46/08/23
بسم الله الرحمن الرحیم
الإشکال علی مدعی الشيخ - الأخذ بالمفهوم في موارد كون أداة الشرط إسماً/ تنبيهات مفهوم الشرط/المفاهيم
الموضوع: المفاهيم/ تنبيهات مفهوم الشرط/ الإشکال علی مدعی الشيخ - الأخذ بالمفهوم في موارد كون أداة الشرط إسماً
طرحنا في الجلسة السابقة دعوى الشيخ حول كيفيّة الأخذ بالمفهوم في موارد العامّ الاستغراقي.
غير أنّ من الغريب طرح الشيخ وكذا بعض الأعاظم لهذا البحث والتفصيلات المطروحة فيه، إذ لا شكّ في أنّ العموم إذا كان بدليّاً ـ مثل: «إذا جاءك زيد فأكرم مرافقًا له» ـ فإنّ نقيضه سالبة كليّة، إذ يلزم من عدم وجوب إكرام أيّ مرافق لزيد على نحو لا بدل له، عدم وجوب إكرام أيّ فرد منهم.
أمّا إذا كان العموم مجموعيّاً ـ مثل: «إذا جاءك زيد فأكرم جميع مرافقيه» ـ أو استغراقيّاً ـ مثل: «إذا جاءك زيد فأكرم كلّ واحد من مرافقيه» ـ فإنّ نقيضه سالبة جزئيّة، إذ لا يلزم من عدم وجوب إكرام جميع مرافقي زيد أو عدم وجوب إكرام كلّ فرد منهم إلّا عدم وجوب إكرامهم جميعاً، وهذا لا يمنع من وجوب إكرام بعضهم خاصّة.
ومن الغريب أيضاً ما ذكره الشيخ من إمكان مخالفة قواعد المنطق للظهورات العرفيّة، لأنّ قواعد المنطق قواعد عقليّة وليست بصدد بيان القدر المتيقّن من القضيّة، بل هي كسائر الأحكام العقليّة أحكام قطعيّة لا مجال للاحتمال فيها بحيث يكون للقدر المتيقّن معنىً. كما أنّ العرف لا يمكنه أن يحكم بوجود ظهور في القضيّة على خلاف تلك القواعد، لأنّ ذلك يستلزم أن يريد المتكلّم أمراً مخالفًا للقواعد العقليّة وهو ممتنع.
بل إذا لم نعتبر القواعد المنطقيّة قطعيّة، فإنّ أصل الاستدلالات التي تبنى على هيئات القياسات المنطقيّة في مختلف العلوم تصبح مخدوشة وغير مفيدة للعلم، إذ سيعتريها احتمال الخلاف.
وربّما لأجل وضوح هذا الأمر، لم يتناول المحقّق الخراساني هذه المسألة في الكفاية.
أمّا ما ادّعاه الشيخ من أنّ الاختلاف في المسألة يعود إلى أنّ العموم الملحوظ في المنطوق، هل هو ملحوظ كآلةٍ للحاظ حال الأفراد على نحو الشمول والاستغراق، أم أنّه مأخوذ على نحو الموضوعيّة، فالمراد منه أنّه إذا قلنا في قضيّة مثل: «إذا كان الماء قدر كرّ لم ينجّسه شيء»، بأنّ معناها في الواقع هو: «إذا كان الماء قدر كرّ لم ينجّسه دم، وبول، وغائط، ومنيّ و...»، فيكون مفهومها حينئذٍ: «إذا لم يكن الماء قدر كرّ، ينجّسه الدم، والبول، والغائط، والمنيّ، و...» ونتيجة ذلك أنّ الاختلاف بين المفهوم والمنطوق يكون في الكيفيّة فقط، أي التنجّس وعدمه.
أمّا إذا قلنا بأنّ للفظ العامّ موضوعيّة في القضيّة وأنّ الحكم لا يترتّب على أفراده، فإنّ مفهوم القضيّة المذكورة سيكون: «إذا لم يكن الماء قدر كرّ، ينجّسه شيء»، وهذا المفهوم يختلف عن المنطوق في الكيف والكمّ، أي من حيث العموم المستفاد من استعمال النكرة في سياق النفي في المنطوق، وعدم استفادته في المفهوم حيث تكون النكرة فيه مستعملة في سياق الإثبات.
غير أنّ من الواضح أنّ التغيير في ألفاظ العبارات يستلزم تغيير ظهوراتها، وعليه فلا يمكن استبدال النكرة التي وردت في سياق النفي بالأفراد بدعوى وحدة المعنى بينهما.
وبعبارة أُخرى: إنّ مجرّد استفادة معنىً واحد من منطوق عبارتين لا يعني تماثلهما في جميع الظهورات؛ فمثلاً القضيّة الشرطيّة: «إذا جاء زيد فأكرمه» تعادل في المعنى القضيّة الوصفيّة: «أكرم زيداً الجائي» غير أنّ القضيّة الأُولى ظاهرة في إفادة المفهوم بينما الثانية لا ظهور لها في ذلك.
وبناءً على ذلك، لا يمكن أن نقول في محلّ البحث بأنّ قضيّة: «إذا كان الماء قدر كرّ لم ينجّسه شيء»، لكونها بمعنى: «إذا كان الماء قدر كرّ لم ينجّسه دم، وبول، وغائط، ومنيّ، و...» فإنّ الظهور الموجود في الثانية بالنسبة إلى تنجّس الماء القليل بالدم والبول والغائط والمنيّ وغيرها يكون موجوداً في الأُولى أيضًا، لأنّ الانحلال الحاصل في العامّ الاستغراقي هو في المعنى فقط دون اللفظ.
وأمّا المحقّق النائيني فإنّه بعد أن ذهب كالشيخ إلی أنّ كيفيّة إفادة المفهوم في القضايا الشرطيّة التي حكم فيها على نحو العموم الاستغراقي، تعتمد على كون المترتّب على الشرط هو عموم الحكم وشموله أو الحكم العامّ ـ أي الحكم المنحلّ إلى أفراده ومصاديقه بانحلال موضوعه ـ قال: بحسب مقام الإثبات، إذا كان العموم المستفاد من التالي معنى اسميّاً دُلّ عليه بلفظ «كلّ» وأمثاله، جاز أن يكون المعلّق على الشرط أيّاً من الموردين المذكورين في مقام الثبوت.
وأمّا إذا كان العموم مستفاداً من معنىً حرفي كالمستفاد من هيئة الجمع المعرّف باللام التي لا يمكن لحاظها بنفسها، أو مستفاداً من أُمور أُخری كوقوع النكرة في سياق النفي ولم يكن مدلولاً للفظ، فإنّ المعلّق في القضيّة الشرطيّة على الشرط في هذه الصورة هو الحكم العامّ.[1]
غير أنّ هذا الكلام مشكل أوّلاً: بأنّ انحلال الحكم بعدد أفراد متعلّقه في العامّ الاستغراقي، يتحقّق في كلتا الصورتين اللتين طرحهما، ولذلك فحتّى إذا كان المأخوذ في الموضوع نفس العموم والشمول، فإنّه إذا انحصرت قدرة المكلّف في امتثال الأمر بالنسبة إلی أحد أفراد العامّ في الخارج فقط، وجب عليه ذلك، وإلّا كان ذلك منافياً لفرض استغراقيّة العموم.
وثانياً: سبق أن بيّنّا أنّ انحلال الحكم في الواقع بعدد أفراد متعلّقه يختصّ بالمعنى المستفاد من منطوق الكلام، ولا يمكن الادّعاء بأنّ الناتج من هذا الانحلال هو أنّ جميع الظهورات الموجودة في كلّ واحد من الأحكام المنحلّة موجودة أيضاً في القضيّة التي يكون لمتعلّق الحكم في جزائها عموم استغراقي.
وثالثاً: لا فرق بين ما يستفاد العموم منه في القضيّة، لأنّ العموم الذي تدلّ عليه القضيّة على هو في كلّ الأحوال معنىً اسمي استقلالي، ويؤيّد ذلك إمكان إضافته إلى معنىً اسمي آخر بأن يقال: «عموم المتعلّق».
التنبيه الرابع:الأخذ بالمفهوم في موارد كون أداة الشرط إسماً
قال الشهيد الصدر: «إذا كانت أداة الشرط اسماً يقع نفسه موضوعاً للحكم ـ كقولنا «من أكرمك أكرمه» ـ فالصحيح عدم دلالة الشرطيّة حينئذٍ على المفهوم، والوجه في ذلك ما ذكرناه في التنبيه الأوّل لتخريج عدم دلالة الشرطيّة المسوقة لتحقّق الموضوع على المفهوم، لأنّ انتفاء الشرط في المقام يساوق انتفاء موضوع الحكم في الجزاء، والمفروض أنّ المعلّق على الشرط إنّما هو الحكم المقيّد بموضوعه لا طبيعي الحكم، وانتفائه بانتفاء الموضوع عقلي ثابت في الجمل الحمليّة أيضاً.»[2]
وهذا كلام غريب، لأنّ المنتفي في المفهوم الذي يستلزم انتفاؤه انتفاء الحكم المذكور في الجزاء هو الشرط نفسه، لا أداته حتّى يقال: بما أنّ موضوع الحكم المذكور في الجزاء هو عين ما تدلّ عليه أداة الشرط، فقد استلزم انتفاء أداة الشرط انتفاء موضوع الحكم المذكور في الجزاء ممّا يؤدّي إلی انتفاء المفهوم.
ومن المعلوم أنّه لا ينتفي موضوع الحكم في هذه الجمل بانتفاء الشرط. لذلك فالجملة المذكورة لها مفهوم وهو: «من لم يكرمك لم يجب إكرامه».