« قائمة الدروس
بحث الأصول الأستاذ سید علي الموسوي اردبیلي

47/06/08

بسم الله الرحمن الرحیم

 المخصص المتصل و المنفصل/ الأمر الأوّل /العام و الخاص

الموضوع: العام و الخاص / الأمر الأوّل / المخصص المتصل و المنفصل

 

قلنا: إنّ المقصود من التخصيص هو الإخراج الحكمي لفرد من أفراد موضوع الدليل العامّ عن شمول ذلك الدليل.

وقد نبّه الآخوند أيضاً في نهاية بحث العامّ والخاص وفي مقام بيان الفرق بين التخصيص والنسخ، إلى هذا المعنی للتخصيص حيث قال: «لا يخفى ثبوت الثمرة بين التخصيص‌ والنسخ، ضرورة أنّه على التخصيص‌ يبنى على خروج الخاصّ عن حكم العامّ رأساً، وعلى النسخ على ارتفاع حكمه عنه من حينه فيما دار الأمر بينهما في المخصّص. وأمّا إذا دار بينهما في الخاصّ والعام، فالخاصّ على التخصيص‌ غير محكوم بحكم العامّ أصلاً، وعلى النسخ كان محكوماً به من حين صدور دليله كما لا يخفى.»‌[1]

بل ويمكن أيضاً استظهار هذه النكتة من كلمات الشيخ الأنصاري في الموضع الذي يتعرّض فيه لتعريف الحكومة وبيان الفرق بينها وبين التخصيص[2] .

وبناءً على ذلك فإنّ ما عدّ من أقسام المخصّص المتّصل في کلمات بعض الأُصوليّين، لا يعدّ في الحقيقة من التخصيص إلا مورد الاستثناء، لأنّه في سائر الأقسام إمّا أن يخرج الفرد من تحت موضوع الدليل وإمّا أن يقيّد إطلاق الحكم، ولا يتحقّق فيها إخراج فرد من شمول الحكم المترتّب على العامّ.

ومن هنا فإنّ ما ذكره أصحاب أبي حنيفة من أنّ تخصيص العامّ بالمخصّص المتّصل لا يعدّ تخصيصاً بالحقيقة، كلام صحيح في الجملة وإن كان مدّعاهم في مورد الاستثناء غير تامّ، لأنّ الإخراج في باب الاستثناء إخراج حكمي لا موضوعي.

نعم، قد تقدّم في مبحث المفاهيم أنّ «إلّا» قد تستعمل أحياناً استعمالًا وصفيّاً بحيث يقيّد موضوع الحكم بعدم مدخولها لا أن يُخرج مدخولها من تحت حكم المستثنى منه. وفي مثل هذه الموارد لا يتحقّق تخصيص بـ «إلّا»، بل تكون سبباً في خروج مدخولها عن موضوع الحكم تخصّصاً. ولعلّ الخلط بين هذين الاستعمالين هو الذي دعا أصحاب أبي حنيفة إلی نفي كون الاستثناء بـ «إلّا» من أقسام التخصيص مطلقاً.

وأمّا ما أوجب للمحقّق الإيرواني أن يحتمل كون الاستثناء من أقسام المخصّص المنفصل، فلعلّه ما ارتآه من أنّ التخصيص بالمتّصل ليس في الحقيقة سوى تضييق لموضوع الحكم، لا إخراج حكمي لفرد من أفراد العامّ.

غير أنّ الإشكال في هذا المبنى هو أنّه بناءً عليه لا يبقى وجه لتقسيم التخصيص إلى متّصل ومنفصل، بل لا يعدّ المخصّص المتّصل مخصّصاً أساساً ويكون إطلاق لفظ «المخصّص» عليه من باب المسامحة.

وعليه فالأولى أن يقال: إنّ المخصّص المتّصل عبارة عن مركّب ناقص يشكّل جزءً من الجملة التي يبيّن فيها الحكم العامّ ويوجب خروج بعض الأفراد عن شمول الحكم، من دون أن يقع فيه تصرّف في موضوع الحكم. وعلى هذا فلا يتحقّق التخصيص بالمتّصل إلّا في الموارد التي يخرج فيها فرد أو أفراد من تحت الحكم العامّ بواسطة «إلّا» الاستثنائيّة وأخواتها ممّا تُخرج به الأفراد من تحت حكم العامّ.

وأمّا المخصّص المنفصل فهو مركّب تامّ يدلّ على إخراج بعض الأفراد من شمول الحكم المترتّب على العامّ، وإن ورد مباشرة بعد الجملة التي تضمّنت الحكم العامّ؛ فمثلاً في قولنا: «أكرم كلّ عالم ولا تكرم الفسّاق منهم»، يكون التخصيص بواسطة مخصّص منفصل لا متّصل.

فاتّضح أنّ الأثر المترتّب على دخول أداة الاستثناء في قولنا: «أكرم كلّ عالم إلّا الفسّاق منهم» هو إخراج الفسّاق من تحت شمول حكم وجوب الإكرام، لا تضييق موضوع وجوب الإكرام حتّی يقال: إنّ موضوع الحكم لا يشمل إلّا العلماء غير الفسّاق ليجعل بذلك هذا التركيب معادلاً لعبارة: «أكرم كلّ عالم غير فاسق».

ومن ثمّ لا يوجد من هذه الجهة فرق بين المخصّص المتّصل والمخصّص المنفصل، والتفصيل الذي ذكره الآخوند في هذه المسألة غير قابل للقبول والالتزام.

وممّا يؤيّد هذا المطلب أنّه إن قلنا بأنّ المخصّص المنفصل قرينة على بيان المراد الجدّي للمتكلّم ـ كما ذهب إليه المحقّق الخراساني ـ لما كان من هذه الجهة فارق بينه وبين القرينة التي تبيّن المراد الجدّي من إطلاق الكلام. فكما لا يوجد في موارد الإطلاق تفاوت من حيث قرينيّة الكشف عن المراد الجدّي للمتكلّم بين القرينة المتّصلة والقرينة المنفصلة، كذلك في تخصيص العامّ لا ينبغي أن يكون هناك فرق من هذه الجهة بين المخصّص المتّصل والمخصّص المنفصل.

وبناءً على ما تقدّم من التوضيحات يتبيّن أنّ التخصيص لا يمكن أن يكون بمعنى آخر غير بيان المراد الجدّي للمتكلّم من الدليل العامّ، وذلك لأنّ الدليل الخاصّ إنّما يرد لبيان دائرة الحكم الثابت في الدليل العامّ وتضييقه، ولا يکون ناظراً إلى موضوع ذلك الحكم حتّى يلزم من وروده القول بالمجاز في استعمال العامّ.

وعليه ينبغي أن تطرح صورة المسألة على النحو الآتي: إذا ورد دليل وتردّدنا في أنّه بصدد تخصيص الدليل العامّ بحيث يكون مبيّناً للمراد الجدّي للمتكلّم من العامّ، أو أنّه قرينة لبيان المراد الاستعمالي للمتكلّم من اللفظ الذي اتّخذ في الدليل العامّ موضوعاً للحكم بحيث يحدّده ويقيّده ببعض أفراد العامّ فيکون استعمال اللفظ العامّ مجازيّاً، فهل يوجد هناك أصل يمكن بموجبه تعيين أحد هذين الاحتمالين؟

والجواب: أنّ مقتضى الأصل في مثل هذه الموارد هو التخصيص، والوجه في ذلك هو بعينه ما تقدّم في مقام الجواب عن إشكال الشهيد الصدر.

 


logo