< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ سیدعلي الموسوي‌اردبیلي

44/04/12

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: التدليس / الغرور / عَدم تملّک المهر اذا کانت الزوجة مُدلّسة

 

تقدّم في الجلسة السابقة أنّ الذي يأخذه الزوج من المدلّس ليس المهر بعينه، بل عوض عنه من باب التعويض عن الضرر الذي ورد عليه بدفع المهر، ويحقّ له الرجوع على المدلّس لمطالبته من باب قاعدة الغرور، ولا وجه لنفي استحقاقه بإثبات التدليس بعد أن استحقّت الزوجة جميع المهر بواسطة الدخول المترتّب على النكاح الصحيح.

لكن ينبغي الالتفات إلى أنّ هذا إنّما يصحّ فيما لو كان المدلّس غير الزوجة، فإذا كانت الزوجة مدلّسة، فمقتضى الأخبار عدم تملّكها للمهر.

منها: حسنة الحلبيّ ومعتبرة داود بن سرحان عن أبي عبدالله(ع): «في رجل ولّته امرأة أمرها أو ذاتُ قرابة أو جارٌ لها لا يعلم دخيلة أمرها، فوجدها قد دلّست عيباً هو بها، قال: يؤخذ المهر منها ولا يكون على الذي زوّجها شي‌ء.»[1] [2]

فهي تدلّ بظهورها على عدم استحقاق المرأة للمهر لو استند التدليس إليها. وإطلاقها يشمل صورة علم الزوج بالتدليس بعد الدخول أيضاً.

ومنها: صحيحة أبي عبيدة عن أبي جعفر(ع)، قال: «...إذا دُلّست العفلاء والبرصاء والمجنونة والمفضاة ومن كان بها زَمانة ظاهرة، فإنّها تردّ على أهلها من غير طلاق...قال: وإن أصاب الزوج شيئاً ممّا أخذت منه فهو له...»[3] [4]

وهذه الصحيحة أيضاً تدلّ على أنّ المدفوع من قبل الزوج للزوجة لا يدخل ملكها لو كانت هي المدلّسة، بل يبقى في ملك الزوج، فإذا ناله فهو تصرّف في ماله.

ومنها: معتبرة رفاعة بن موسی، قال: «سألت أبا عبدالله(ع)... فقال: ...ولو أنّ رجلاً تزوّج امرأة وزوّجها رجل لا يعرف دخيلة أمرها، لم يکن عليه شيء وکان المهر يأخذه منها.»[5] [6]

ودلالتها كحسنة الحلبيّ.

والحاصل أنّه يمكن دعوى تقييد إطلاق ما دلّ على استحقاق الزوجة للمهر في النكاح بهذه الأدلّة، وأنّ المدلّسة في النكاح لا تستحقّ المهر، وتصرّفاتها فيما أخذته مهراً تصرّف في مال الغير، فإن أتلفته فتضمنه من باب قاعدة الإتلاف، لأنّها مقدّمة على قاعدة الغرور في استناد الضمان، والنتيجة اشتغال ذمّة الزوجة بالزوج ولو لم يرجع عليها الزوج لاستيفاء المهر.

ومن المعلوم أنّ ذلك کلّه إنّما يصحّ فيما لم يرض الزوج بالنكاح، إذ برضاه يكون التدليس في حكم العدم، فتنتفي الأحكام المترتّبة عليه أيضاً.

 

قال المحقّق الحلّي: «الثانية: إذا تزوّجت المرأة برجل على أنّه حرّ فبان مملوكاً، كان لها الفسخ قبل الدخول وبعده. ولا مهر لها مع الفسخ قبل الدخول ولها المهر بعده.»[7]

 

في هذه المسألة ثلاثة أحكام:

1ـ إمكانيّة فسخ النكاح للزوجة حال تدليس الزوج بالحرّيّة.

2ـ ثبوت المهر المسمّى للزوجة حال الفسخ بعد الدخول.

3ـ عدم استحقاق المرأة للمهر حال الفسخ بعد الدخول.

فالحكم الأوّل هو مقتضى الأدلّة السابقة الدالّة على أنّ التدليس في النكاح يثبت حقّ الفسخ للطرف المقابل.

والحكم الثاني مطابق للقاعدة، إذ الفرض أنّ النكاح وقع صحيحاً، فتستقرّ حقّ المرأة لجميع المهر بالدخول الحاصل بعده.

وأمّا الحكم الثالث فهو مخالف للقاعدة ـ خلافاً لما ادّعاه جماعة ـ ومحتاج إلى دليل خاصّ، إذ كما تكرّر منّا فالمرأة تستحقّ جميع المهر بمجرّد النكاح، وإنّ عدم استحقاقها للمهر أو جزء منه ـ كما في الطلاق قبل الدخول ـ متوقّف على دليل شرعيّ، ولا تجري فيما نحن فيه القاعدة المتعلّقة بأبواب المعاملات من رجوع العوض والمعوّض إلى أصحابهما بعد الفسخ.

ولكنّ الذي يدعونا إلى القول بعدم استحقاق الزوجة للمهر كمذهب الأصحاب هو صحيحة محمّد بن‌ مسلم،‌ قال‌: «سألت‌ أبا جعفر(ع) عن‌ امرأة‌ حرّة‌ تزوّجت‌ مملوكاً على أنّه‌ حرّ فعلمت‌ بعد أنّه‌ مملوك‌؟ قال:‌ هي‌ أملك‌ بنفسها، إن‌ شاءت‌ أقرّت‌ معه‌ وإن‌ شاءت‌ فلا. فإن‌ كان‌ دخل‌ بها فلها الصداق‌، وإن‌ لم‌ يكن‌ دخل‌ بها فليس‌ لها شي‌ء‌. فإن‌ هو دخل‌ بها بعدما علمت‌ أنّه‌ مملوك‌ وأقرّت‌ بذلك‌ فهو أملك‌ بها.»[8] [9]

وهي تدل[ على الحكم الثالث علاوة على تضمّنها للحكمين الأوّلين.

ومن المعلوم أنّ جواز فسخ النكاح للزوجة أو استحقاقها للمهر المسمّى حال الدخول هو فيما فرض كون العبد مأذوناً للنكاح من قبل مولاه أو أُجيز بعده، وإلا ففسد النكاح واستحقّت الزوجة مهر مثلها لو تحقّق الدخول.

وأمّا إذا أذن المولى لعبده بالنكاح بهذه المرأة، أو أجازه فيما بعد أو أذن له في النكاح بأيّ امرأة، فعليه المهر المسمّى، إلا إذا كان قد عيّن المولى حدّاً للمهر وكان المسمّى أكثر منه، ففي هذه الصورة لا يجب على المولى إلا دفع المقدار الذي عيّنه للزوجة.

بل إذا تزوّج العبد بغير إذن مولاه، فلمولاه أن يمضي النكاح ولا يقبل بالمهر المسمّى ويتقبّل أقلّ منه، وفي هذه الصورة أيضاً لا يجب عليه الزائد عمّا تعهّده. نعم، لو انعقد النكاح مقيّداً بكون المهر بالمقدار المسمّى فيه، لما أمكنه التفكيك بين إجازة العقد والمهر.

وأمّا بالنسبة إلى المقدار الذي لا يقع على عهدة المولى، وكذا فيما يحكم بفساد النكاح، فبذل المهر على الزوج بأن يدفع من كسبه أو يستوفى منه بعد عتقه.

ولا فرق في باقي الأحكام بين المورد وعكسه المتقدّم سابقاً.

وللعلامة في خصوص الفرض الذي يتبيّن فيه كون الزوج عبداً معتوقاً مطلب فصّله صاحب الجواهر.

قال العلامة في القواعد: «لو ظهر معتقاً فلا خيار.»[10]

وقال صاحب الجواهر: «فيه: ما عرفت، بناءً على كون المراد عدم الخيار لو ظهر كون حرّيّته بعتقه بعد كونه زوجاً. أمّا لو كان المراد أنّه حين النكاح معتقاً لا حرّاً بالأصل، فوجه عدم الخيار حينئذٍ ظاهر، ضرورة صدق الحرّيّة.»[11]

ومن المعلوم أنّ ما ذكره في فرض عتق الزوج بعد النكاح من ثبوت الخيار للزوجة، فإنّه مبنيّ على ما تقدّم منّا سابقاً من أنّه لو اشترط العدم في العيوب، فحقّ الفسخ باقٍ للزوجة ولو برفع العيب وذلك للتدليس، وعليه فلو دلّس العنّين نفسه، فتمکّنه من وطء الزوجة خلال السنة لا ينفي حقّها لفسخ النكاح بالأخذ بالخيار من جهة التدليس.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo