« قائمة الدروس
بحث الأصول الأستاذ سید علي الموسوي اردبیلي

47/04/27

بسم الله الرحمن الرحیم

 وجه إفادة النكرة في سياق النفي و لفظ «کلّ» للعموم / المقدمات /العام و الخاص

الموضوع: العام و الخاص / المقدمات / وجه إفادة النكرة في سياق النفي و لفظ «کلّ» للعموم

 

كنّا قد بيّنا في الجلسة السابقة وجه إفادة النكرة في سياق النهي للعموم، وذكرنا أنّ منشأ هذا العموم هو الإطلاق لا الوضع.

وأمّا في مورد النفي، فيمكن القول بمثل ما تقدّم في عبارة: «لا تكرم الفاسق»، وذلك لأنّ النكرة الواقعة في سياق النفي ـ نحو: «لا رجل في الدار» أو «ليس في الدار رجل» ـ تدلّ على نفي الجنس، ولازم نفي الجنس هو انتفاء جميع الأفراد التي يمكن أن تتحقّق فيها الطبيعة المنفيّة، فيكون مفاد مثل هذا التركيب انتفاء جميع أفراد الطبيعة.

غير أنّه حتّى مع غضّ النظر عمّا تقدّم، فإنّ عدّ النكرة في سياق النفي أو النهي من صيغ العموم لا يخلو من إشكال بيّن، لأنّ العموم المستفاد من هذا التركيب ـ بناءً على مبنى الآخوند ـ إنّما يثبت بحكم العقل، وفي هذه الصورة يخرج عن محلّ البحث، إذ المقصود هنا هو العموم الوضعي المتعلّق بمرحلة الدلالة التصوّريّة، بينما العموم المستفاد من حكم العقل من شؤون مرحلة الدلالة التصديقيّة.

2 ـ لفظ «کلّ»

لا إشكال في دلالة لفظ «كلّ» على العموم، وإنّما وقع البحث في أمرين: 1 ـ في أنّ العموم المستفاد منه هل هو استغراقي أو مجموعي، 2 ـ في كيفيّة دلالته على العموم.

أمّا من الجهة الأُولى فيمكن القول بأنّ لفظ «كلّ» قد يستعمل تارة لإفادة العموم الاستغراقي، وأُخرى لإفادة العموم المجموعي؛ فمثلاً في قوله: «أكرم كلّ عالم» يفهم منه العموم الاستغراقي، بينما في قوله: «اقرأ كلّ الكتاب» يراد منه العموم المجموعي.

ذكر الشهيد الصدر ضابطاً في دلالة لفظ «كلّ» على کلّ من العموم الاستغراقي والمجموعي فقال: إنّ الأصل في لفظ «كلّ» هو إفادة استيعاب الأجزاء لا استيعاب الأفراد؛ لأنّ مدخولها ـ أيّاً كان ـ يحكي عن أجزائه لا عن أفراده. ومن هنا إذا دخلت «كلّ» على اسم عدد معرّف ـ بل على كلّ معرّف ـ كانت دلالتها على استيعاب الأجزاء دون الأفراد.

إلّا أنّ المستفاد من ملاحظة موارد الاستعمال أنّ «كلّ» تكون دائماً معارضةً لبدليّة مدخولها، بمعنى أنّها ترفع هذه البدليّة حيثما وجدت. ومن ثمّ يظهر أنّ السرّ في اختلاف الدلالة بين دخول «كلّ» على المعرفة ودخولها على النكرة هو أنّ النكرة تقتضي البدليّة بذاتها، بخلاف المعرفة، فإنّها لا تقتضيها.

ولا يشكل على ما ذكرناه بالآية الكريمة: ﴿كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِّبَنِی إِسْرَائِيلَ﴾[1] مع أنّ «كلّ» فيها قد دخلت على معرفة وأفادت استيعاب الأفراد؛ لأنّ مفهوم «الطعام» من المفاهيم التي يمكن اعتبار أفراده بمنزلة أجزائه، إذ يصدق على القليل كما يصدق على الكثير، نظير مفهوم «الماء». وكلّ مفهوم يكون كذلك فإنّ دخول «كلّ» عليه يدلّ على استيعاب الجميع، كما في قولنا: «كلّ الماء حلال شربه» أو «كلّ الجبن حلال أكله».[2]

غير أنّه يمكن أن يورد على ما أفاده عدّة إشكالات:

1 ـ إنّ ما ذكره في كون الأصل في مدلول لفظ «كلّ» هو استيعاب الأجزاء دون الأفراد، ناشئ من الخلط بين المعنى الاصطلاحي للفظ «الكلّ» ـ وهو ما يقابل «الجزء» بخلاف «الكلّي» الذي يقابل «الجزئي» أو «الفرد» ـ وبين معناه الموضوع له في الاستعمال اللغوي. وقد تقدّم أنّ المعنى الموضوع له لفظ «كلّ» ليس إلّا «آحاد أفراد المدخول».

وأمّا ما ذكره من أنّ مدخول «كلّ» في جميع الموارد يحكي عن أجزائه، فإنّما يتمّ في خصوص ما إذا كان المدخول مركّباً ذا أجزاء حقيقيّة، أمّا في غير ذلك من الموارد ـ كالألفاظ الدالّة على معانٍ بسيطة مثل «العالم» و«الإنسان» ـ فلا وجه لهذا الادّعاء.

ثمّ إنّ دلالة «كلّ» على استيعاب الأجزاء إنّما تصحّ في الأسماء المعرّفة التي تكون «اللام» فيها للعهد الذهني أو الذكري، وفي هذه الموارد أيضاً ـ كما تقدّم سابقاً ـ فإنّ دخول «كلّ» على المدخول إنّما هو بلحاظ أنّ كلّ جزء من أجزاء ذلك المركّب قد لوحظ فرداً من مفهوم «جزء المركّب».

2 ـ إنّ العلاقة بين رفع البدليّة الموجودة في النكرة بدخول لفظ «كلّ» عليها وعدم إفادة مثل هذا المعنى في المعارف التي يدخل عليها «كلّ»، وبين كون الأُولى دالّة علی العموم الاستغراقي والثانية علی العموم المجموعي، غير واضحة، ولم يبيّن وجهها في كلامه.

والظاهر أنّه يتصوّر العموم المجموعي في خصوص موارد استيعاب الأجزاء دون الأفراد، ولذا جعل دخول «كلّ» على النكرة المقتضية للبدليّة بين الأفراد موجباً لدلالتها على العموم الاستغراقي، مع أنّ العموم المجموعي أيضاً يمكن تصوّره بين الأفراد، كما في قولنا: «مجموع العلماء».

وسنكمل بيان سائر الإشكالات في الجلسة القادمة إن شاء الله تعالى.

 


logo