< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ سیدعلي الموسوي‌اردبیلي

44/05/16

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: التدليس / الغرور / جواز تعيين المهر زائداً علی مهر السنة

 

وأمّا ما قيل من أنّ المهر بما أنّه عوض عن منافع البضع، فيكون تعيين مقداره بيد طرفي المعاوضة مثل أيّ عوض آخر، فهذه الدعوى غير صحيحة، لأنّ المهر ليس عوضاً عن منافع البض

ومستند من ذهب إلى عدم جواز تعيين المهر زائداً على مهر السنة، هو ما رواه الشيخ بإسناده عن محمّد بن أحمد بن يحيی عن محمّد بن الحسين عن محّد بن سنان عن مفضّل‌ بن‌ عمر، قال‌: «دخلت‌ على أبي عبدالله(ع)‌ فقلت‌ له:‌ أخبرني عن‌ مهر المرأة‌ الذي لا يجوز للمؤمنين‌ أن‌ يجوزوه؟‌ قال: فقال: السنّة‌ المحمّديّة،‌ خمسمائة‌ درهم،‌ فمن‌ زاد على ذلك‌ ردّ إلى السنّة، ولا شي‌ء‌ عليه‌ أكثر من‌ الخمسمائة‌ درهم؛‌ فإن‌ أعطاها من‌ الخمسمائة‌ درهم‌ درهماً أو أكثر من‌ ذلك‌ ثمّ‌ دخل‌ بها فلا شي‌ء‌ عليه. قال: قلت: فإن‌ طلّقها بعدما دخل‌ بها؟ قال: لا شي‌ء‌ لها، إنّما كان‌ شرطها خمسمائة‌ درهم‌، فلمّا أن‌ دخل‌ بها قبل‌ أن‌ تستوفي‌ صداقها هدم‌ الصداق، فلا شي‌ء‌ لها، إنّما لها ما أخذت‌ من‌ قبل‌ أن‌ يدخل‌ بها، فإذا طلبت‌ بعد ذلك‌ في حياة‌ منه‌ أو بعد موته‌ فلا شي‌ء‌ لها.»[1] [2]

لا إشكال في إسناد الشيخ إلى محمّد بن أحمد بن يحيى ـ صاحب نوادر الحكمة ـ والمراد من محمّد بن الحسين في السند هو ابن أبي الخطّاب الزيّات الكوفي وهو ثقة جليل القدر.

وبالنسبة إلى محمّد بن سنان فهو وإن كان الشيخ قد ضعّفه في التهذيب وفي ذيل هذه الرواية وقال: «أوّل‌ ما في هذا الخبر أنّه‌ لم‌ يروه‌ غير محمد بن‌ سنان‌ عن‌ المفضّل‌ بن‌ عمر ومحمّد بن‌ سنان‌ مطعون‌ عليه‌ ضعيف‌ جدّاً وما يستبدّ بروايته‌ ولا يشرَكه‌ فيه‌ غيره‌ لا يعمل‌ عليه» ولكنّا بينّا سابقاً أنّه معتبر عندنا.

وأما المفضّل بن عمر ـ صاحب توحيد المفضّل ـ فقد قال فيه صاحب جامع الرواة: «لقي أبا عبدالله(ع)، الجعفي الكوفي، أبو عبدالله وقيل: أبو محمّد، كوفيّ، فاسد المذهب، مضطرب الرواية، لا يعبأ به، متهافت مرتفع القول، خطّابي، وقد زيد عليه شي‌ء كثير. وحمل الغلاة في حديثه حملاً عظيماً. ولا يجوز أن يكتب حديثه. روى عن أبي عبدالله(ع) وأبي الحسن(ع). وقيل: إنّه كان خطّابيّاً وقد ذكرت له مصنّفات لا يعوّل عليها.

والمفيد في ارشاده عدّه من شيوخ أصحاب أبي عبدالله(ع) وخاصّته وبطانته وثقات الفقهاء الصالحين.

والشيخ الطوسى قال في كتاب الغيبة: ومنهم المفضّل بن عمر، أي من المحمودين ممّن كان يختصّ بإمام ويتولّى له الأمر.

وروي روايات غير نقيّة الطريق في مدحه وأورد الكشّي أحاديث تقتضي مدحه والثناء عليه لكن طرقها غير نقيّة كلّها، وأحاديث تقتضي ذمّه والبراءة منه كمّا في الخلاصة، وهي أقرب إلى الصحّة، فالأولى عدم الاعتماد، والله أعلم بحاله.»‌[3]

والظاهر أنّ أهمّ ما أُشكل عليه هو غلوّه، وقد بيّنّا سابقاً أنّ الرمي بالغلوّ كان قليل المؤونة في عصر الأصحاب ولا يمكن الوثوق بالتضعيف بمجرّد الرمي بالغلوّ. كما أنّ الظاهر من كلام الشيخ في الرواية أيضاً أنّه لا يجد إشكالاً سنديّاً لوجود المفضّل بن عمر فيه، إذ على الرغم من تضعيفه السند بوجود محمّد بن سنان فإنّه لم يتعرّض له في بحث السند.

فلا يبعد اعتبار الرواية سنداً.

وأمّا من حيث الدلالة فقد قال الشيخ: «إنّ‌ الخبر يتضمّن‌ أنّ‌ المهر لا يزاد على خمسمائة‌ درهم‌ ومتى زيد ردّ إلى الخمسمائة،‌ وهذا أيضاً قد قدّمنا خلافه‌ وأنّ‌ المهر ما تراضى عليه‌ الناس،‌ قليلاً كان‌ أو كثيراً... على أنّ‌ قوله‌ في الخبر: «فإن‌ أعطاها من‌ الخمسمائة‌ درهم‌ درهماً فلا شي‌ء‌ عليه‌ بعد ذلك‌ ولا لورثتها» فليس‌ فيه‌ أنّه‌ ليس‌ عليه‌ شي‌ء‌ بعد أن‌ يكون‌ قد فرض‌ لها ذلك‌، ويجوز أن‌ يكون‌ قد قصد إلى أنّه‌ فإن‌ أعطاها من‌ الخمسمائة‌ درهم‌ ـ الذي هو السنّة‌ في المهر ـ درهماً يستبيح‌ بذلك‌ فرجها، فليس‌ لها بعد ذلك‌ شي‌ء‌ ولا لورثتها.»[4]

فيرى الشيخ صدر الرواية مرجوحاً لوجود أخبار تدلّ على عدم محدوديّة المهر كثرةً، كما يرى أنّ المراد من ذيلها أنّ المرأة إذا رضيت قبل الدخول بأن يكون مهرها درهماً أو أكثر ومكّنته من الدخول، فلا يحقّ لها أن تطالبه بشيء بعنوان المهر.

لكنّ الحقّ أنّ الرواية ضعيفة لإعراض الأصحاب عنها ولا يمكن التمسّك بها، وإن كان توجيه الشيخ لذيلها مقبول وهو ظاهر كلام الصدوق، لأنّه قال بعدم سقوط المهر بالوطء فيما إذا كان المهر ديناً في ذمّة الزوج.

وأمّا الرواية الثانية التي ذكرت مستنداً للمسألة فهي حسنة محمّد بن مسلم: «قال‌ أبو جعفر(ع): تدري من‌ أين‌ صار مهور النساء‌ أربعة‌ آلاف؟‌ قلت‌: لا. قال:‌ فقال:‌ إنّ‌ أُمّ‌ حبيب‌ بنت‌ أبي سفيان‌ كانت‌ بالحبشة‌ فخطبها النبيّ(ص) وساق‌ إليها عنه‌ النجاشيّ‌ أربعة‌ آلاف،‌ فمن‌ ثمّ‌ يأخذون‌ به، فأمّا المهر فاثنتا عشرة‌ أوقيّة‌ ونشٍّ.»[5] [6]

ولكن هذه الرواية فضلاً عن عدم دلالتها على لزوم الاقتصار على مهر السنّة ـ اي اثنتي عشرة أوقيّة ونشّاً ـ فهي صريحة في أنّ صداق أُمّ حبيبة كان عشرة أضعاف مهر السنّة.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo