< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ سیدعلي الموسوي‌اردبیلي

44/05/17

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: التدليس / الغرور / روايات قول الثاني

 

الرواية الأُخرى التي استدلّ بها على القول الثاني هي خبر الحسين بن خالد التي جاء فيها: «سألت‌ أبا الحسن(ع)‌ عن‌ مهر السنّة،‌ كيف‌ صار خمسمائة؟‌ فقال:‌ إنّ‌ الله‌ تبارك‌ وتعالى أوجب‌ على نفسه‌ ألا يكبّره‌ مؤمن‌ مائة‌ تكبيرة‌ ويسبّحه‌ مائة‌ تسبيحة‌ ويحمّده‌ مائة‌ تحميدة‌ ويهلّله‌ مائة‌ تهليلة‌ ويصلّي‌ على محمّد وآله‌ مائة‌ مرّة‌ ثمّ‌ يقول:‌ «اللهمّ‌ زوّجني من‌ الحور العين»‌ إلا زوّجه‌ الله‌ حوراء‌ عين‌ وجعل‌ ذلك‌ مهرها. ثمّ‌ أوحى الله‌ عزّ وجلّ‌ إلى نبيّه(ص)‌ أن‌ سنّ‌ مهور المؤمنات‌ خمسمائة‌ درهم‌، ففعل‌ ذلك‌ رسول‌ الله(ص).‌ وأيّما مؤمن‌ خطب‌ إلى أخيه‌ حرمته‌ فقال:‌ «خمسمائة‌ درهم‌» فلم‌ يزوّجه،‌ فقد عقّه‌ واستحقّ‌ من‌ الله‌ عزّ وجلّ‌ ألا يزوّجه‌ حوراء‌.»[1] [2]

لكن هذا الخبر أيضاً ـ مع غضّ الطرف عن إشكاله السنديّ ـ لا دلالة فيه على لزوم الاقتصار على مهر السنّة، بل دلالته على الجواز أكثر، لأنّ ظاهره جواز مطالبة الأكثر من مهر السنّة وإن كان ذلك مذموماً.

ويتّضح بذلك أنّه لا وجه لدعوى الشيخ الصدوق والسيّد المرتضى، وإن لم يبعد حمل كلام الصدوق على الاستحباب، خاصّة بقرينة ما أورده في المقنعة: «وإذا تزوّجت فانظر أن لا يجوز مهرها مهر السنّة ـ وهي خمسمائة درهم ـ فعلى هذا تزوّج رسول الله(ص) نساءه وعليه زوّج بناته.»[3]

وأمّا بالنسبة إلى دعوى السيّد المرتضى فقد قال صاحب الجواهر: «قد يقال: إنّ المرتضى أجلّ من أن يخفى عليه ما في الكتاب والسنّة المتواترة وفعل الصحابة والتابعين وتابعيهم وما عليه الطائفة المحقّة واحتجاج الامرأة على عمر وغير ذلك. واحتمال الاعتذار عنه بأنّ ذلك منه بناءً على مذهبه من أنّه ليس للعموم صيغة تخصّه، فحينئذٍ قوله(ع): «ما تراضى عليه الزوجان» لا دلالة فيه على العموم.

يدفعه أوّلاً: عدم حصر الدليل في نحو ذلك كما عرفت.

وثانياً: أنّه وإن قال: إنّه ليس له لغةً لكنّه وافق على كونه في الشرع كذلك.

وثالثاً: أنّ النصوص المزبورة فيها ما يدلّ على إرادة العموم، كقوله(ع) «قلّ أو كثر» ونحو ذلك.

كاحتمال الاعتذار عنه بأنّ مراده الاستحباب وكراهة الزيادة واستحباب العفو عنها مع فرض حصولها ونحو ذلك ممّا ينافيه ظاهر كلامه أو صريحه.

نعم قد يقال: إنّ مراده أنّ المهر وإن لم يكن له وضع شرعيّ إلا أنّ له مسمّى كذلك، وكلّ حكم في الشريعة كان عنوانه لفظ «مهر» يراد منه الشرعي، فإذا أمهرت الامرأة أزيد من الخمسمائة، كان الجميع واجباً على الزوج قطعاً، إلا أنّ المهر الشرعيّ منه الخمسمائة والزائد مهر عرفيّ واجب شرعيّ على الزوج أيضاً، وإن شئت فسمّه نحلة، وكأنّه إليه أومأ الجواد(ع)، فإذا قال الشارع مثلاً: «للامرأة الامتناع عن الزوج حتّى تتسلّم المهر» ولم تكن ثمّ قرينة على إرادة العرفي كان الواجب الشرعي، وهكذا...

وحينئذٍ فالوجه في ردّه منع المسمّى الشرعي للمهر على الوجه المزبور كمنع وضعه كذلك، وإن اشتهر التلفّظ بمهر السنة في النصوص وغيرها، لكن ليس المراد منه مسمّى شرعيّ للمهر على وجه يكون عنواناً للأحكام الشرعيّة المعلّقة على المهر الظاهر عرفاً بالعوض المقابل للبضع في العقد، لا ردّه بالآية والروايات وفعل الصحابة وغير ذلك ممّا سمعت ما لا ينكره بناءً على ما ذكرنا.»[4]

ومراده ممّا فعل الإمام الجواد(ع) هو الخبر الوارد عن زواجه ببنت المأمون، حيث ورد فيه أنّه (ع) قال عند ذكر المهر: «بذلت‌ لها من‌ الصداق‌ ما بذله‌ رسول‌ الله(ص) لأزواجه‌ وهو اثنتا عشرة‌ أوقيّة‌ ونشّ‌ على تمام‌ الخمسمائة‌ وقد نحلتها من‌ مالي مائة‌ ألف‌ درهم.»[5]

وملخّص ما ذكره في توجيه كلمات السيّد المرتضى أنّه وإن كان يجب تسليم كلّ ما يجعل مهراً في النكاح للمرأة، ولكن للمهر مصطلح خاصّ لدى الشارع وهو مهر السنّة، والأحكام الخاصّة التي ترتّبت على المهر فيجب حملها على هذا المعنى المصطلح.

وأجاب على هذا التوجيه بأنّه لم يثبت اعتبار هذا المصطلح عند الشارع بحيث يكون المراد ذلك متى ما استعملت مفردة المهر في الأدلّة.

هذا، مضافاً إلی أنّه يمكن أن يقال: إذا حملنا المهر في الأدلّة على هذا المعنى، فلا وجه لعدم حمل وجوب دفع المهر عليه، ونقول: ما يجب دفعه هو المهر بمعناه العرفيّ، لأنّ الأدلة التي ورد فيها وجوب دفع المهر أيضاً فهي لم تستخدم إلا المهر، وليس في تلك الأدلّة قرينة تجعلنا نعتبر المعنى المراد فيها غير المعنى المراد في سائر الأدلّة.

فإذن تبيّن إلى هاهنا أنّ المهر كما لا حدّ له شرعاً في القلّة، فكذلك لم يحدّد في الأدلّة الشرعيّة من جانب الكثرة، فيتبع اتّفاق الطرفين، وهذا لا يشكل فيما إذا كان المهر عيناً خارجيّة.

وأمّا إذا كان المهر كليّاً في ذمّة الزوج وتغرمه الزوجة، فهل يمكن الالتزام مطلقاً بعدم وجود حدّ له من حيث الكثرة وإن عُلم أنّ الزوج لن يتمكّن من أدائه إليها؟

إطلاق كلمات الأصحاب يشمل المورد، ولكنّ للسيّد الوالد تأمّل في المسألة حيث قال: إنّ المهر الذي يقبله الزوج في ذمّته إذا كان من حيث المقدار بحيث لا يتمكّن الزوج من أدائه فعلاً ولا يتوقّع عادة في المستقبل أن يقدر عليه، فليس للزوج في هذه الصورة قصد جديّ للمهر فلا يتعلّق بذمّته.

لكن قد يشكل على هذا الاستدلال بأنّ حكم العرف بأنّ المهر خارج عن قدرة الزوج، لا ينافي أن يقصده الزوج جادّاً، إذ ربّما يقع الزوج في ظروف ـ على الرغم من مخالفة أقربائه ـ فيقصد بذل مهر كثير ويظنّ أنّه سيتمكّن من أدائه وإن كان جميع من حوله يرون ذلك مستحيلاً.

على أنّ الزوج حتّى لو علم أنّه لن يتمكّن من أدائه، فغاية ما يدلّ عليه ذلك أنّه لم يقصد أداء المهر ـ أي ما بذمّته من الدين ـ منذ البداية، وهذا لا ينافي اشتغال ذمّته، لأنّ شغل الذمّة ليس متوقّفاً على قصد دفع دين الغريم.

فالأفضل في الاستدلال على عدم صحّة المهر في هذه الصورة أن يقال: إنّ الذمّة ليست ظرفاً يتحكّم به صاحب الذمّة بشكل كامل فيقدر على شغلها بأيّ شيء أراد، بل تعلّق الشيء في الذمّة متوقّف على اعتبار العقلاء لجعل الذمّة محلاً له وقبولهم به، لأنّ الذمّة ظرف اعتباريّ واشتغاله متوقّف على قبول العقلاء لشغله بالمورد. وبعبارة أُخرى فإنّ الذمّة لا تشتغل إلا بأمر عقلائيّ ولا يكفي في اشتغالها مجرّد قصد صاحب الذمّة.

وبالنتيجة لو لم يقدر الزوج على دفع المهر ولو في المستقبل، فبما أنّ العقلاء لا يرون ذمّته صالحةً لتكون ظرفاً للمهر، فليس لشغل ذمّته بذلك المهر مصحّح عقلائيّ فيبطل المهر.

علماً بأنّ ما قلناه في سعة الذمّة إنّما هو فيما قصد الشخص شغل ذمّته اختياراً، وأمّا موارد الضمان القهريّ ـ مثل موارد الإتلاف ـ فإنّ العقلاء لا يعتبرون حدّاً لشغل الذمّة فيها.

ففيما يتعلّق المهر بالذمّة وإن لم يكن للمهر حدّ من حيث الكثرة شرعاً، ولكن محدوديّة الذمّة بما يقبل به العقلاء، تمنع من اشتغال الذمّة بما لا يمکن أداؤه للزوج عادةً.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo