« قائمة الدروس
بحث الأصول الأستاذ سید علي الموسوي اردبیلي

47/04/26

بسم الله الرحمن الرحیم

 وجه إفادة العموم بالنكرة الواقعة في سياق النهي/ المقدمات /العام و الخاص

الموضوع: العام و الخاص / المقدمات / وجه إفادة العموم بالنكرة الواقعة في سياق النهي

 

كنّا قد ذكرنا في الجلسة السابقة أنّ التوجيه الذي ذكره الآخوند لوجه دلالة النكرة في سياق النهي على العموم، غير تامّ لا يمكن الاعتماد عليه.

وعليه فينبغي في بيان وجه إفادة العموم بالنكرة الواقعة في سياق النهي أن يقال: إنّ بين العبارات الثلاث: «لا تكرم أيّ فاسق» و«لا تكرم الفاسق» و«لا تكرم فاسقاً» اختلافاً في الدلالة من حيث إفادة العموم.

ففي العبارة الأُولى لا إشكال في إفادتها العموم اللفظي، لأنّ «أيّ» من أدوات العموم، والعموم الذي تفيده في سياق النفي ـ كما تقدّم بيانه ـ هو عموم مجموعي، بمعنى أنّ مبغضويّة إکرام کلّ واحد منهم مشروطة بترك إكرام الآخرين، فيتحقّق الامتثال باجتناب إكرام جميع أفراد الفاسق. فلو أُكرم فاسق واحد، عدّ ذلك عصياناً للنهي ولم يعد إكرام الفاسقين الآخرين من مصاديق المنهيّ عنه بعد ذلك.

وأمّا في العبارة الثانية فإنّ النهي عن إكرام الفاسق كاشف عن مبغوضيّة إكرام هذه الطبيعة. ومن الواضح أنّ المراد من الطبيعة التي يعدّ إكرامها مبغوضاً، ليس هي الطبيعة بما هي هي، بل الطبيعة بوجودها الخارجي.

وعليه فإنّ العصيان يتعدّد بتعدّد إكرام الأفراد الفسّاق، غير أنّه ليس من جهة شمول الحكم الوارد في دليل النهي بنحو العموم الاستغراقي لكلّ فرد من أفراد الفاسق، بل باعتبار أنّ مبغوضيّة إكرام طبيعة الفاسق متعلّقة بوجودها الخارجي الذي يتحقّق في ضمن أفراد متعدّدة.

ومن ثمّ فإنّ إكرام كلّ فاسق يعدّ في الواقع عصياناً مستقلّاً للنهي ويترتّب عليه عقاب واحد، من غير أن يكون ذلك ناشئاً عن عموم لفظ «الفاسق» بمعنى لحاظ آحاد أفراده.

ويؤيّد ذلك بأنّه لو كان تعدّد العصيان الناشئ عن إكرام الفسّاق المتعدّدين مستنداً إلى لحاظ الموضوع بنحو العموم الاستغراقي، للزم القول بأنّ ترك إكرام كلّ فاسق امتثال مستقلّ أيضاً، وحينئذٍ يكون النهي قابلاً لأنّ يمتثل بعدد أفراد الفساق.

لكن هذا المعنى مخالف للمتفاهم العرفي من الدليل، إذ لا يفهم من النهي المذكور إلّا إمکان تحقّق امتثال واحد بترك إكرام طبيعة الفاسق في ضمن جميع أفرادها في الخارج.

وأمّا العبارة الثالثة فإنّ تنوين التنكير فيها يدلّ على الوحدة، ويستفاد منه أنّ إكرام فرد واحد من أفراد الفاسق أيضاً مبغوض. وبناءً على ذلك يكون الفرق بين هذه العبارة والعبارة الأُولى أنّ مدلول الأُولى هو مبغوضيّة إكرام مجموع الفسّاق لا إكرام فرد منهم، وإن كان لازم مبغوضيّة إكرام المجموع هو مبغوضيّة إكرام الواحد أيضاً، غير أنّ الفرق بينهما أنّ العصيان في العبارة الأُولى لا يتكرّر، بينما في العبارة الثالثة يتعدّد العصيان بتعدّد إكرام الفسّاق كما في الثانية.

وأمّا الفرق بين العبارة الثالثة والثانية، فهو أنّ المبغوض في الثانية هو «إكرام طبيعة الفاسق»، وأمّا في الثالثة فالمبغوض هو «إكرام الفرد الفاسق». ولمّا كان هذا الفرد غير معيّن، فإنّ مقتضى إطلاق الدليل شموله لجميع أفراد الفاسق.

 

وعليه فوجه إفادة النكرة في سياق النهي للعموم هو أنّ الحكم في هذا المورد متعلّق بفرد من أفراد الطبيعة على نحو الإطلاق، ولازم ذلك شمول الحكم لجميع أفراد تلك الطبيعة. ومن ثمّ يمكن القول بأنّ النكرة في سياق النفي تفيد العموم، بمعنى أنّ الحكم يعمّ جميع أفراد الطبيعة.

وعلى هذا الأساس تكون جملة: «لا تکرم فاسقاً» في حكم قولنا: «لا تكرم زيداً الفاسق» و«لا تكرم عمراً الفاسق» و«لا تكرم بكراً الفاسق» إلى آخر أفراد الفسّاق، بحيث يكون اجتناب إكرام كلّ فاسق امتثالاً لحكم مستقلّ عن الأحكام المتعلّقة بإكرام سائر الأفراد.

فبناءً على ذلك يكون العموم المستفاد من النكرة في سياق النهي في الحقيقة لازماً للأخذ بإطلاق الدليل، ولا يمكن عدّه من قبيل العموم المستفاد من الصيغ الموضوعة له التي ترتبط بمرحلة الدلالة التصوّريّة.

وبعبارة أُخرى: إنّ العموم المستفاد من «لا تكرم فاسقاً» نظير العموم المستفاد من «لا تكرم الفسّاق»، غير أنّ منشأ العموم في الأُولى هو الإطلاق وفي الثانية هو الوضع.

ولعلّ منشأ القول بأنّ النكرة في سياق النهي تفيد العموم، هو أنّ العموم المستفاد من تماميّة مقدّمات الحكمة فيها عموم استغراقي، مع أنّ العموم المتحصّل من الإطلاق يكون بدليّاً عادة.

وأمّا البحث في النكرة الواقعة في سياق النفي، فسنطرحه في الجلسة القادمة إن شاء الله تعالى.

 

logo