47/06/19
بسم الله الرحمن الرحیم
الإشکال علی بيان الشهيد الصدر/ الأمر الثاني /العام و الخاص
الموضوع: العام و الخاص / الأمر الثاني / الإشکال علی بيان الشهيد الصدر
قال الشهيد الصدر في توضيح كلام الميرزا النائيني القائل بأنّه لا يتغيّر ظهور العام في العموم بدخول المخصّص المنفصل ما حاصله: إنّ العامّ بعد انعقاد دلالته على العموم واكتمالها، يستحيل أن يتبدّل عمّا انعقد عليه؛ لأنّ هذه الدلالة منجّزة ولا تتوقّف على عدم وجود مخصّص منفصل. ووجه ذلك أنّ نفي احتمال التخصيص إنّما يتمّ بنفس هذا الظهور، وإلّا فلو كان مجرّد احتمال وجود مخصّص منفصل كافياً، للزم أن ينتهي ظهور العامّ دائماً إلى الإجمال. وعلى هذا الأساس، ففي فرض ثبوت المخصّص أيضاً تبقى أصل الدلالة وظهور العامّ على حالهما وإنّما ترفع حجّيّته في موارد التخصيص فحسب.[1]
غير أنّ الالتزام بهذا المطلب غير ممكن؛ لأنّه أوّلاً: بناءً على هذه الدعوى، يعتبر الاتّصال والانفصال في المخصّص بنحو حسّي وزماني، مع أنّه قد تقدّم أنّ الاتّصال والانفصال الحسّيّين لا أثر لهما في باب المخصّص، وأنّ موارد من قبيل: «أكرم العلماء ولا تكرم الفسّاق منهم» تعدّ من المخصّصات المنفصلة، وإن لو يوجد من حيث الحسّ والزمان فصل بين الدليل العامّ والدليل الخاصّ.
ثانياً: إنّ دلالة اللفظ على المعنى على أساس ظهوره متوقّفة على عدم وجود قرينة مخالفة للظاهر، سواء أكانت هذه القرينة متّصلة أم منفصلة. ومن هنا لم يقل أحد في باب الإطلاق والتقييد بأنّ ذكر القيد في دليل منفصل، لا يمنع من انعقاد الإطلاق في الدليل الأوّل.
إن قلت: إنّ هناك فرقاً بين الظهور القائم على الإطلاق وظهور العامّ في العموم؛ وذلك لأنّ الظهور الإطلاقي لا يقوم على الوضع، بل يستند إلى تماميّة مقدّمات الحكمة، في حين أنّ ظهور العامّ في العموم ظهور وضعي. وبناءً على ذلك يمكن الادّعاء في مورد العامّ أنّ ورود الخاصّ المنفصل لا يؤدّي إلى زوال ظهوره الوضعي، بخلاف الظهور الإطلاقي، فإنّه يزول بدخول أيّ قيد كان.
قلت: إنّ الظهور الإطلاقي أيضاً يعدّ من الظهورات اللفظيّة، وما لم ترد قرينة على خلاف إطلاق اللفظ، تكون مقدّمات الحكمة تامّة، وبذلك يمكن الحكم بثبوت الظهور الإطلاقي في اللفظ. وبناءً على هذا، فإذا قبل أساس دعوى الشهيد الصدر القائلة بأنّ الظهور إذا انعقد لا يقبل الزوال، وجب الالتزام بذلك أيضاً في مورد الظهور الإطلاقي، ومن هذه الجهة لا يكون هناك فرق بين ظهور العامّ وظهور المطلق، وإن كان ظهور العامّ وضعيّاً وظهور المطلق مبتنياً على تماميّة مقدّمات الحكمة.
فعلی سبيل المثال، ورد حكم إرث الزوجة في القرآن الكريم بصيغة مطلقة، ثمّ بيّن مقيّده ـ الدالّ على عدم إرث الزوجة من جميع ما تركه الزوج، واختصاص إرثها ببعض ما تركه ـ بعد سنوات طويلة ضمن أخبار الأئمّة الأطهار(ع). وبناءً على ذلك، يلزم ـ بحسب هذا المبنى ـ أن يُقال في باب إرث الزوجة أيضاً: إنّه لمّا كان الكلام قد انعقد في القرآن الكريم، ولم يرد عند نزول الآيات قيد على خلاف إطلاقه، فاكتسب اللفظ ظهوراً في الإطلاق، فإنّ ورود القيد في الأخبار بعد مضيّ سنين طويلة لا ينبغي أن يؤدّي إلى زوال هذا الظهور، بل غايته أن يرفع حجّيّته. غير أنّ هذا ممّا لا يمكن الالتزام به؛ إذ لا ريب في أنّ ورود القيد ـ وإن كان بعد مرور سنوات أو قرون من بيان الحكم المطلق ـ كاشف عن أنّه لم يكن في الواقع ظهور إطلاقي في اللفظ الأوّل، وأنّ ما كان يتوهّم كونه ظهوراً إنّما هو ظهور بدوي لا غير.
ولتبيين المدّعى المتقدّم، لابدّ من تقديم مقدّمة في بيان معنى الظهور نؤجّل طرحها إلى الجلسة القادمة إن شاء الله تعالی.