46/08/06
بسم الله الرحمن الرحیم
إشكال السيّد الخميني على ادلة عدم تداخل الأسباب/ تنبيهات مفهوم الشرط/المفاهيم
الموضوع: المفاهيم/ تنبيهات مفهوم الشرط/ إشكال السيّد الخميني على ادلة عدم تداخل الأسباب
أشكل السيّد الخميني على جميع الاستدلالات التي أُقيمت على عدم تداخل الأسباب وقال: إنّ الاستدلالات التي أقامها الأعاظم على عدم تداخل الأسباب، كلّها مبنيّة على فرض استناد ظهور القضيّة الشرطيّة في سببيّة الشرط المستقلّة للجزاء أو في حدوث الجزاء بحدوث الشرط إلى الوضع، غير أنّه لا دليل على إسناد الظهور المذكور إلی الوضع، بل قد صرّح بعض الأُصوليّين بأنّ هذا الظهور مبنيّ على إطلاق القضيّة الشرطيّة.
وعلى هذا الأساس يقال: كما أنّ مقتضى إطلاق الشرطيّة في كلّ من القضيّتين الشرطيّتين هو أن يكون الشرط علّة مستقلّة للجزاء، فكذلك إطلاق الجزاء يقتضي أن تكون الماهيّة المأخوذة فيه ـ كالوضوء ـ تمام موضوع الوجوب. وعليه، فإنّ الموضوع في كلتا القضيّتين الشرطيّتين هي طبيعة الوضوء، فيتعارض إطلاق الجزاء فيهما مع إطلاق الشرط، وينشأ من ذلك تعارض بين القضيّتين الشرطيّتين.
ورفع هذا التعارض يدور مدار أحد الأمرين: إمّا رفع اليد عن إطلاق الشرط والقبول بأنّ كلّ شرط مستقلّ في التأثير حال عدم تقدّم شرط آخر عليه أو عدم تقارنهما معاً مع إبقاء إطلاق الجزاء على حاله، أو تقييد ماهيّة الوضوء وحفظ إطلاق الجزاء بغضّ النظر عن إطلاق الشرط. ولكن لا ترجيح لأيّ من هذين الوجهين لرفع التعارض، لأنّ ظهورهما على نحو واحد وليس أيّ واحد منهما أقوى من الآخر، وعليه فلا يمكن اعتبار أيّ منهما بياناً للآخر.
وأمّا القول بتقدّم ظهور صدر القضيّة على ظهور ذيلها ـ لو سلّمنا بأصل هذه الدعوى ـ فإنّه لا يسبّب ترجيح إطلاق الشرط على إطلاق الجزاء فيما نحن فيه، لأنّ ذلك إنّما يصحّ فيما إذا تعارض إطلاق صدر القضيّة مع إطلاق ذيلها، بينما التعارض في هذا المقام حاصل بين إطلاق صدر قضيّة وإطلاق ذيل قضيّة أُخری.[1]
ثمّ تابع الإشكال قائلاً: لو تنازلنا عن الإشكال وسلّمنا بأن كلّ شرط مستقلّ في التاثير، فإنّنا نحتاج بعد ذلك لإثبات عدم تداخل الأسباب إلى إثبات كون أثر الشرط الثاني غير أثر الشرط الأوّل، ولكن يمكن نفي هذه الدعوى والقول بأنّ الأسباب الشرعيّة بما أنّها علل للأحكام دون أفعال المكلّفين، فتعدّدها لا يسبّب تعدّد معلول كالوجوب بل يستلزم تأكيده، إذ مع حمل الأمر على التأكيد يُحفظ إطلاق الشرط والجزاء في كلتا القضيّتين كما أنّه لا يلزم منه مجاز في صيغة الأمر بناءً على دلالتها الوضعيّة على الوجوب، لأنّ وضع صيغة الأمر للوجوب لا يعني وضعها لمفهوم الوجوب الإسمي، بل تعني أنّها وضعت لإيجاد البعث الناشئ عن إرادة حتميّة، وهو ما ينطبق علی الأوامر التأكيديّة، حيث إنّ المطلوب إذا كان مهمّاً عند الآمر، فقد لا يكتفي بأمر واحد، بل يكرّره عدّة مرّات ويوجد بذلك بعثاً ناشئاً عن إرادة مؤكّدة، بل لا معنى للتأكيد سوی ذلك وليس معناه استعمال الأمر الثاني في عنوان التأكيد أو في الاستحباب أو الإرشاد أو غيرها.
نعم، يقدّم التأسيس عند دوران الأمر بينه وبين التأكيد، ولكنّه إنّما يكون فيما إذا لم يناف الحمل على التأسيس إطلاق المادّة والشرطيّة، فإذا دار الأمر بين رفع اليد عن أحد الإطلاقين أو عن حمل الأمر على التأسيس، فلا إشكال في أولويّة الثاني.[2]
وببيان آخر: إنّ إطلاق الجزاء يستلزم أن يكون متعلّق الطلب فيه صرف ماهيّة شيء كالوضوء ممّا يعني أنّه إذا أصبحت هذه الماهيّة مطلوباً بحدوث الشرط الأوّل، فلا يمكن أن تصبح متعلّقاً لطلب مستقلّ بحدوث الشرط الثاني أيضاً، لأنّ الشيء الواحد من جهة واحدة لن يكون متعلّقاً لأكثر من طلب واحد. والحال أنّ إطلاق الشرط يستلزم أن يكون كلّ شرط سبباً مستقلّاً لتعلّق الطلب بالماهيّة المأخوذة في الجزاء، وهذان الإطلاقان لا يمكن الجمع بينهما، فيحصل التعارض.
وعليه، فإمّا أن نرفع اليد عن كلا الإطلاقين ونقول بعدم اعتبارهما، أو أن نعتبر تعدّد الأمر ناشئاً عن التأكيد لا عن التأسيس، وفي كلتا الحالتين لا وجه للقول بعدم تداخل الأسباب.
وسنتابع تكملة الموضوع في الجلسة القادمة إن شاء الله.