46/06/05
بسم الله الرحمن الرحیم
تتمة دعوی الشهيد الصدر و الإشکال فيها/ مفهوم الشرط/المفاهيم
الموضوع: المفاهيم/ مفهوم الشرط/ تتمة دعوی الشهيد الصدر و الإشکال فيها
جرى البحث في دعوى الشهيد الصدر حيث ادّعى بأنّ المدلول التصديقي للجملة الشرطية إذا كان موازياً لمفاد هيئتها، فإنّ الجملة الشرطيّة في هذه الصورة تدلّ على وجود نسبة بين الشرط والجزاء ولا سبيل للتعليق فيها، سواء كانت الجملة خبريّة أو إنشائيّة. وإذا كان موازياً لمفاد جملة الجزاء وكانت جملة الجزاء خبريّة، فحينئذٍ وإن أمكن أن يتطرّق التعليق إلى مدلولها التصديقي کما أنّ من الممکن أن لا يتطرّق، غير أنّ الثاني خلاف الظاهر.
وتابع قائلاً: إذا كان المدلول التصديقي للجملة الشرطيّة موازياً لمفاد جملة الجزاء وكانت جملة الجزاء إنشائيّة ـ مثل: «إذا جاء زيد فأكرمه» ـ فبما أنّ الفرض کون المدلول التصديقي للجملة الشرطيّة موازياً لمفاد جملة الجزاء الدالّة على إيجاب الإكرام في المثال، فلابدّ من أن يكون ذلك المدلول معلّقاً على الشرط ومقيّداً به، وعليه فإنّ المدلول التصديقيّ للجملة الشرطيّة في المثال الآنف هو وجوب إكرام زيد مقيّداً بمجيئه، إذ لو لم يقيّد جعل الوجوب بالشرط، فإمّا أن يكون الوجوب نفسه مقيّداً بالشرط ـ بمعنى أن يُجعل وجوب مقيّد ـ ممّا يرجع إلى تقييد الجعل نفسه، لأنّ تقييد كلّ من الجعل والمجعول يرجع إلى تقييد الآخر، وإمّا أن يكون الوجوب نفسه فعليّاً وغير مقيّد ممّا يشكل بأنّ المتكلّم في هذه الصورة كان يستطيع الاكتفاء بجملة الجزاء ولم يكن بحاجة إلى بيان جملة شرطيّة.
فنتيجة الکلام أنّه إذا كان المدلول التصديقي للجملة الشرطيّة موازياً لمفاد هيئة الجملة الشرطيّة، فالتعليق لا يسري إلى مدلولها التصديقيّ، وأمّا إذا كان موازياً لمفاد جملة الجزاء، فالظاهر أنّ التعليق يسري إليه، سواء كانت جملة الجزاء إخباريّاً أم إنشائيّاً.
غير أنّ محلّ الكلام هو أنّ الجملة الشرطيّة هل لها ظهور في أحد الاحتمالين المذكورين؟
قد يتصوّر أنّ ظهورها بناءً على أصل التطابق بين مقامي الثبوت والإثبات هو موازاة مدلولها التصديقي لمفاد هيئة الجزاء، غير أنّ أصل التطابق إنّما يجري فيما إذا كان البحث عن المدلول التصديقي والتصوري لكلام واحد، دون ما يُبحث في تطابق المدلول التصديقي لعبارة ـ أي: الجملة الشرطيّة ـ والمدلول التصوري لعبارة أُخرى ـ أي: جملة الجزاء ـ وإنّما الصحيح أنّ الجملة الشرطيّة ظاهرة في الاحتمال الأوّل، لأنّ المدلول التصوري للجملة الشرطيّة، نسبة تعليقيّة بين مفاد الشرط ومفاد الجزاء، ومقتضى أصل التطابق هو أن يوازي المدلول التصديقيّ للجملة الشرطيّة مدلولها التصوري.[1]
ولكنّ هذا الكلام يشكل بأنّه لا شكّ في مدخليّة مفاد جملة الجزاء في المدلول التصوّري للجملة الشرطيّة، وإلا فعلينا أن نقول باستفادة معنيين مستقلّين عن بعض من الجملة الشرطيّة بحيث يفهم المخاطب من جزء منها ـ أي جملة الجزاء ـ معنىً ومن كلّها معنىً آخر؛ فمثلاً إذا كانت جملة الجزاء إنشائيّة، فإنّ الجملة الشرطيّة كما تفيد الإنشاء ـ إذ لا شكّ في أنّ جملة مثل: «إن جاء زيد فأكرمه» تفيد طلب الإكرام ـ فكذلك تفيد الإخبار، بينما لا يستفاد من الجملة الشرطيّة إلا معنىً واحد.
وبعبارة أُخرى: فإنّ افتراض أنّ المدلول التصديقي للجملة الشرطيّة هو المعنى الذي يفيده جزء منها ـ أي الهيئة أو أداة الشرط ـ فهو فرض غير مقبول.
وعليه فينبغي القول في تحليل مفاد الجملة الشرطية: إنّ مفاد جملة الجزاء يحصّص بواسطة النسبة التي تقرّها أداة الشرط بينها وبين جملة الشرط، والمعنى المستفاد من الجملة الشرطيّة حصّة خاصّة من مفاد جملة الجزاء، بمعنى أنّ مفاد الجملة الشرطيّة حصّة خاصّة من المعنى المخبر عنه أو المُنشأ في جملة الجزاء ممّا تمّ تحصيصه بالنسبة التعليقيّة بينها وبين جملة الشرط، وعليه فلا تصحّ دعوی أنّ الجملة الشرطيّة تفيد معنىً مستقلّاً عن المعنى المستفاد من جملة الجزاء.
وبسبب وجود التعليق في المعنى المستفاد من الجملة الشرطيّة وبناءً على أصل تطابق المدلول التصوّري والتصديقي، يمكن القول بأنّ المدلول التصديقي للجملة الشرطيّة أيضاً يشتمل على التعليق.
وسنذكر تتمّة الإشكالات الواردة على مقالة الشهيد الصدر في الجلسة القادمة إن شاء الله.