< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ سیدعلي الموسوي‌اردبیلي

44/06/08

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: التدليس / الغرور / لو تزوّجها ولم يسمّ لها مهراً

 

قال المحقّق الحلّي:

«ولو تزوّجها على كتاب الله وسنّة نبيّه(ص) ولم يسمّ لها مهراً، كان مهرها خمسمائة درهم.»[1]

إذا لم يذكر المهر في عقد النكاح وانعقد العقد على كتاب الله وسنّة نبيّه(ص)، فلا خلاف بين الأصحاب في أنّ مهر المرأة في هذه الصورة يكون خمسمائة درهم ـ أي مهر السنّة ـ بل ادّعي عليه الإجما

قال صاحب الحدائق: «لو تزوّجها على كتاب الله وسنّة نبيّه(ص) ولم يسمّ مهراً، فالمشهور ـ من غير خلاف يعرف، بل ظاهر المحقّق الشيخ علي والشهيد الثاني في الروضة أنّ ذلك إجماع ـ أنّ مهرها خمسمائة درهم[2]

وقال في الرياض: «لو قال: «أتزوّجك على السنّة» مكتفياً به، كان المهر خمسمائة درهم قطعاً لو قصداها عالمين بها، ومطلقاً على الأشهر الأظهر.»[3]

واستند الأصحاب في هذا الحكم إلى أخبار، منها: حسنه أُسامة‌ بن‌ حفص‌ ـ وكان‌ قيّماً لأبي الحسن‌ موسى(ع) ـ قال‌: «قلت‌ له:‌ رجل‌ يتزوّج‌ امرأة‌ ولم‌ يسمّ‌ لها مهراً وكان‌ في الكلام‌: «أتزوّجك‌ على كتاب‌ الله‌ وسنّة‌ نبيّه»،‌ فمات‌ عنها أو أراد أن‌ يدخل‌ بها، فما لها من‌ المهر؟ قال‌: مهر السنّة. قال:‌ قلت‌: يقولون‌ أهلها: مهور نسائها؟ قال:‌ فقال:‌ هو مهر السنّة. وكلّما قلت‌ له‌ شيئاً قال: مهر السنّة.‌»[4] [5]

سند الرواية مشكل بأسامة بن حفص الذي لم يوثّق، ولكن ادّعي أنّ توكيله ببعض أُمور الإمام الكاظم(ع) وأنّ الراوي عنه هو عثمان بن عيسى المعدود من جملة أصحاب الإجماع، جعل الرواية ـ وهي الرواية الوحيدة التي رواها أُسامة بن حفص ـ معتبرة وحسنة، وهذه الدعوى مقبولة.

ومنها: حسنة أبي بصير، قال‌: «سألته‌ عن‌ رجل‌ تزوّج‌ امرأة‌ فوهم‌ أن‌ يسمّي‌ لها صداقاً حتّى دخل‌ بها، قال‌: السنّة، والسنّة‌ خمسمائة‌ درهم...‌»[6] [7]

وهي تشكل بأنّه لم يرد فيها انعقاد النكاح على كتاب الله وسنّة نبيّه(ص).

قال المجلسي في الملاذ: «مورد الرواية ما إذا وهم أن يسمّي صداقها، وهو يقتضي كونه أراد التسمية فنسيها.»[8]

قال الشهيد الثاني في الاستدلال على الحكم مضافاً على التمسّك بخبر أسامة بن حفص: «الأخبار بكون مهر السنّة خمسمائة درهم مستفيضة. وأمّا كونه على كتاب الله كذلك فليس فيه ما يدلّ‌ عليه بخصوصه، لكنّه تعالى قال: ﴿وَما آتاكُمُ‌ الرَّسُولُ‌ فَخُذُوهُ﴾[9] وممّا أتانا به كون السنّة في المهر ذلك. وقد روي أنّ صداقه(ص) لأزواجه وبناته كلّهنّ‌ كان ذلك.»[10]

لكنّه أشكل عليها بعد ذلك وقال: «إن كان على الحكم إجماع وإلا فلا يخلو من إشكال، لأنّ تزويجها على الكتاب والسنّة أعمّ‌ من جعل المهر مهر السنّة كما لا يخفى، إذ كلّ‌ نكاح مندوب إليه بل جائز فهو على كتاب الله وسنّة نبيّه.»[11]

وأجاب صاحب الجواهر عن إشكال الشهيد الثاني بأنّه لا وجه لهذا الإشكال مع دلالة حسنة أسامة بن حفص[12] .

غير أنّ الإشكال الوارد على التمسّك بالرواية أنّ طرفي النكاح إذا لم يقصدا مهر السنّة ولم يكن مرادهما من النكاح على كتاب الله وسنّة نبيّه(ص) مثل هذا المهر، فكيف يمكن أن يقال: إنّ الشارع قال بثبوت مهر السنّة تعبّداً؟ إذ لا يحتمل التعبّد في أمثال هذا المورد.

فيحتمل في توجيه الرواية أمران:

1 ـ مراد الإمام(ع) في حسنة أسامة بن حفص أنّه لو اختلف الزوجان في مقام الإثبات بعد هذا العقد في مقدار المهر، فالعبارة المذكورة ـ أي كون النكاح على كتاب الله وسنّة نبيّه(ص) ـ قرينة على أنّ مقدار المهر هو مهر السنّة، فإذا اتّفق الطرفان في أنّ مقدار المهر لم يكن مهر السنّة، فلا يمكن أن تدلّ الرواية على وجوب مهر السنّة تعبّداً صداقاً للمرأة.

2 ـ المراد منه أنّ الزوجين قصدا حين النكاح أن يكون المهر بالمقدار المعيّن في سنّة رسول الله(ص) وإن كان مقداره مجهولاً لهما حين العقد.

قال صاحب الوسائل ذيل الخبرين السابقين: «هذا محمول‌ إمّا على أنّه‌ تزوّجها على مهر السنّة‌ لما... يدلّ‌ على أنّه‌ كان‌ متعارفاً أن‌ يقال‌ في الصيغة:‌ على كتاب‌ الله‌ وسنّة‌ نبيّه(ص)،‌ وإمّا على الاستحباب‌ بالنسبة‌ إلى المرأة.»[13]

وقال صاحب الجواهر: «ثمّ الزوجان قد يعلمان أنّ مهر السنّة هذا المقدار، وقد لا يعلمانه، وقد يعلمه أحدهما دون الآخر... ولمّا كان ذلك معلوماً في الشريعة لم يضرّ خفاؤه عليهما، لعدم الدليل على اعتبار المعلوميّة في المهر بأزيد من ذلك، بل إن لم يقم إجماع على فساد المهر لو قال: «مهر فلانة أو أُمّها» أو غير ذلك ممّا هو معلوم ومضبوط كان المتّجه فيه الصحّة أيضا...

نعم، لو فرض كون المراد بهذه العبارة أنّه نكاح غير سفاح ولم يقصد المهر لا عموماً ولا خصوصاً، كان الواجب مهر المثل حينئذٍ، لعدم ذكر المهر فيه حينئذٍ، لكنّه خروج عن فرض المسألة الظاهر فيما سمعت، وحينئذٍ يكون المهر مذكوراً في العقد ثابتاً به لا بالدخول، كمهر السنّة الثابت للمفوّضة في بعض الصور، ولذا حكم بثبوته مع الموت في الخبر المزبور.»[14]

والحقّ ما قال به صاحب الجواهر وإن لم تصحّ دعواه من خروج فرض عدم قصد الطرفين للمهر عن المسألة، لأنّ إطلاق كلمات الأصحاب تشمل الفرض أيضاً، بل قد يدّعى أنّ كلماتهم ظاهرة في هذا المورد.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo