47/06/30
بسم الله الرحمن الرحیم
مقتضى الأصل العملي في هذا المقام/ الأمر الثاني /العام و الخاص
الموضوع: العام و الخاص / الأمر الثاني / مقتضى الأصل العملي في هذا المقام
قلنا: إنّه في حالة الإجمال المفهومي للمخصّص وتردّده بين متباينين، لا يمكن رفع هذا الإجمال، بل يسري إلى العامّ أيضاً.
وأمّا بالنسبة إلى مقتضى الأصل العملي في هذا المقام، فقد أفاد السيّد الخوئي أنّه إذا كان أحد العامّ والخاصّ متكفّلاً بحكم إلزامي والآخر متكفّلاً بحكم ترخيصي، فالمرجع هنا هو أصل الاحتياط؛ لأنّ لدينا حينئذٍ علماً إجماليّاً بأنّ إكرام أحدهما ذو حکم إلزامي ـ وجوباً أو حرمة ـ ومقتضى ذلك لزوم الاحتياط. وأمّا إذا كان كلاهما متكفّلاً بحكم إلزامي على نحو نعلم إجمالاً أنّ إكرام أحدهما واجب وإكرام الآخر حرام، ففي هذه الصورة لا يمكن الرجوع إلى الاحتياط ولا إلى أصل البراءة؛ لأنّ الأوّل ممتنع، والثاني يستلزم المخالفة القطعيّة العمليّة. وبناءً عليه يكون المرجع في هذا الفرض لا محالة هو أصل التخيير.[1]
والحقّ في هذه المسألة معه.
ولا فرق فيما تقدّم من المطالب بين المخصّص المتّصل والمنفصل، ووجه ذلك هو ما تقدّم بيانه.
ومع ذلك فقد فرّق بعض الأصحاب بين المخصّص المتّصل والمنفصل حيث قالوا: إنّ إجمال المخصّص المتّصل بسبب دوران مفهومه بين متباينين يوجب إجمالاً حقيقيّاً في العامّ، في حين أنّ إجمال المخصّص المنفصل وإن لم يسر حقيقة إلى العامّ ولا يزيل ظهوره، إلّا أنّه يوجب حدوث إجمال حكمي فيه.
قال السيّد الخوئي في بيان وجه عدم حجّية العامّ عند إجمال المخصّص المنفصل مع بقاء ظهوره في العموم: إنّ الإجمال المفهومي للخاصّ بسبب دورانه بين متباينين وإن لم يمنع من انعقاد ظهور العامّ في العموم، إلّا أنّ التمسّك بـ «أصالة العموم» حينئذٍ غير ممكن؛ لأنّ التمسّك بها بالنسبة إلى كليهما ـ كما في مثال «زيد بن عمرو» و«زيد بن بكر» ـ غير جائز، لأنّ العلم الإجمالي بخروج أحدهما عن تحت العامّ يسقط حجّيّة العامّ واعتباره ويمنع من كاشفيّته عن الواقع. كما أنّ التمسّك بالنسبة إلى أحدهما على نحو التعيين يستلزم الترجيح بلا مرجّح، و«أحدهما لا بعينه» ليس فرداً ثالثاً في مقابلهما. ومن هنا تكون النتيجة أنّ العام في هذا المقام بحكم المجمل وإن لم يكن مجملاً حقيقة.[2]
إلّا أنّ هذا الالستدلال غير تامّ، لأنّه ـ كما تقدّم تفصيلاً ـ لا فرق بين المخصّص المتّصل والمخصّص المنفصل من حيث مدخليّتهما في ظهور العامّ.
توضيح ذلك على نحو الإجمال: أنّه إن أُريد من القول بأنّ المخصّص المتّصل يوجب زوال ظهور العامّ حقيقة بخلاف المخصّص المنفصل الذي لا يزيل الظهور وإنّما يرفع حجّيّته، أنّ المخصّص المتّصل قرينة علی أنّ المراد الاستعمالي من العامّ غير مطابق لمدلوله التصوّري، لزم من ذلك أن يكون استعمال العامّ عند ورود المخصّص المتّصل استعمالاً مجازيّاً، مع أنّ بطلان هذا المدّعا قد تقدّم، كما أنّ كثيراً ممّن يقولون بالفرق بين المخصّص المتّصل والمنفصل، لا يلتزمون بمجازيّة استعمال العامّ عند ورود المخصّص المتّصل.
وإن أُريد بذلك أنّ المخصّص المتّصل بمنزلة القيد لمدخول أدوات العموم وأنّ عبارة مثل: «أكرم العلماء إلّا الفسّاق منهم» بمنزلة «أكرم العلماء غير الفسّاق»، فيورد عليه أنّه على هذا لا يكون المخصّص المتّصل في الواقع موجباً للتخصيص؛ لأنّ التخصيص ـ كما تقدّم في تعريفه ـ هو إخراج حكمي لفرد من شمول حكم العامّ، في حين أنّ لازم هذا المبنى هو الإخراج الموضوعي للفرد المخصَّص من شمول حكم العامّ؛ فمثلاً في العبارة الأُولى يكون الفرد الفاسق وإن كان داخلاً تحت حكم العامّ موضوعاً، إلّا أنّ الحكم المترتّب على العامّ لا يترتّب عليه، بينما في العبارة الثانية يكون الفرد الفاسق خارجاً تخصّصاً عن شمول حكم العامّ، فلا يمكن اعتبار هاتين العبارتين بمعنیً واحد.
وأمّا الظهور فليس هو المدلول التصديقي الأوّل للكلام لكي يدّعى أنّه إذا لم يحدث الخاصّ تغييراً فيه، بقي ظهوره على حاله من دون تغيير، بل المراد به ـ كما بيّن مفصّلاً ـ مجموع ما يتمسّك به في مقام الكشف عن المراد الاستعمالي.
وعليه فإذا لم ينتف ظهور العامّ في العموم بسبب إجمال الخاصّ، فلن تكون هناك حاجة إلى التمسّك بـ «أصالة العموم» حتّى يقال: إنّ التمسّك بها غير ممكن بسبب العلم الإجمالي؛ لأنّ حجّيّة الظهور ـ كما تقدّم ـ غير قابلة للانفكاك عنه.
ومن هنا وبما أنّ المخصّص ـ سواء أكان متّصلاً أم منفصلاً ـ قرينة على بيان المراد الجدّي للمتكلّم من العامّ، فإذا كان فيه إجمال، سرى هذا الإجمال إلى العامّ أيضاً. ففي جميع الأحوال يكون إجمال المخصّص موجباً لإجمال العامّ ويمنع من انعقاد ظهوره على نحو يمكن أن يشمل الفرد المشكوك.