور / احکام المهر / الحقّ في حدّ التعليم

 

الحقّ في حدّ التعليم أنّ تعيينه بيد العرف، بمعنى أنّ التعليم إنّما يتحقّق فيما يراه العرف محقّقاً، فلا جدوى من البحث في أنّ تعليم القرآن يكفيه أن يقدر المتعلّم على قراءة القرآن بمفرده أو أن يشترط فيه ترتيل القرآن ـ كما ورد في كلمات بعض الأصحاب[1] ـ لأنّه يختلف بحسب المورد والشخص، فتارة تكون قدرة تعلّم المتعلّم عالية بحيث لا يصدق عليه التعليم عرفاً بمجرّد استقلاله في القراءة، بل يلزم في صدق تعليمه أن يکون إلى حدّ الترتيل، وتارة أُخرى لشّدة ضعف المتعلّم يكفيه قدرته على القراءة مستقلاً ليحكم العرف بتحقّق التعليم.

كما لو تحقّق التعليم ثمّ نسي المتعلّم ما تعلّمه لسبب ما، فلا يتوجّه للمعلّم تكليف بعدئذٍ ولا يجب عليه تكرار التعليم، إذ قد برئت الذمّة بالتعليم السابق، ولا وجه لاشتغالها من جديد.

وأمّا لو نسي المتعلّم المطالب السابقة قبل الانتهاء من التعليم، فهل يجب على الزوج إعادة تعليمها؟

مقتضى التحقيق أنّ نسيان تلك المطالب إن كان من الأُمور اللازمة للتعليم عرفاً وهو ما يحدث لدى المتعلّمين عادةً بنحو يكون تكرار تعليمها إيّاهم أمراً عاديّاً أو كانت الظروف بحيث توقّف تعليم المطالب اللاحقة على تكرار تعليم السابقات، فيجب على الزوج حينئذٍ تكرار تعليمها. وأمّا إذا لم يكن نسيان تلك المطالب أمراً عاديّاً ولم يتوقّف تعليم المطالب اللاحقة على تكرار تعليمها، فليس عليه تعليمها من جديد.

وذكرت هاهنا فروع في كتب الأصحاب وقد دخلت في كلمات فقهائنا تبعاً لأقوال العامّة، ولا يستند شيء منها إلى الأخبار والروايات.

قال في المجموع: «وإن لقّنها فحفظت ثمّ نسيت، قال الشيخ أبو حامد: فينظر فيها، فإن علّمها دون آية فنسينها، لم يعتدّ له بذلك. وكم القدر الذي إذا علّمها إيّاه خرج من عهدة التعليم؟ فيه وجهان:

أحدهما: أقلّه آية، لأنّه يطلق عليه اسم التعليم، فعلى هذا إذا علّمها آية فنسيتها لم يلزمه تعليمها إيّاها ثانياً.

والثاني: أقلّه سورة، لأنّ ما دونها ليس بتعليم في العادة.

وذكر ابن الصبّاغ أنّه إذا علّمها ثلاث آيات، سقط عنه عهدة التعليم.»[2]

ما ورد هنا مبنيّ على أنّ لزوم إعادة التعليم إذا نسي المتعلّم المطالب السابقة قبل تعليمه آية كاملة أو سورة واحدة أو ثلاث آيات، فقد يكون بملاك ما تقدّم منّا من أنّه أين يعتبر نسيان المطالب السابقة أمراً عادياً؟

وأمّا إذا جعل مهر الزوجة تعليم الزوج إيّاها أمراً لم يكن الزوج يعلمه حالاً ـ كما لو جعل المهر تعليم الزوج زوجته سورة من القرآن ولم يكن الزوج قد تعلّم تلك السورة إلى حين العقد ـ فهل يصحّ هذا المهر؟

تقدّم في كلمات المحقّق صحّة مثل هذا المهر، لأنّه يتعلّق بذمّة الزوج وله أن يبرئ ذمّته بتعليمها إيّاها بعد أن يتعلّمها هو.

ولكن يجب هنا أن نشير إلى الفرق بين اشتغال الذمّة وتعلّق شيء بالعهدة.

فنقول: إنّ الذمة والعهدة أمران اعتباريّان، والفرق بينهما أنّ للذمّة ظرفيّة بينما ليست العهدة كذلك والأمر الوحيد الممكن هو تعلّق شيء بها. وبعبارة أُخرى عندما يتعلّق الشيء بعهدة المكلّف، فيجب عليه إمّا الفعل وإمّا الترك ولا يترتّب عليه أثر وضعيّ، بخلاف شغل الذمّة التي توجب ترتّب أثر وضعيّ، فيدين مشغول الذمّة إلى من اشتغلت ذمّته به، على الرغم من أنّ لازم شغل الذمة هو ترتّب أثر تكليفي أيضاً ـ بمعنى لزوم تحصيل البراءة ـ عليه.

فالتكاليف الشرعيّة مثلاً كالصلاة والصوم والحجّ وغيرها فكلّها من النوع الثاني الذي لا يوجب شغل الذمّة بل تتسبّب بتعهّد المكلّف بإتيانها فقط، كما فيما غصب أحد مال غيره، فمادام المال موجوداً ولم يتلف، فذمّته غير مشغولة ولكن في عهدته ردّ المال إلى مالكه. ولكن في مثل الاستقراض أو إتلاف مال الغير، فهي تسبّب شغل ذمّة المديون والمتلف، علماً بأنّ هذين التعبيرين استعملا في كلمات الأصحاب مكان بعضها في كثير من الموارد، أو استخدم شغل الذمّة في معناه الأعمّ الشامل لتعلّق التكليف بالعهدة أيضاً.

فالفرق بين تعهّد شخص أمام آخر بفعل ما وبين أن يتحمّله في ذمّته هو أنّه في الصورة الأُولى لا يتوجّه إليه غير التكليف بإتيان العمل بغير أن يتملّك المتعهّد له شيئاً، والنتيجة أنّ للمتعهّد له أن يلزمه فقط ولكنّه لا يطلبه شيئاً ولا يكون له حقّ التقاصّ مثلاً. بينما في النوع الثاني فمن له الذمّة فمضافاً إلى استحقاقه إلزامه بإتيان العمل فإنّه يملك ذمّته أيضاً، ومشغول الذمّة يدين إليه، فيحقّ له التقاصّ أيضاً.

فلو اشترط أحد في ضمن معاملة أن يهبه الطرف المقابل مالاً، فإنّ المشروط عليه بقبوله للشرط وإن تعهّد بالعمل بالشرط ووجب عليه العمل به، ولكن ذمّته لم تشتغل بالمشروط له، فإذا امتنع من إعطاء ذلك المال، فلا يحقّ للمشروط له أن يقتصّ من أموال المشروط عليه بقدر ذلك المال، وأمّا إذا ملّك الأجير في ضمن عقد الإجارة منفعة من منافعه للمستأجر في مدّة معيّنة مقابل مال الإجارة، فإن المستأجر في هذه الصورة يملك ذمّته، ويكون الأجير مديوناً له.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo