46/10/27
بسم الله الرحمن الرحیم
توجيه التفصيل بين الوصف الغالبي و غير الغالبي/ مفهوم الوصف/المفاهيم
الموضوع: المفاهيم/ مفهوم الوصف/ توجيه التفصيل بين الوصف الغالبي و غير الغالبي
قال صاحب القوانين في توجيه التفصيل بين الوصف الغالبي وغيره: «عندي أنّ وجهه: أنّ النادر إنّما هو المحتاج حكمه الى التنبيه، والأفراد الشائعة تحضر في الأذهان عند إطلاق اللفظ المعرّى، فلو حصل احتياج في الانفهام من اللفظ فإنّما يحصل في النادر. فالنكتة في الذكر لابدّ أن يكون شيئاً آخر لا تخصيص الحكم بالغالب، وهو فيما نحن فيه التشبيه بالولد.
وممّا بيّنّا ظهر السرّ في عدم اطّراد الحكم فيما إذا ورد مورد الغالب في غير باب المفاهيم أيضاً. ألا ترى أنّا لا نجوّز التيمّم لواجد الماء لمن منعه زحام الجمعة عن الخروج، مع أنّ الشارع أطلق الحكم بالتيمّم لمن منعه زحام الجمعة عن الخروج؟ وأيضا قالوا باشتراط عدم كون المخالف أولى بالحكم، مثل: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ﴾[1] . والنكتة فيه التنبيه على خطائهم في العلّة والحجّة، ويمكن إرجاعه الى القسم الأوّل.
وبالجملة، المعتبر في دلالة اللفظ على المعنى الحقيقي هو عدم القرينة الظاهرة على إرادة الخلاف، فكلّما ظهر قرينة على إرادة غيره فنحملها عليه، لا لأنّ الحجّيّة إنّما هو إذا لم يظهر للقيد فائدة أُخرى كما هو مقتضى الدلالة العقليّة، بل لثبوت القرينة على الخلاف كما هو مقتضى الدلالة اللفظيّة.»[2]
غير أنّ الشيخ أجاب عن هذا التوجيه، فقال: إن كان مراد صاحب القوانين أنّ مجرّد انصراف المطلق إلى الفرد الغالب يعدّ قرينة على عدم إرادة التخصيص في التوصيف بالوصف الغالبي ـ مع إمكان إرادة التخصيص ـ فإنّ هذه الدعوى بحاجة إلى إقامة دليل.
فإن قيل: الوصف الغالبي بمنزلة الوصف المساوي للموصوف، وكما لا معنی للتخصيص في الوصف المساوي، فكذلك الحال في الوصف الغالبي.
قلنا: إنّ هذه الدعوى إنّما تتمّ إذا التزمنا بأنّ الانصراف بمنزلة التخصيص في اللفظ، فيكون الوصف في هذه الصورة مساوياً للموصوف. لكن إن لم نقل بذلك أو لم نلتزم به في جميع مراتب الشكّ، فلا وجه لهذه الدعوى، إذ يمكن حينئذٍ أن يكون ذكر الوصف الغالبي لأجل إخراج الفرد النادر عن الحكم وإثبات خلافه له، وهو مقتضى القول بإفادة الوصف للمفهوم.
وأمّا إن كان مراد المحقّق القمّي أنّه لا وجه لإفادة الوصف الغالبي للمفهوم حتّى في صورة قصد التخصيص واختصاص الحكم بالموصوف بهذا الوصف بحجّة أنّ الفرد الذي يحتاج إلى التنبيه بالحكم هو الفرد النادر، أمّا الفرد الغالب فإنّه يحضر في الذهن ولو لم يذكر، وعليه فلا يكون ذكر الوصف الغالبي لأجل بيان اختصاص الحكم بالفرد الغالب على نحو يفهم منه المفهوم؛
فالجواب: أنّ أقصى ما يسبّبه الانصراف إلى الفرد الغالب هو دلالة اللفظ على تعلّق الحكم بذلك الفرد، لا تكوّن مفهوم مضادّ في القضيّة يفيد انتفاء الحكم عن الفرد النادر.
وبالتالي، فقد تكون ثمرة ذكر الوصف الغالبي ـ إضافة إلى تقوية المعنى المتبادر إلى الذهن ـ إلقاء معنىً آخر، وهو نفي الحكم عن الأفراد النادرة، بل ربّما كان الوصف الغالبي أظهر في إفادة المفهوم من غير الغالبي، لأنّه لا يحتمل فيه وجود أغراض أُخرى يستند إليها في نفي إفادة المفهوم من الوصف غير الغالبي.[3]
وللمحقّق الإصفهاني أيضاً كلام في ردّ التفصيل بين الوصف الغالبي وغيره ممّا سنتعرّض إلى بيانه في الجلسة القادمة إن شاء الله.