« قائمة الدروس
بحث الأصول الأستاذ سید علي الموسوي اردبیلي

46/08/16

بسم الله الرحمن الرحیم

الإشکال علی تفصيل ابن إدريس - توارد الأسباب على مسبّب واحد في الأحكام الوضعيّة/ تنبيهات مفهوم الشرط/المفاهيم

الموضوع: المفاهيم/ تنبيهات مفهوم الشرط/ الإشکال علی تفصيل ابن إدريس - توارد الأسباب على مسبّب واحد في الأحكام الوضعيّة

 

تقدّم في بداية البحث أنّ ابن إدريس ذهب إلی التفصيل في مسألة تداخل الأسباب، فقد قال في مبحث موجبات سجدة السهو في الصلاة: «إن سها المصلّي في صلاته بما يوجب سجدتي السهو مرّات كثيرة في صلاة واحدة، أيجب عليه بكلّ مرّة سجدتا السهو، أو سجدتا السهو عن الجميع؟

قلنا: إن كانت المرّات من جنس واحد، فمرّة واحدة يجب سجدتا السهو؛ مثلاً تكلّم ساهياً في الركعة الأوّلة وكذلك في باقي الركعات، فإنّه لا يجب عليه تكرار السجدات، بل يجب عليه سجدتا السهو فحسب، لأنّه لا دليل عليه، وقولهم(ع): «من تكلّم في صلاته ساهياً يجب عليه سجدتا السهو»، وما قالوا: دفعة واحدة أو دفعات.

فأمّا إذا اختلف الجنس، فالأولى عندي بل الواجب الإتيان عن كلّ جنس بسجدتي السهو، لأنّه لا دليل على تداخل الأجناس، بل الواجب إعطاء كلّ جنس ما تناوله اللفظ، لأنّ هذا قد تكلّم مثلاً وقام في حال قعود وأخلّ بإحدى السجدتين وشكّ بين الأربع والخمس وأخلّ بالتشهد الأوّل، ولم يذكره إلا بعد الركوع في الثالثة، وقالوا(ع): من فعل كذا يجب عليه سجدتا السهو، ومن فعل كذا في صلاته ساهياً يجب عليه سجدتا السهو؛ وهذا قد فعل الفعلين، فيجب عليه امتثال الأمر، ولا دليل على تداخلهما، لأنّ الفرضين لا يتداخلان بلا خلاف من محقّق.»[1]

قال المحقّق الخراساني في توجيه هذه الدعوی: وجه التفصيل أنّه تصوّر بأنّ الشرط فيما إذا كان من جنس واحد، فلا يمكن التمسّك بإطلاقه والقول بتعدّد الأسباب، لأنّ الذي ترتّب عليه الجزاء هو صرف طبيعة الشرط، وتعدّد الأفراد لا يوجب تعدّده، بينما عندما تكون الشروط من أجناس مختلفة فكلّ منها سبب مستقلّ في تحقّق الجزاء.

ثمّ قال في الإشكال عليه: لا يمكن الالتزام بهذا الكلام، لأنّ مقتضى إطلاق الشرط فيما إذا كان الشرط من جنس واحد وذا أفراد متعدّدة أنّ كلّ فرد منه سبب مستقلّ لتحقّق الجزاء، وإلّا فإذا لم نقل بتماميّة هذا الإطلاق ودلالة القضيّة الشرطيّة على حدوث الجزاء عند حدوث الشرط، وجب القول بتداخل الأسباب أيضاً فيما إذا كانت الشروط من أجناس مختلفة، لأنّها تؤدّي إلی أثر واحد، ومن المعلوم أنّ المسبّب الواحد لا تكون له أسباب متعدّدة علی نحو الاستقلال.[2]

غير أنّه قد يقال في الجواب عن هذا الإشكال: إنّ مقتضى إطلاق الشرط بحسب دعواه ليس إلّا حدوث الجزاء عند حدوث الشرط، وهذا لا ينافي ما ذهب إليه ابن إدريس، لأنّه لم ينكر ظهور الجملة الشرطيّة في هذا المعنى، ولذلك قال بأصالة عدم التداخل عندما تكون الشروط من أجناس متعدّدة، بل دعواه أنّ الذي يترتّب عليه الجزاء هو صرف وجود الشرط الذي يتحقّق بتحقّقه في الخارج ولا يتعدّد بتعدّد أفراده، وعليه فلا وجه لعدم تداخل الأسباب في هذا الفرض، إذ لا توجد أسباب متعدّدة حينئذٍ في الحقيقة حتّى نقول بعدم تداخلها.

ومن هنا أشكل المحقّق الإصفهاني علی ابن إدريس بطريقة أُخری فقال: إذا أُريد بهذه الدعوى ترتّب الحكم على صرف وجود السبب الذي يقابل العدم الكلّي ـ أي نقض العدم المطلق الذي ينطبق على أوّل فرد من أفراد الطبيعة فقط ـ فحينئذٍ يشكل ذلك بأنّ كلّ وجود يطرد عدم نفسه، فلا يمكن اعتبار أوّل أفراد الشرط مصداقاً لناقض العدم المطلق. نعم، من الممكن ترتّب الحكم على أوّل أفراد الشرط إلّا أنّه خلاف ظاهر الدليل الذي يترتّب الحكم بحسبه على مجرّد وجود الطبيعة ممّا يتحقّق بجميع أفرادها.

وإذا أُريد منه أنّ الحكم قد ترتّب على شيء لا يكون لمميّزات الأفراد الخارجيّة دخل في سببيّته وأنّه إنّما يلاحظ من حيث الوجود الذي لا يقبل التعدّد، فحينئذٍ يشكل بأنّه يمتنع التعليق على مثل ذلك، لأنّ تحقّقه الخارجيّ غير معقول؛ فمثلاً يمتنع تحقّق وجود النار من دون تحقّق فرد من أفرادها وإن أمكن لحاظها في الذهن، بل صرف الوجود الذي يمكن تحقّقه في الخارج ليس إلّا وجود المبدأ وفيضه المسمّى بالوجود المنبسط.[3]

والحقّ ما ذهب إليه المحقّق الإصفهاني، ولنا أن نزيد في تأييد كلامه في عدم صحّة الاحتمال الأوّل بأنّه إذا كان المراد من صرف وجود السبب هو ناقض العدم المطلق، فحينها إذا وُجد أحد أفراد الشرط قبل إنشاء الحكم، فبمجرّد إنشاء الحكم بالقضيّة الشرطيّة، يصبح الحكم فعليّاً ولا ينبغي توقّع تحقّق الشرط خارجاً لفعليّة الجزاء، لأنّ ناقض العدم المطلق قد تحقّق سابقاً، فالشرط محقّق حال الجعل، بينما لا يمكن الالتزام بذلك.

تتمّة: في توارد الأسباب على مسبّب واحد في الأحكام الوضعيّة

إذا تحقّقت أسباب متعدّدة لحكم وضعي ـ مثل أن يعقد الأب ابنته لرجل ويجرى جدّها من الأب أيضاً صيغة عقد تلك البنت للرجل نفسه، أو أن يبيع المالك ماله لشخص وقد باع وكيله المال نفسه للشخص نفسه ـ فإذا كان بين تحقّق السببين تقدّم وتأخّر زمني، فلا إشكال في أنّ السبب الأوّل يوجب تحقّق المسبّب والسبب الثاني لا يمكنه التأثير بعدئذٍ، إذ بعد تحقّق المسبّب لا يبقى موضوع للسبب الثاني.

ولكن إذا تحقّقا في وقت واحد، فمقتضى القاعدة حينئذٍ عدم تأثير أيّ منهما، لأنّ تأثير أيّ منهما معيّناً دون الآخر يوجب الترجيح بلا مرجّح، كما لا يعقل تأثير واحد منهما لا بعينه، لأنّ الواحد لا بعينه لا وجود له خارجاً ويمتنع تحقّقه فضلاً عن تأثيره. نعم، ذهب الشيخ الأعظم إلى تحقّق المسبّب في هذه الصورة وسيأتي طرح دعواه والإشكال عليها.

وكذلك الحال بالنسبة إلى مقتضى القاعدة فيما إذا كان الزوج في المثال الأوّل والمشتري في المثال الثاني شخصين مختلفين، بل يمكن القول حينئذٍ بكون فساد المعاملة الثانية أولى على فرض الاختلاف الزمني بين تحقّق السببين.

وللشيخ الأعظم مطالب في هذا الشأن سيأتي ذكرها في الجلسة القادمة إن شاء الله.


logo