< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ سیدعلي الموسوي‌اردبیلي

44/05/10

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: التدليس / الغرور / عدم علم المرأة بأنّ المهر المسمّى ليس له ماليّة شرعاً

 

درسنا في الجلسة السابقة الفرض الأوّل من المسألة وكذا الحالة الأُولى من الصورة الأُولى من الفرض الثاني.

الحالة الثانية: عدم علم المرأة بأنّ المهر المسمّى ليس له ماليّة شرعاً

في هذه الحالة، بما أنّ تعيين المهر من قبل المرأة لا يلازم قصدها لعدم المهر، فيمكن القول باستحقاقها لقيمة المهر المسمّى عند مستحلّيه، والوجه فيه أنّها قصدت شيئاً فيه جانبان: جانب ماليّته العرفيّة وجانب خصائصه ـ كالخمريّة ـ والمنفيّ من قبل الشارع هو الجانب الثاني لا الأوّل، ولذلك لو كان يطلب ذمّي من آخر خمراً في ذمّته ثمّ أسلم، فلا يحقّ له المطالبة للجانب الثاني، ولكن حقّه من الجانب الأوّل ما زال باقياً وله أن يطالبه بقيمة الخمر عند مستحلّيه.

لا يقال: إنّ التبديل إلى البدل إنّما يحصل في الأعيان الخارجيّة التي تلفت، فتبدل إلى بدلها إن كانت مثليّة وإن كانت قيميّة فتتعلّق قيمتها بالذمّة. وأمّا بالنسبة إلى الأُمور الكلية التي تشغل الذمّة ابتداءً، فلا وجه لتعلّق بدلها بالذمّة، بل لا يمكن تصوّر البدليّة في هذه الأُمور.

إذ يجاب بأنّ عدم تصوّر البدليّة في الكليّات إنّما يكون في الكلّي ذي الأفراد، إذ في هذه الصورة لا يؤدّي تعذّر فرد منه إلى تبدّل ما في الذمّة، لأنّ أداءه ممكن في ضمن سائر الأفراد.

ولكن إذا كان الكليّ بنحو لا يمكن أداؤه أساساً ـ إمّا لعدم وجود فرد له خارجاً وإمّا بسبب نهي الشارع عن جميع أفراده الخارجيّة ـ ففي هذه الصورة يمكن القول بتبديل ما في الذمّة إلى بدلها الكلّي، وبما أنّ الكلّي لا مثل له فلا مناص من اشتغال الذمّة بماليّته.

فمثلاً لو اقترض أحد من آخر قمحاً ولم يجد قمحاً عند حلول وقت الأداء حتّى يؤدّي دينه، فعليه أن يدفع قيمته للدائن.

نعم، إذا كان تعلّق الكلّي بالذمّة ضمن معاملة معاوضيّة كالبيع، فلو علم أنّ الكلّي لا فرد له في الخارج أو أنّ جميع أفراده منهيّ عنها شرعاً، فالمعاملة باطلة، وهذا يكشف عن أنّ ذمّة البائع لم تشتغل بالكلّي منذ البداية، ولكن في غير المعاوضات فلا وجه لكشف بطلان اشتغال الذمّة.

الصورة الثانية: كون المهر عيناً خارجيّة

ولهذه الصورة أربع حالات:

الحالة الأُولى: أن تعيّن الزوجة المهر بدعوى علمها بماهيّة العين الخارجيّة مشيرة إليه

ولهذه الحالة موردان:

المورد الأوّل: أن تعلم المرأة بوجود ما ليس له ماليّة شرعاً ـ كالخمر ـ في الإناء، فتقول: «أعلم ما في الإناء وصداقي هو ما يوجد فيه» ففي هذه الصورة إذا تبيّن أنّ الموجود بداخل الإناء خمر، فهي في حكم من فوّضت بضعها، والوجه فيه ما تقدّم في الحالة الأُولى من الصورة الأُولى.

وإن تبيّن أنّ للموجود بداخل الإناء ماليّة عرفاً ولم ينف الشرع ماليّته أيضاً ـ كالخلّ ـ فحكم مفوّضة البضع نفسه جارٍ عليها أيضاً، لأنّ الموجود في الإناء لم يكن مقصوداً لها، وما قصدته كان منهيّاً عنه شرعاً.

علماً بأنّ هذا إنّما يصحّ فيما إذا كانت المرأة عالمة بعدم ماليّة الخمر شرعاً وعدم إمكان تمليكه وتملّكه، وإلا ـ كما تقدّم ـ فهي تستحقّ قيمته عند مستحلّيه. هذا، ولو ادّعى الزوج أنّ الزوجة قبلت بالمهر وهي عالمة بأنّ ما في الإناء خلّ، فعلى الزوجة أن تثبت دعواها.

المورد الثاني: أن تعلم المرأة أنّ لما في الإناء ماليّة شرعيّة ـ كالخلّ ـ فتذكر مهرها على النحو المذكور ثمّ يتبيّن في هذه الصورة أنّ الموجود بداخل الإناء خلّ، فلا إشكال في استحاقها المهر.

ولكن إذا تبيّن أنّ الموجود بداخل الإناء ممّا لا ماليّة له شرعاً ـ كالخمر ـ فهي تستحق بدل ما كانت تظنّ وجوده في الإناء، فإذا كان مثليّاً كالخلّ، فعلى الزوج إعطاء مثله إليها وإلا فقيمته.

وفي هذه الصورة أيضاً لو ادّعى الزوج أنّ الزوجة جعلت محتوى الإناء مهراً علماً منها بأنّ فيه خمر، فيلزم الزوجة أن تثبت دعواها وإلا فتكون بحكم التي فوّضت بضعها، إلا إذا تبيّن أنّها لم تكن عالمة بعدم إمكان جعل الخمر مهراً، فتستحقّ قيمة الخمر عند مستحلّيه.

الحالة الثانية: أن يكون المهر مبهماً ويعيّن بالإشارة دون ذكر وصف

كما لو قالت الزوجة: «إنّ صداقي ما يوجد في هذا الإناء» فإذا تبيّن أنّ محتواه ممّا له ماليّة شرعاً، فصحّة المهر متوقّفة على عدم القول باستلزام الإبهام في المهر للبطلان.

ولكن إذا تبيّن فيما بعد أنّ فيه خمراً، فإن قلنا ببطلان المهر عند الإبهام، فتكون مفوّضة البضع، وإلا استحقّت قيمة الخمر عند مستحلّيه، والوجه فيه هو ما تقدّم سابقاً.

الحالة الثالثة: أن يعيّن المهر بالإشارة وبذكر وصف يمنع الشرع منه

كما لو قالت الزوجة: «إنّ صداقي هو الخمر الموجود في هذا الإناء» فلو تبيّن أنّ الموجود فيه خمر وقد جعلته مهراً مع العلم بعدم إمكان جعله مهراً، فقد فوّضت بضعها، وإن كان جاهلة بعدم ماليّة الخمر شرعاً، فتطلب الزوج قيمة الخمر عند مستحليّه.

ولكن إذا تبيّن أنّها قد أخطأت وأنّ محتوى الإناء شيء ذو ماليّة شرعيّة كالخلّ، فإن قلنا بتقديم الوصف على الإشارة، فالحكم كما لو جعل الخمر مهراً. وإن قلنا بتقديم الإشارة على الوصف، فهي تستحقّ الشيء الموجود في الإناء.

الحالة الرابعة: أن يعيّن المهر بالإشارة وذكر وصف لا مانع منه شرعاً ثمّ انكشف خلافه

كما لو قالت الزوجة: «إنّ صداقي هو الخلّ الموجود في هذا الإناء» ثمّ تبيّن أنّ الذي كان فيه خمر، ففي هذه الصورة إن قلنا بتقديم الوصف على الإشارة، فتستحقّ بدل ما ذكرت وصفه إمّا بمثله أو بقيمته، وإن قلنا بتقديم الإشارة على الوصف، فهي تستحقّ قيمة الخمر عند مستحلّيه.

فتبيّن أنّه لا وجه لاستحقاق الزوجة لمهر المثل بمجرّد العقد، إذ ـ كما قال الشهيد الثاني ـ فإنّ موضوع مهر المثل هو الوطء المحترم لا العقد.

لكن لا وجه لبطلان العقد إلا إذ قيّد عقد النكاح بكون المهر ما تعيّنه المرأة بنحو لا تقصد النكاح بدونه أساساً، وفي هذه الصورة لو انتفى إمكان جعل الشيء مهراً، فينتفي قصدها لعقد النكاح أيضاً فيبطل النكاح.

ووجه البطلان وعدم إمكان تصحيح العقد برضاً لاحق في هذا الفرض هو أنّ الرضا اللاحق إنّما يكون مصحّحاً للعقد إذا بقي المُنشأ بتمامه على حاله، وأمّا في صورة تقيّد المُنشأ بمهر معيّن، فبانتفاء ذلك المهر ينتفي المُنشأ أيضاً ولا يبقى محلّ للحوق الإجازة به.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo