46/07/21
بسم الله الرحمن الرحیم
الفرق بين سبب الوضوء و الغسل – مقتضی الأصل العملي في تداخل الأسباب/ تنبيهات مفهوم الشرط/المفاهيم
الموضوع: المفاهيم/ تنبيهات مفهوم الشرط/ الفرق بين سبب الوضوء و الغسل – مقتضی الأصل العملي في تداخل الأسباب
قلنا في الجلسة السابقة أنّ التكليف المذكور في الجزاء إذا كان غيريّاً، فلن يتطرّق إليه البحث عن تداخل الأسباب.
إن قلت: يُنقض هذا المدّعى بالغُسل الذي هو واجب غيري، فمثلاً إذا قيل: «إذا أجنبت فاغتسل» و«إذا مسست الميّت فاغتسل» فمن الوجيه أن يبحث عن أنّه هل يقع على عهدة المكلّف تكليف واحد أم تكليفان؟
قلت: إنّ الغسل يختلف عن الوضوء في أنّ سبب وجوب الغسل دخيل في عنوان التكليف، ولذلك فإحدى الأُمور المعتبرة في نيّة الغسل هي تعيين كونه مسبّباً عن أيّ سبب؛ فمثلاً هل هو غسل للجنابة أم لِمسّ الميّت أم للحيض؟
وعليه فينبغي أن نقول: الجزاء في الأمثلة المذكورة ليس عنواناً واحداً وهذه الأمثلة خارجة عن بحث تداخل الأسباب، كما أنّ تعدّد التكليف فيها ليس من باب عدم تداخل الأسباب وإنّما من باب أنّ حدوث كلّ حدث يؤدّي إلى أن يجب على المكلّف إتيان مكلّف به مستقلّ.
والحال أنّ الوضوء ليس کذلك ولا تسبّب أحداث مختلفة وجوب عناوين متعدّدة من التكليف فيه، ولذلك لا يشترط في نيّته أن يقصد الوضوء من حيث حدث معيّن، بل قد ادّعي الإجماع على ذلك[1] ، ولذلك فأيّ حدث صدر من المكلّف فهو يوجب الوضوء، لأنّ واجبه مكلّف به غيري واحد.
واتّضح بالنظر إلى ما تقدّم إشكال دعوى المحقّق الخوئي الذي اعتبر أنّ التداخل في الأغسال من باب تداخل المسبّبات دون تداخل الأسباب وعلّل ذلك بأنّ المستفاد من أدلّة الغسل هو أنّ غسلاً واحداً يكفي عن عدّة أغسال[2] ، لأنّ الذي ذکر في أدلّة الغسل هو كفاية غسل واحد فيما إذا وجبت على المكلّف أغسال ناشئة عن موجبات مختلفة حيث تقدّم أنّ هذا الفرض خارج عن مبحث تداخل الأسباب، وأمّا فيما إذا صدر عن المكلّف موجب واحد للغسل عدّة مرّات ـ کما إذا مسّ أمواتاً عديدة أو وطء عدّة زوجاته ـ فيمكن الادّعاء حينئذٍ بأنّ وجوب الغسل وجوب غيري کالوضوء، ولذلك لا وجه لتوجّه تكاليف متعدّدة إلى المكلّف ولا مجال للبحث عن تداخل الأسباب أو عدمه ولو لم يرد في الأدلّة الشرعيّة ما يدلّ على كفاية غسل واحد في هذه الموارد.
ثمّ إنّ المحقّق النائيني قال دفعاً لإشكال عدم وجوب وضوءات متعدّدة بعد حدوث أحداث عديدة ـ على الرغم من القول بعدم تداخل الأسباب ـ بأنّ الحدث الذي يوجب الوضوء وإن أمکن حصوله بموجبات عديدة ولكن بعد أن حصل بموجب واحد منها، فلا معنى لحصوله بموجب آخر من جديد.[3]
وقد استدلّ المحقّقان الخوئي والروحاني أيضاً على ذلك ببيان مختلف وقالا: إنّ المستفاد من الأدلّة الشرعيّة أنّ الوضوء يستلزم تحقّق الطهارة وأمثال البول والنوم تسبّب نقضها، وعليه فحدوث أحداث متعدّدة لا يمكن أن يوجب وضوءات متعدّدة، لأنّ وجوب الوضوء مترتّب على نقض الطهارة وهو أمر لا يقبل التعدّد.[4] [5]
غير أنّ هذه الدعاوي مشكلة، لأنّها تسند عدم وجوب الوضوءات المتعدّدة إلى عدم ترتّب وجوب الوضوء في الأدلّة الشرعيّة على أسباب كالبول والنوم، وإنّما على الإحداث بحدث أصغر أو نقض الطهارة ممّا لا معنى للتكرار فيه، ولازمه وجوب وضوءات متعدّدة على المكلّف بوقوع أحداث متعدّدة لو کان وجوب الوضوء قد ترتّب في الأدلّة الشرعيّة على أسباب متعدّدة، بينما ـ كما قلنا ـ عدم وجوب وضوءات متعدّدة بأحداث مختلفة ناتج عن کون وجوب الوضوء واجباً غيريّاً ممّا يسبّب عدم شمول بحث تداخل الأسباب للتكليف بالوضوء أساساً، ولذلك لا يختلف الحال بكيفيّة بيان وجوبه في الأدلّة الشرعيّة.
نعم، إنّ ما ذكرناه بالنسبة إلى الغسل والوضوء مبنيّ على عدم استحبابهما في أنفسهما، وإلّا فمن الواضح أنّه مع القول بالاستحباب النفسي، فإنّ الوضوء والغسل داخلان أيضاً في بحث تداخل الأسباب.
المقدّمة السادسة: قال المحقّق النائيني: مقتضى الأصل العمليّ في الأحكام التكليفيّة فيما إذا لا ننتهي فيه إلى نتيجة بالنسبة إلى تداخل الأسباب أو عدمه، هو التداخل، لأنّه راجع إلى الشكّ في تكليف زائد ممّا يمكن دفعه تمسّكاً بأصل البراءة، غير أنّ الأحكام الوضعيّة لا يوجد فيها أصل يمكن الرجوع إليه في جميع الموارد، بل يجب أن نری بحسب شرائط المورد وأحواله أنّ المورد يکون مجرى لأيّ واحد من الأُصول.[6]
غير أنّ السيّد الخوئيّ أشكل على هذا التفصيل وقال: لا فرق بين الأحكام التكليفيّة والوضعيّة، وكما يمكن عند الشكّ في الحكم التكليفي أن ينفى توجّه تكليف زائد تمسّكاً بالبراءة، فكذلك في موارد الشكّ في الحكم الوضعي حيث يمكن نفي التكليف الزائد بجريان البراءة في هذه الموارد أيضاً.[7]
وسيأتي في بحث البراءة إن شاء الله تحقيق مسألة أنّ البراءة هل تجري فقط في الأحكام التكليفية أو أنّها تجري في الوضعيّة منها أيضاً؟
وقد يتبادر إلى الذهن أنّه عند الشكّ في التكليف، ينبغي التمسّك بإطلاق الدليل الدالّ على الوجوب، ومع وجود دليل لفظيّ لا يأتي دور الرجوع إلى أصل عملي.
إلّا أنّ الجواب أنّه على فرض وجود مثل هذا الإطلاق في الدليل، فلا شكّ في عدم تداخل الأسباب، لأنّ وجود الإطلاق معناه عدم تداخل الأسباب، وهذا ينافي الفرض المطروح في هذه المقدّمة، أي عدم الوصول إلى نتيجة بناءً على الأدلّة اللفظيّة.