47/06/10
بسم الله الرحمن الرحیم
حجّيّة العامّ بعد تخصيصه بالمخصّص المبيّن/ الأمر الأوّل /العام و الخاص
الموضوع: العام و الخاص / الأمر الأوّل / حجّيّة العامّ بعد تخصيصه بالمخصّص المبيّن
قد أُقيمت أجوبة أُخرى على دعوى عدم حجّيّة العامّ بعد تخصيصه بالمخصّص المبيّن سنعرض لبعضها:
الجواب الأوّل: سلّم الميرزا القمّي بأنّه بعد ورود المخصّص ندرك أنّ العامّ لم يستعمل في معناه الموضوع له وأنّ استعماله صار مجازيّاً. وأمّا في دفع ما يرد علی هذا المبنی من أنّ الأمر حينئذٍ يدور بين مجازات متعدّدة ولا مرجّح لتعيين واحد منها، فيلزم إجمال العامّ بعد ورود الخاصّ، فقال: إنّنا لا نسلّم الإجمال ولا عدم المرجّح؛ لأنّ الأقربيّة إلى العامّ هي بنفسها مرجّح تامّ، فكما أنّ التبادر علامة الحقيقة، كذلك يکون ظهور المناسبة والعلاقة علامة على تعيين المعنى المجازي، فإنّ أساس مباحث الألفاظ قائم على الظنون.[1]
ولکن اعترض عليه الشيخ بقوله: إن كان المقصود من «الأقربيّة» تلك الأقربيّة المعتبرة في باب الترجيح، فنحن لا نسلّم تحقّقها؛ لأنّ الأقربيّة المعتبرة هناك إنّما تنشأ من غلبة استعمال اللفظ بعد صرفه عن معناه الحقيقي ـ كما في استعمال لفظ «أسد» في «الرجل الشجاع» لا في «الرجل الأبخر» ـ ولا سبيل إلى إثبات غلبة استعمال العامّ المخصّص في الباقي، لأنّ المقصود من «الباقي» مصاديقه، وهي مختلفة جدّاً، فلا تتحقّق الغلبة حينئذٍ.
وأمّا إن كان المراد من «الأقربيّة» معنىً آخر غير ما هو معتبر في باب الترجيح، فذلك لا يكون كافياً في مقام الترجيح.[2]
وهذا الإشكال تامّ؛ فإنّ الظاهر أنّ مراد صاحب القوانين من الأقربيّة هو کون الباقي بعد التخصيص أقرب عدداً إلی المعنی الموضوع له من سائر مراتب المجاز. إلّا أنّه لا مجال للالتزام بأنّ الأقربيّة بهذا المعنی تصلح أن تکون مرجّحاً لأحد المعاني المجازيّة علی المعاني الأُخری.
الجواب الثاني: إنّ الشيخ الأعظم مع تسليمه بأنّ دلالة العامّ على الباقي بعد ورود التخصيص دلالة مجازيّة، يری أنّ التخصيص لا يدخل أفراداً جديدة في مدلول العامّ، وإنّما يخرج بعض الأفراد منه. وعليه فدلالة العامّ على الباقي هي نفس الدلالة السابقة ولا تتوقّف على شمول العامّ للأفراد التي خرجت بالتخصيص. فمقتضي حمل العامّ على الباقي موجود والمانع منه مفقود، لأنّ المخصّص متعرّض لغير الباقي فحسب. ومن ثمّ فإنّ شمول العامّ للباقي ـ بخلاف سائر موارد المجاز ـ متعيّن، ولا يحتاج إلى معيّن أو مرجّح آخر.[3]
إلّا أنّ المحقّق الخراساني اعترض على هذا الاستدلال بقوله: إنّ دلالة العامّ على الأفراد متفرّعة على دلالته على العموم، وبعد ترك استعماله في العموم لا يبقى له ظهور في شمول الباقي إلّا بقرينة مفقودة في المقام. وعليه فبعد رفع اليد عن الوضع يكون الإشكال في وجود المقتضي للبقاء لا في وجود المانع حتّی يدفع بالأصل.[4]
وقد سعی الميرزا النائيني في توجيه مدّعى الشيخ بطريقة لا يرد عليها إشكال الآخوند فقال في بيان مقصود الشيخ: إنّ دلالة العامّ على كلّ فرد مستقلّة عن دلالته على الأفراد الأُخرى، ولا منافاة بين خروج بعض الأفراد وبقاء الحكم على غيرهم. وعليه فإنّ التخصيص لا يوجب إلّا خروج بعض المصاديق وتبقى دلالة العامّ على الباقي على حالها.
ومن هنا فإنّ المجاز الناشئ من التخصيص يختلف عن المجاز المتعارف ـ كما في قولنا: «رأيت أسداً» وإرادة «الرجل الشجاع» ـ لأنّ الأفراد الباقية في مورد التخصيص ما زالت داخلة تحت دلالة العامّ بخلاف المجاز المتعارف.[5]
فإنّه بهذا البيان بصدد إثبات أنّه بعد ورود المخصّص، حتّى لو سلّمنا بأنّ دلالة العامّ على العموم صارت مجازيّة، لا يتطرّق الشكّ إلى شمول العامّ للأفراد الباقية، لأنّ شمول العامّ للأفراد هو شمول استغراقي تكون فيه دلالة العامّ على كلّ فرد مستقلّة عن دلالته على الفرد الآخر. وبناءً على ذلك فإنّ خروج فرد واحد بسبب ورود الخاصّ لا يستلزم التردّد في شمول العامّ لبقيّة الأفراد كي يقال: إنّ ورود الخاصّ ـ بعد جعله دلالة العامّ مجازيّة ـ يوجب الشكّ في شمول العامّ بالنسبة إلى الباقين من باب الشكّ في وجود المقتضي دون المان
وبعبارة أُخرى: إنّ ألفاظ العموم لها شمول يقتضي سريانها إلی آحاد أفراد الماهيّة. ولا يزول أصل هذا الشمول بورود الخاصّ، بل الخاصّ إنّما يمنع من انبساط العامّ علی جميع الأفراد على نحو الاستيعاب الكامل، فيخرج بعض الأفراد من تحته.
وعليه فإنّ أصل وجود المقتضي لشمول تلك الألفاظ لأفراد الماهيّة يبقى ثابتاً حتّى بعد ورود الخاصّ. وأمّا إخراج فرد آخر من تحت هذا الشمول ـ زائداً على ما أخرجه الخاصّ ـ فيحتاج إلى وجود مانع آخر معدوم علی المفروض.
ونؤجّل دراسة مدى كفاية هذا الاستدلال في دفع إشكال الآخوند إلى الجلسة المقبلة إن شاء الله.