« قائمة الدروس
بحث الأصول الأستاذ سید علي الموسوي اردبیلي

47/06/18

بسم الله الرحمن الرحیم

 حجّيّة العامّ بعد ورود الخاصّ المجمل/ الأمر الثاني /العام و الخاص

الموضوع: العام و الخاص / الأمر الثاني / حجّيّة العامّ بعد ورود الخاصّ المجمل

 

الأمر الثاني: حجّيّة العامّ بعد ورود الخاصّ المجمل

إذا كان الخاصّ مجملاً ـ سواءً كان إجماله مفهوميّاً، كدوران الأمر بين الأقلّ والأكثر أو بين المتباينين، أم مصداقيّاً ـ فهل يمكن التمسّك بعموم العامّ في موارد يشكّ في شمول الخاصّ لها أم لا؟

وقبل الخوض في أصل البحث، ينبغي التعرّض لنكتة وهي أنّه قد اشتهر بين الأُصوليّين التفريق بين المخصّص المتّصل والمخصّص المنفصل؛ فادّعي في المخصّص المتّصل أنّ ورود الخاصّ يمنع من انعقاد ظهور العامّ في شمول الأفراد المشكوك انطباق الخاصّ عليهم، أمّا في المخصّص المنفصل، فقد قيل بأنّ ورود الخاصّ لا يسلب العامّ ظهوره في العموم.

ولكن هذا الادّعاء غير قابل للالتزام، ولا فرق بين المخصّص المتّصل والمنفصل من هذه الجهة كما تقدّم في البحث السابق.

توضيح المطلب: أنّ أقصى ما يمكن الاستدلال به لإثبات الفرق بين المخصّص المتّصل والمخصّص المنفصل هو ما ورد في كلمات الميرزا النائيني؛ فإنّه قال في هذا الخصوص: إذا كان التخصيص بالمخصّص المتّصل، فمع أنّ لفظ العامّ يدلّ دلالة تصوّريّة على تمام معناه، إلّا أنّ اتصال المخصّص به يوجب أن تكون الدلالة التصديقيّة من أوّل الأمر منصرفة إلى ما عدا موارد التخصيص؛
كما في قول المولى: «أكرم العلماء إلّا فسّاقهم»، فإنّ مراده من البداية هو وجوب إكرام العلماء غير الفسّاق.

وأمّا إذا كان التخصيص بالمخصّص المنفصل، فإنّ الظهور الذي ينعقد للعامّ في ظرفه لا يرتفع بورود المخصّص؛ لأنّ الشيء المتحقّق لا يزول. غاية ما في الأمر أنّ ورود المخصّص يكشف حيئنذٍ عن أنّ الظهور الذي كان للعامّ في مقام البيان، ليس هو المراد الواقعي، وأنّ الحكم في الحقيقة مختصّ بغير موارد التخصيص، وتنتهي بذلك مدّة كاشفيّة العامّ عن إرادة العموم.[1]

ولکن فيه: أنّ ورود المخصّص ـ كما تقدّم ـ ليس إلّا بمنزلة القرينة على تعيين المراد الجدّي للمتكلّم، لا أنّه يقتضي تفسير مراده الاستعمالي من لفظ العامّ بغير معناه الموضوع له.

فالأمر في موارد التخصيص بالمخصّص المنفصل كما هو في موارد التخصيص بالمخصِّص المتّصل، ويكون دور المخصّص مجرّد إيضاح المدلول التصديقي الثاني للكلام عند المخاطب، وإن كانت قرينيّة المخصّص المتّصل في ذلك أظهر وأقوى.

ومن ثمّ فإنّ القول بأنّ «المخصّص المنفصل لا يمنع من ظهور الكلام في العموم، بخلاف المخصّص المتّصل» قول لا معنى محصّل له؛ لأنّه إن أُريد بـ «ظهور الكلام» مدلول اللفظ التصديقي الأوّل، فالمخصّصان ـ المتّصل والمنفصل ـ لا أثر لهما فيه أصلاً. وإن أُريد به المدلول التصديقي الثاني، فكلّ منهما يتدخّل في تعيينه على خلاف ظاهر الكلام.

فإنّ مرجع الدعوی المذکورة في الواقع ـ كما يستفاد من ظاهر كلام الميرزا النائيني وقد صرّح به السيّد الخميني[2] أيضاً ـ إلى أنّ المخصّص المتّصل بمنزلة القيد لمدخول أدوات العموم، بحيث تكون جملة: «أكرم العلماء إلّا الفسّاق منهم» معادلة لقوله: «أكرم العلماء غير الفسّاق»، فتضيّق دائرة أفراد مدخول أدوات العموم من الأوّل بالمخصّص المتّصل. وأمّا في المخصّص المنفصل، فإنّ ذكر المخصّص لا يوجب تقييد مدخول أدوات العموم ولا يغيّر دائرة شموله.

ولكنّ الإشكال على هذا البيان أنّه مبنيّ على افتراض مسبق، وهو أنّ أدوات العموم لا تفيد الشمول إلّا بالنسبة إلى ما أُريد من مدخولها، بمعنى أنّ إفادة العموم من قبلها متوقّفة على عدم ورود قيد على المدخول وتماميّة مقدّمات الحكمة. ووفقاً لهذا المبنى يمكن الادّعاء بأنّ المخصّص المتّصل قيد يوجب تقييد مدخول أدوات العموم.

إلّا أنّ فيه أوّلاً: أنّه قد تقدّم الإشكال علی هذا المبنی وقد تبيّن أنّ وظيفة أدوات العموم هي تعميم المدخول لجميع أفراده، من غير توقّفٍ لهذا التعميم على تماميّة مقدّمات الحكمة.

وثانياً: حتّى لو سلّمنا بهذا المبنى، فلا فرق أيضاً بين القيد المتّصل والمنفصل؛ لأنّه في عدم إمكان التمسّك بالإطلاق، لا يختلف الحال بين ورود القيد متّصلاً أو منفصلاً.

وقد حاول الشهيد الصدر في بيان مرام الميرزا النائيني، وسنطرح ذلك في الجلسة القادمة إن شاء الله.

 


logo