46/05/16
بسم الله الرحمن الرحیم
كون المفاهيم من مباحث علم الأُصول- التعليق، الترتيب و اللزوم/المقدمات-مفهوم الشرط/المفاهيم
الموضوع: المفاهيم/المقدمات-مفهوم الشرط/ كون المفاهيم من مباحث علم الأُصول- التعليق، الترتيب و اللزوم
كون المفاهيم من مباحث علم الأُصول
لا إشكال في اعتداد مبحث المفاهيم ضمن مسائل علم الأُصول، لأنّه مشتمل على الضابط الذي سبق ذكره للمسألة الأُصوليّة من أنّها تكون لا بشرط بالنسبة إلى الموضوعات الفقهيّة ويمكن وقوعها في القياس الفقهيّ للنيل إلی الجعل الشرعي؛ فمثلاً نقول بالنسبة إلى جملة «إن جاء زيد فأكرمه» الشرطيّة: وجوب إكرام زيد مشروط بمجيئه، ومفهوم الجملة الشرطيّة هو انتفاء الجزاء في صورة انتفاء الشرط، فلا يجب إكرام زيد في صورة انتفاء مجيئه.
وأمّا بالنسبة إلى كون بحث المفاهيم من مباحث الألفاظ أو من مباحثه العقليّة لعلم الأُصول فقد قال المحقّق الخوئي: يمكن أن يعدّ هذا البحث لفظيّاً كما يمكن أن يكون عقليّاً، وقال في توجيهه: «بالنظر إلى كون الحاكم بانتفاء المعلول عند انتفاء العلّة هو العقل فحسب، فهي من المسائل الأُصوليّة العقليّة، وبالنظر إلى كون الكاشف عن العلّة المنحصرة هو الكاشف عن لازمها أيضاً، فهي من المسائل الأُصولية اللفظيّة، لفرض أنّ الكاشف عنها هو اللفظ كما عرفت، فإذن يكون المفهوم مدلولاً للّفظ التزاماً.»[1]
وفيه: أنّ بحث المفاهيم لا يُبحث فيه أصلاً عن أنّ انتفاء العلّة يسبّب انتفاء المعلول، وإنّما البحث فيه صغروي يخصّ بما إذا كان اللفظ هل يكون بنحو تكون الحيثيّة التقييديّة فيه علّة منحصرة لترتّب الحكم على الموضوع ـ أي بنحو يدور ترتّب الحكم على الموضوع مدارها وجوداً وعدماً ـ أو لا؟ وهذه الجهة كما قاله المحقّق الخوئي تخصّ مباحث الألفاظ.
وعليه فلا وجه لاحتساب مبحث المفاهيم في زمرة مباحث علم الأُصول العقليّة.
وبعد الفراغ من المباحث التمهيدية، نتابع الحديث عن وجود المفهوم أو عدمه في بعض القضايا.
مفهوم الشرط
ما نريد بيانه في البحث عن مفهوم الشرط هو أنّ الجملة الشرطيّة هل تدلّ على انتفاء الجزاء في صورة انتفاء الشرط كما تدلّ على ثبوته في صورة تحقّق الشرط أم لا؟
وقبل الولوج في البحث ينبغي الإشارة إلى معاني ثلاثة مفاهيم مستعملة في البحث وهي: التعليق والترتيب واللزوم.
إنّ المراد من التعليق هو أن يرتبط شيئان بحيث لا يمكن وجود أحدهما دون الآخر وأن يدور مداره وجوداً وعدماً، مثل العلاقة بين المعلول والعلّة المنحصرة، فالمعلول معلّق على علّته المنحصرة.
وبعبارة أُخرى: فإنّ المراد من التعليق هو العلّيّة المنحصرة نفسها، إذ لو أمكن للمعلّق أن يوجد من دون المعلّق عليه، فلا يصحّ إطلاق التعليق على العلاقة بينهما؛ فمثلاً إذا قيل: «تحقّق الزوجيّة معلّق على عقد النكاح الدائم» فهذه الجملة غير صحيحة، لأنّ الزوجيّة قد تتحقّق بعقد النكاح المؤقّت أيضاً.
نعم، ليس المعلّق عليه علّة تامّة للمعلّق ضرورةً، بل قد يكون جزءً لها، ولكن ينبغي أن يكون بنحو لا بديل له.
والترتيب معناه أن تكون العلاقة بين شيئين بنحو يتحقّق أحدهما في صورة تحقّق الآخر، وإن لم يسبّب عدمُ المترتّب عليه انتفاء المترتّب بالضرورة، إذ قد يكون لوجوده سبب آخر. وعليه فإنّ الترتيب وإن كان فيه علّيّة كالتعليق إلّا أنّها ليست منحصرة بالضرورة، فيكون الترتيب أعمّ من التعليق.
واللزوم يعني أنّ العلاقة بين شيئين بنحو لا ينفكّ أحدهما عن الآخر وجوداً، سواء كان عدم الانفكاك ناشئاً عن وجود علّيّة بينهما أو ناشئاً عن أمر آخر، كما لو كانا معلولين لعلّة واحدة، والحاصل أنّ اللزوم أعمّ من الترتيب.
وبعد بيان هذه المقدّمة، نتابع البحث في الجلسات القادمة إن شاء الله ضمن عدّة مطالب بحثاً في أنّ الجملة الشرطيّة هل تشتمل على المفهوم أم لا؟