46/11/16
بسم الله الرحمن الرحیم
إفادة الغاية للمفهوم/ مفهوم الغاية/المفاهيم
الموضوع: المفاهيم/ مفهوم الغاية/ إفادة الغاية للمفهوم
المقام الثاني: إفادة الغاية للمفهوم
اختلف الأعلام في أنّ الغاية هل تدلّ على انتفاء الحكم عمّا بعد الغاية ـ بناءً على دخولها في المغيّى ـ أو عن الغاية وما بعدها ـ بناءً على خروجها عنه ـ أم لا؟
استدل السيّد المرتضى على عدم إفادة الغاية للمفهوم قائلاً: «فأمّا تعليق الحكم بغاية فإنّما يدلّ على ثبوته إلى تلك الغاية، وما بعدها يعلم انتفاؤه أو إثباته بدليل.
وإنّما علمنا في قوله تعالى: ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكـُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ﴾[1] وقوله تعالى: ﴿ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ﴾[2] وقوله سبحانه: ﴿حَتَّى يَطْهُرْنَ﴾[3] أنّ ما بعد الغاية بخلافها بدليل، وما يعلم بدليل غير ما يدلّ اللفظ عليه، كما نعلم أنّ ما عدا السائمة بخلافها في الزكاة، وإنّما علمناه بدليل.
ومن فرّق بين تعليق الحكم بصفة وبين تعليقه بغاية ليس معه إلا الدعوى، وهو كالمناقض، لفرقه بين أمرين لا فرق بينهما.»[4]
وقد تبعه في ذلك الشيخ الطوسي. [5]
ولكن قال صاحب المعالم: «الأصحّ أنّ التقييد بالغاية يدلّ على مخالفة ما بعدها لما قبلها وفاقاً لأكثر المحقّقين.»[6]
ونسب الشيخ الأنصاري القول بإفادة الغاية للمفهوم إلى المشهور بل إلى معظم الأصحاب.[7]
غير أنّ صاحب الفصول فصّل في المقام فقال: «اعلم أنّ النزاع يتصوّر هنا في مقامين:
الأوّل: أنّ التقييد بالغاية هل يقتضي مخالفة ما بعدها لما قبلها مطلقاً بحيث يكون المفهوم من قولنا: «صم إلى الليل» أنّه لا أمر بالصيام بعدها مطلقاً ولو بأمر آخر أو لا يقتضي ذلك؟
الثاني: أنّ التقييد بها هل يقتضي المخالفة بالنسبة إلى الحكم المذكور بحيث يكون المفهوم في المثال المذكور، انقطاع الصوم المأمور به بذلك الأمر عند مجيء الليل، أو لا يقتضي ذلك حتّى أنّه يجوز أن يكون الصوم المطلوب بذلك الخطاب مستمرّاً بعد الليل أيضاً من غير شهادة في اللفظ على خلافه؟
فنقول: إن كان النزاع في المقام الأوّل كما هو ظاهر كلماتهم بل صريح بعضها، فالحقّ فيه مع من أنكر الدلالة، وإن كان في المقام الثاني، فالحقّ فيه مع من أثبتها.»[8]
ثمّ قال: إنّ دعوى السيّد المرتضى في خصوص مماثلة الوصف للغاية من حيث إفادة المفهوم أو عدمها ينبغي حملها على المعنى الأوّل.
إلّا أنّ الالتزام بهذه الدعوى غير ممكن، إذ ـ كما قال الشيخ الأعظم[9] ـ عدم دلالة القضيّة على استمرار الحكم بعد الغاية، أمر مسلّم ناشئ عن انتفاء موضوع الحكم بانتفاء القيد المأخوذ فيه، ولا مجال للشكّ في ذلك.
وقال صاحب الهداية: «هناك فرق بيّن بين القول بانقطاع الحكم الأوّل وانتفائه فيما بعد الغاية، والقول بمخالفة ما بعدها لما قبلها في الحكم الأوّل. والأوّل مسلّم بين الكلّ، فيكون النزاع في الثاني.»[10]
وقد فصّل المحقّق الخراساني في المسألة على وجه آخر فقال: إذا كانت الغاية المذكورة في القضيّة بحسب قواعد اللغة العربيّة غاية للحكم، فإنّها تفيد المفهوم. أمّا إذا كانت غاية للموضوع، فهي في حكم الوصف ولا مفهوم لها.[11]
وللسيّد الخوئي بيان في تعلّق الغاية بالموضوع والمتعلّق والحكم سنطرحه في الجلسة القادمة إن شاء الله.