< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ سیدعلي الموسوي‌اردبیلي

44/04/28

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: التدليس / الغرور / جعل إجارة الزوج نفسه مهراً في النكاح

 

تقدم في الجلسة السابقة أنّ بعض الأصحاب منعوا من جعل إجارة الزوج نفسه مهراً في النكاح.

قال الشيخ في النهاية: «لا يجوز العقد على إجارة، وهو أن يعقد الرجل على أن يعمل لها أو لوليّها أيّاماً معلومة أو سنين معيّنة.»[1]

وتبعه فيه بعض الأصحاب مثل ابن البراج[2] وابن حمزة[3] والكيدري[4] .

والظاهر أنّهم استندوا في قولهم إلى حسنة أحمد بن‌ محمّد بن‌ أبي نصر، قال: «قلت‌ لأبي الحسن‌(ع): قول‌ شعيب‌(ع): ﴿إِنِّی أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَیَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنی ثَمَانِیَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ﴾[5] أيّ‌ الأجلين‌ قضى؟ قال:‌ الوفاء‌ منهما أبعدهما، عشر سنين‌. قلت:‌ فدخل‌ بها قبل‌ أن‌ ينقضي‌ الشرط أو بعد انقضائه‌؟ قال:‌ قبل أن‌ ينقضي‌. قلت‌ له:‌ فالرجل‌ يتزوّج‌ المرأة‌ ويشترط لأبيها إجارة‌ شهرين‌، يجوز ذلك‌؟ فقال:‌ إنّ‌ موسى(ع) قد علم‌ أنّه‌ سيتمّ‌ له‌ شرطه،‌ فكيف‌ لهذا بأن‌ يعلم‌ أنّه‌ سيبقى حتّى يفي‌ له‌؟ وقد كان‌ الرجل‌ على عهد رسول‌ الله(ص) يتزوّج‌ المرأة‌ على السورة‌ من‌ القرآن‌ وعلى الدرهم‌ وعلى القبضة‌ من‌ الحنطة.»‌[6] [7]

ولكن الشيخ (ره) خالف في الخلاف ما ذهب إليه في النهاية فقال: «يجوز أن يكون منافع الحر مهراً، مثل: تعليم آية، أو شعر مباح، أو بناء، أو خياطة ثوب وغير ذلك ممّا له أُجرة.

واستثنى أصحابنا من جملة ذلك الإجارة، فقالوا: لا يجوز ذلك؛ لأنّه كان يختصّ بذلك موسى(ع)...

دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم.

وأيضاً روى سهل بن سعد الساعدي أنّ امرأة أتت النبي(ص) فقالت: يا رسول الله! إنّي قد وهبت نفسي لك. فقامت قياماً طويلاً. فقام رجل فقال: يا رسول الله! زوّجنيها إن لم تكن لك فيها حاجة. فقال رسول الله(ص): هل عندك من شيء تصدقها إيّاه‌؟ فقال: ما عندي إلا إزاري هذا. فقال النبي(ص): إن أعطيتها إيّاه جلست ولا إزار لك، فالتمس شيئاً. فقال: ما أجد شيئاً. فقال: التمس ولو خاتماً من حديد. فالتمس فلم يجد شيئاً. فقال له رسول الله(ص): هل عندك من القرآن شيء؟ قال: نعم. سورة كذا وسورة كذا، قد سمّاهما. فقال له رسول الله(ص): قد زوّجتكها بما معك من القرآن.

وظاهره أنّه جعل الذي معه من القرآن صداقاً، وهذا لا يمكن، فقد ثبت أنّه إنّما جعل الصداق تعليمها إيّاه.

وروى عطاء عن أبي هريرة أنّ النبيّ(ص) قال للرجل: ما تحفظ من القرآن‌؟ قال: سورة البقرة والتي تليها. قال: فقم وعلّمها عشرين آية وهي امرأتك.»[8]

وحاول ابن إدريس أن يوجّه كلام الشيخ في النهاية والخلاف بنحو يرفع الاختلاف بينهما فقال في السرائر: «ما بين قوله في نهايته وبين قوله في مسائل خلافه، تضادّ ولا تنافٍ، لأنّه قال في نهايته: «ولا يجوز العقد على إجارة» وهو أن يعقد الرجل على امرأة على أن يعمل لها أو لوليّها أيّاماً معلومة أو سنين معيّنة فأضاف العمل إليه بعينه على ما قدّمناه وحرّرناه، فامّا قوله في مسائل خلافه: «يجوز أن يكون منافع الحرّ مهراً...» يريد بذلك أن لا تكون الإجارة معيّنة بنفس الرجل بل تكون في ذمّته يحصّلها إمّا بنفسه أو بغيره، وذلك جائز على ما بيّنّاه.»[9]

ومراده من «ما قدّمناه» هو ما بيّنه سابقاً من أنّه «استثنى بعض أصحابنا من جملة ذلك الإجارة إذا كانت معيّنة يعملها الزوج بنفسه، قال: لأنّ ذلك كان مخصوصاً بموسى(ع)، والوجه في ذلك أنّ الإجارة إذا كانت معيّنة لا تكون مضمونة، بل إذا مات المستأجر لا تؤخذ من تركته ويستأجر لتمام العمل، وإذا كانت في الذمّة تؤخذ من تركته ويستأجر لتمام العمل.

والذي أعتمده وأعمل عليه وأُفتي به أنّ منافع الحرّ تنعقد بها عقود النكاح ويصحّ الإجارة والأُجرة على ذلك، سواءً كانت الإجارة في الذمة أو معيّنة، لأنّ الأخبار على عمومها، وما ذكره بعض أصحابنا من استثنائه الإجارة وقوله: «كانت مخصوصة بموسى(ع)» فكلام في غير موضعه واعتماد على خبر شاذّ نادر، فإذا تؤمّل حقّ التأمّل بان ووضح أنّ شعيباً استأجر موسى ليرعى له لا ليرعى لبنته، وذلك كان في شرعه وملّته أنّ المهر للأب دون البنت على ما قدّمناه في صدر الباب، فإذا كان كذلك فإنّه لا يجوز في شرعنا ما جاز في شرع شعيب(ع)، فأمّا إذا عقد على إجارة ليعمل لها فالعقد صحيح، سواء كانت الإجارة معيّنة أو في الذمّة.

وقد أورد شيخنا أبو جعفر في كتاب تهذيب الأحكام خبراً وهو محمّد بن يعقوب، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد الله(ع)، قال: «لا يحلّ النكاح اليوم في الإسلام بإجارة بأن يقول: أعمل عندك كذا وكذا سنة على أن تزوّجني أُختك أو ابنتك، قال: حرام، لأنّه ثمن رقبتها وهي أحقّ بمهرها.»[10] [11]

فهذا يدلّك على ما حرّرناه وبيّنّاه، فمن استثنى من أصحابنا الإجارة التي فعلها شعيب(ع) مع موسى(ع) فصحيح، وإن أراد غير ذلك فباطل.»[12]

ولكن أورد المحقّق الثاني على توجيه ابن إدريس بالنسبة إلى ما استدلّ به علی عدم جواز جعل الإجارة مهراً، وقال: إنّ المذكور في حسنة البزنطيّ مانعاً من صحّة الإجارة هو عدم العلم بحياة الزوج حتّى الانتهاء من مدّة الإجارة، ولا فرق في ذلك بين أن تعقد الإجارة للزوجة أو لأبيها.[13]

وأشكل صاحب الجواهر أيضاً على الفرق الذي قال به ابن إدريس بين نحوي الإجارة فقال: «إذا جعل عمله نفسه مهراً، فإن فعل فلا إشكال وإن مات بعد الدخول مثلاً ولم يعمل، كان لها قيمة ذلك العمل من تركته، إذ هو مضمون عليه حتّى يوصله إليها، وليس هو كالإجارة في الانفساخ بتلف العين المستأجرة.

على أنّه لو سلّم يكون لها مهر المثل حينئذٍ، لعدم خلوّ البضع عن المهر، والفرض انفساخ العقد بالنسبة إلى المسمّى.»[14]

ولكنّ الحقّ صحّة تفصيل ابن إدريس بالنسبة إلى قسمي الإجارة، فإذا اشترطت مباشرة الأجير في العمل، فلا وجه للقول بلزوم أداء العمل من تركته حال وفاته.

قال في العروة الوثقی: «تبطل إذا آجر نفسه للعمل بنفسه من خدمة أو غيرها، فإنّه إذا مات لا يبقى محلّ‌ للإجارة، وكذا إذا مات المستأجر الذي هو محلّ‌ العمل من خدمة أو عمل آخر متعلّق به بنفسه. ولو جعل العمل في ذمّته لا تبطل الإجارة بموته بل يستوفى من تركته، وكذا بالنسبة إلى المستأجر إذا لم يكن محلاً للعمل بل كان مالكاً له على الموجر، كما إذا آجره للخدمة من غير تقييد بكونها له، فإنّه إذا مات تنتقل إلى وارثه فهم يملكون عليه ذلك العمل.»[15]

ففي مقام الجمع بين الأخبار، يمكن حمل حسنة البزنطيّ على ما قيّدت فيه الإجارة بعمل الزوج.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo