< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ سیدعلي الموسوي‌اردبیلي

44/04/26

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: التدليس / الغرور / معنى المهر في اللغة و الاصطلاح

 

ذكرنا في الجلسة السابقة بعض أقوال الأصحاب في المسألة.

ولكنّ الشيخ فصّل فيها وقال في المبسوط: «إن كان الغرور بالنسب نظرت؛ فإن وجد دون ما شرط ودون نسبها، فلها الخيار، لأنّه ليس بكفو، وإن كان دون ما شرط لكنّه مثل نسبها أو أعلى منه ـ مثل أن كانت عربيّة فشرط هاشميّاً فبان قرشيّاً أو عربيّاً ـ فهل لها الخيار أم لا؟ فالأقوى أنّه لا خيار لها، وفي الناس من قال: لها الخيار، وقد روي ذلك في أخبارنا.»[1]

فهو ذهب في المبسوط إلى عدم فساد النكاح ووجود حق الفسخ للزوجة شرطَ وجود الغرور والتدليس أوّلاً ـ ويلزم منه اشتراط العقد بانتساب الزوج إلى قبيلة معيّنة ـ وثانياً: أن يؤدّي فقدان الانتساب إلى خروج الزوج عن كفاءة الزوجة.

وذهب العلامة في المختلف أيضاً إلى أنّ تحقّق الشرط الثاني من الشرطين المذكورين يوجب حقّ الفسخ للزوجة، ولكنّ الظاهر من كلامه أنّه لا يشترط في حقّها كون النكاح مشروطاً بانتساب الزوج إلى قبيلة معيّنة، وليس حقّ الفسخ للتدليس في النكاح، حيث قال: «الأقرب أنّه إذا انتسب إلى قبيلة فبان أدنى منها بحيث لا يلائم شرف المرأة، كان لها الخيار في الفسخ، لما فيه من الغضاضة والنقص والتضرّر بذلك.»[2]

وقال المحقّق في الشرائع: «لو انتسب الزوج إلى قبيلة فبان من غيرها، كان للزوجة الفسخ. وقيل: ليس لها وهو أشبه.»[3]

إلا إذا حملنا كلام المحقّق ـ كما تقدم ـ على مورد عدم الشرط وأن تطلب الزوجة الفسخ من باب عدم الكفاءة.

فتبيّن أن في المسألة أقوال.

وأما المستند الرئيسيّ في المسألة فهي مضمرة الحلبي، قال‌: «سألته... قال‌ في رجل‌ يتزوّج‌ المرأة‌ فيقول‌ لها: أنا من‌ بني فلان،‌ فلا يكون‌ كذلك،‌ قال:‌ تفسخ‌ النكاح أو قال: تردّ النكاح.»[4] [5]

والظاهر أنّها لا تدلّ على فساد النكاح بل تشير إلى حقّ الزوجة لفسخ النكاح.

كما لو لم يكن النكاح مبنيّاً على انتساب الزوج إلى قبيلة معيّنة لكن كذب الزوج في نسبة نفسه إليها، فلا دليل على ثبوت حقّ الفسخ للزوجة، ولا إطلاق في الرواية يشمل المورد، بل قد يدّعى أنّ ظاهر الرواية هو مورد اشتراط انتساب الزوج إلى قبيلة معيّنة.

وما ذكره الشيخ في المبسوط والعلامة في المختلف من ابتناء جواز الفسخ على عدم الكفاءة، فهو دعوى غير صحيحة، إذ ـ كما تقدّم ـ لا مدخليّة للانتساب إلى قبيلة معيّنة في الكفاءة، وهذه الأُمور غير معتبرة في النکاح وإن قال بها بعض العامّة.

فالنتيجة أنّ الملاك الوحيد لثبوت الفسخ في المسألة هو التدليس، ولا فرق في تحقّقه بين أن يكون كشف الخلاف فيه بانتساب الزوج إلى قبيلة أسمى أو قبيلة أدون، إذ تقدّم أن الرفعة والدنوّ أُمور نسبيّة، ومن اشترط شيئاً فهو يعني أنّ خلافه غير مرغوب له، سواء رغب فيه غيره من الناس أم لم يرغبوا.

وما علّق العلامة المسألة عليه في القواعد ـ أي الشرط ـ فهو كما تقدّم كراراً لا يمكنه أن يكون ملاكاً لحقّ الزوجة للفسخ، لأنّ النكاح ليس فيه خيار تخلّف الشرط، بل حقّها للفسخ متوقّف على تحقّق التدليس وإن كان التدليس لا يتحقّق بغير الشرط.

 

قال المحقّق الحلّي: «النظر الثاني: في المهور

وفيه أطراف:

الأوّل: في المهر الصحيح

وهو كلّ ما يصحّ أن يملك، عيناً كان أو منفعة.»[6]

قبل أن نتناول المسائل المتعلّقة بمبحث المهر، نبيّن بدواً معنى المهر في اللغة والاصطلاح وكذا ما يرادفه من الألفاظ.

قال الجوهري في الصحاح: «المهر: الصَداق.»[7]

وقال أيضاً: «العُقْرُ أيضاً: مهر المرأة إذا وطئت على شبهة.»[8]

وقال ابن منظور في لسان العرب: «الصَدَقةُ والصَدُقةُ والصُدُقةُ والصُدْقةُ، بالضمّ وتسكين الدال، والصَدْقةُ والصَداقُ والصِداقُ: مهر المرأة، وجمعها في أدنى العدد أصْدِقةٌ، والكثير صُدُقٌ... الصَدُقات: جمع الصَدُقةِ، ومن قال صُدْقة، قال: صُدْقاتِهنّ.»[9]

وقال أيضاً: «نُحْل المرأة: مهرها، والاسم النِحلة، تقول: أعطيتها مهرها نِحلةً ـ بالكسر ـ إذا لم ترد منها عوضاً. وفي التنزيل العزيز: ﴿وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً﴾[10] .

وقال أبو إسحاق: قد قيل فيه غير هذا القول، قال بعضهم: فريضةً؛ وقال بعضهم: ديانةً، كما تقول فلان ينتحل كذا وكذا، أي: يدين به؛ وقيل: نِحلةً أي ديناً وتديّناً؛ وقيل: أراد هبةً، وقال بعضهم: هي نحلة من الله لهنّ أن جعل على الرجل الصداق ولم يجعل على المرأة شيئاً من الغُرم، فتلك نحلة من الله للنساء.»[11]

وقال المحقّق الثاني في جامع المقاصد: «لها أسماء؛ منها: الصدقة، قال الله تعالى: ﴿وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً﴾.

ومنها: الأجر، قال تعالى: ﴿فَآتُوهُنَّ‌ أُجُورَهُنَّ‌﴾[12] .

ومنها العليقة: روي أنّه(ص) قال: «أدّوا العلائق. قيل: وما العلائق‌؟ قال: ما تراضى عليه الأهلون.»

ومنها: العقر، ومنها النحلة، والحباء، والفريضة، والصداق، يقال: أصدقتها ومهرتها، ويقال: أمهرتها أيضاً.» [13]

وقال الشهيد الثاني في مسالك الأفهام: «هو مال يجب بوطء غير زناً منها ولا ملك يمين، أو بعقد النكاح، أو تفويت بضع قهراً على بعض الوجوه، كإرضاع ورجوع شهود.

وله أسماء كثيرة:

...والصدقة بفتح أوّله وضمّ‌ ثانية، والنحلة، والأجر، والفريضة. وقد ورد بها القرآن، قال الله تعالى: ﴿وَآتُوا النِّسٰاءَ‌ صَدُقٰاتِهِنَّ‌ نِحْلَةً﴾ وقال: ﴿فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ‌ بِهِ‌ مِنْهُنَّ‌ فَآتُوهُنَّ‌ أُجُورَهُنَّ﴾ وقال: ﴿وَقَدْ فَرَضْتُمْ‌ لَهُنَّ‌ فَرِيضَةً﴾[14] .

وليس المراد من النحلة ما هو بمعنى العطيّة المتبرّع بها، لأنّه عوض البضع، بل إمّا من الانتحال ـ وهو التديّن ـ أو لأنّه في حكم التبرّع من حيث تحقّق الاستمتاع للزوجين، فكان للزوجة في معنى النحلة وإن كان عوضاً، أو لأن الصداق كان للأولياء في غير شرعنا، كما ينبّه عليه قصّة شعيب وجعل مهر ابنته رعي غنمه، فكان جعله لهنّ‌ في شرعنا بمنزلة النحلة.»[15]

واستشكل عليه في الجواهر فقال: «كأنّه أخذه من بعض العامّة... قلت: ذلك ونحوه سبب في الرجوع بالمهر الذي هو مقابل لتملك منفعة البضع أو استيفائها بغير زناً منها، والأمر سهل، كسهولته في الأسماء المزبورة التي من المحتمل اختصاص اسم الأجر منها في مهر المتعة.

بل قد يمنع تسميته بالنحلة وإنّما وقع في الآية وصفه بها. كما أنّه قد يمنع تسميته بالفريضة، وإنّما يوصف بها باعتبار كونه فرضاً على الزوج ونحو ذلك ممّا لا طائل تحته.»[16]


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo