« قائمة الدروس
بحث الأصول الأستاذ سید علي الموسوي اردبیلي

47/04/15

بسم الله الرحمن الرحیم

 تعريف اقسام العام - بيان وجه وحدة معاني العام/ المقدمات /العام و الخاص

الموضوع: العام و الخاص/ المقدمات / تعريف اقسام العام - بيان وجه وحدة معاني العام

 

قد عرضنا في الجلسة السابقة بيان السيّد الخميني في تعريف الأقسام الثلاثة للعموم.

وما ذكره وإن كان مقبولاً في الجملة إلّا أنّه لم يبيّن في كلماته ضابطاً واضحاً يحدّد وجه الاشتراك بين أقسام العموم من جهة، ووجه الافتراق بينها من جهة أُخرى.

مضافاً إلى ذلك فإنّ لفظ «أيّ» في مقام الاستفهام لا يدلّ بالضرورة على العموم البدلي؛ إذ قد يتصوّر في مقام الجواب تعيين أكثر من فرد واحد. کما أنّه في مقام النهي لا ظهور له في العموم البدلي، بل هو ظاهر في العموم المجموعي بمعنى «لا واحد من ذلك»؛ فمثلاً في قولنا: «لا ترتكب أيّ ذنب» يعدّ ارتكاب ذنب واحد مخالفة لهذا النهي ولا يتحقّق امتثاله إلّا بالاجتناب عن جميع الذنوب.

أمّا المحقّق الإصفهاني فقد تطرّق في بيان وجه وحدة معنى العموم بين أقسام العامّ المختلفة فقال: إنّ مصاديق العامّ من حيث المفهوم واحدة ومن حيث الذات كثيرة، وهاتان الجهتان محفوظتان فيه دائماً، وإن كان يلحظ أحدهما بالأصالة والآخر بالتبع في مقام موضوعيّة العامّ للحكم.

فإن كان الحكم مترتّباً على العامّ بلحاظ الكثرة الذاتيّة ـ كما في قوله: «أكرم كلّ عالم» ـ تلغى جهة الوحدة في مقام الموضوعيّة ـ وإن کانت محفوظة ـ ويسري الحكم إلى كلّ فرد من الأفراد على نحو الاستقلال؛ وهذا هو العامّ الاستغراقي. وفي هذه الصورة وإن كان إنشاء الحكم واحداً إلّا أنّه لمّا صدر بداعي جعل الداعي بالنسبة إلى كلّ فرد على حدة، يتحقّق البعث الجدّي إلى كلّ واحد من الأفراد.

وأمّا إذا كان الحكم مترتّباً على العامّ بلحاظ الوحدة المفهوميّة ـ كما في قوله: «أكرم العلماء بأجمعهم» ـ فمع أنّ جهة الكثرة محفوظة فيه ـ لأنّ مفهوم العامّ متقوّم بها ـ إلّا أنّها في مقام موضوعيّة المعنى لحكم واحد حقيقي تكون ملغاة، ويتعلّق الحكم بالمجموع بما هو مرکّب واحد؛ وهذا هو العامّ المجموعي.

وأمّا في العامّ البدلي ـ كقوله: «أكرم أيّ عالم» ـ فالوحدة والكثرة محفوظتان أيضاً، غير أنّ الكثرة تلحظ فيه على نحو يجعل كلّ فرد من الأفراد صالحاً لأن يكون موضوع الحكم على سبيل البدل.

وأمّا خارج مقام موضوعيّة العامّ للحكم، فلا أصالة لواحدة من جهتي الوحدة والكثرة على الأُخرى، لأنّ نسبة كلّ منهما إلى المعنى على حدّ سواء، ولا تقدّم ذاتي لإحداهما على الأُخرى.

وبناءً على ذلك فإنّ جهة الكثرة في أقسام العامّ المختلفة تلحظ على أنحاء متعدّدة: فإمّا أن يكون جميع الأفراد موضوعاً للحكم، أو يكون كلّ فرد جزءاً من موضوع الحكم، أو يكون كلّ واحد من الأفراد موضوعاً للحكم على سبيل البدل؛
فإنّ العامّ ـ الذي يقوم بذاته على الوحدة المفهوميّة والكثرة الذاتيّة ـ يكون جامعاً بين هذه الأقسام الثلاثة للعموم.[1]

أقول: إنّ الإشکال الرئيسي الوارد على كلامه هو أنّ تقسيم العامّ إلى الأقسام الثلاثة ليس باعتبار وقوعه موضوعاً للحكم، بل يمكن تقسيم العامّ في حدّ نفسه إلى هذه الأقسام ثبوتاً من دون ملاحظة كونه واقعاً في حيّز الموضوع للحكم.

فالأولى أن يقال في وجه وحدة معنى العموم بين الأقسام الثلاثة للعامّ: إنّ اللفظ لا يدلّ على العموم إلّا إذا وضع بإزاء مفهوم كلّي له أفراد متعدّدة، كـ «العالم» و«الإنسان»، لا إذا وضع بإزاء مركّب له أجزاء، كـ «البيت» أو «الصلاة». وكما تقدّم بيانه سابقاً فإنّ العموم في حقيقته نسبة وضعيّة بين المفهوم الكلّي وآحاد أفراده توجب أن تلحظ أفراد العامّ جميعاً في مقام الدلالة التصوّرية.

غير أنّ هذه النسبة تکون على أنحاء مختلفة:

فقد تكون بحيث تلحظ آحاد أفراد العامّ کلّ واحد منها بنحو «لا بشرط» بالنسبة إلى الآخرين؛ وفي هذه الصورة يكون العموم استغراقيّاً.

وقد تکون بحيث تلحظ آحاد أفراده کلّ واحد منها «بشرط شيء» بالنسبة إلى سائرها؛ وفي هذه الحالة يكون العموم مجموعيّاً.

وقد تکون بحيث تلحظ آحاد أفراده کلّ واحد منها «بشرط لا» عن غيره؛ فيكون العموم بدليّاً.

وبناءً على ذلك فإنّ وجه الوحدة في الأقسام الثلاثة هو وجود النسبة الوضعيّة بين المفهوم الكلّي وآحاد أفراده في جميعها؛ وأمّا وجه الافتراق فهو اختلاف كيفيّة تلك النسبة.

وسنتابع الكلام في تتمّة البحث في الجلسة القادمة إن شاء الله تعالى.

 


logo