46/04/29
بسم الله الرحمن الرحیم
إشکال المحقق الخوئي علی تعريف المحقق النائيني للمفهوم/ المقدمات /المفاهيم
الموضوع: المفاهيم / المقدمات / إشکال المحقق الخوئي علی تعريف المحقق النائيني للمفهوم
إنّ المحقّق النائيني بعد أنّ عدّ الدلالة التضمنيّة من أقسام الدلالة الالتزاميّة، واعتبر الدلالة الالتزاميّة لفظيّة فيما إذا كانت الملازمة بيّنةً بالمعنى الأخصّ فقط، وذهب إلی أنّ الملازمة إذا کانت بيّنة بالمعنى الأعمّ فهي دلالة التزاميّة عقليّة، يری أنّ الدلالة المفهوميّة من أقسام الدلالة اللفظيّة ومساوقة للدلالة اللفظيّة الالتزاميّة، وفي المقابل اعتبر الدلالة المنطوقيّة عين الدلالة المطابقيّة، وقال: «إنّ تعريف المنطوق بأنّه ما دلّ عليه اللفظ في محلّ النطق إنّما هو باعتبار كون المدلول معنىً مطابقيّاً للجملة، كما أنّ تعريف المفهوم بأنّه ما دلّ عليه اللفظ لا في محلّ النطق إنّما هو باعتبار كونه مدلولاً التزاميّاً في ما إذا كان اللزوم بيّناً بالمعنى الأخصّ لتكون الدلالة على المفهوم من أقسام الدلالة اللفظيّة.»[1]
وقد أشكل السيّد الخوئي على تفصيل المحقّق النائيني بين الدلالة الالتزاميّة البيّنة بالمعنى الأعمّ والدلالة الالتزاميّة البيّنة بالمعنى الأخصّ، واعتبر أنّ المفهوم هو المدلول الالتزاميّ البيّن، سواء كان بيّناً بالمعنى الأعمّ أو الأخصّ، وقال: وجه التفصيل المذكور في كلمات المحقّق النائيني هو أنّه اعتبر موارد مثل الملازمة بين وجوب ذي المقدّمة ووجوب المقدّمة أو وجوب الشيء وحرمة ضدّه الخاصّ ـ بناءً على القبول بالملازمة بينهما ـ من الملازمات البيّنة بالمعنى الأعمّ، وفي سبيل إخراج هذه الموارد من تعريف المفهوم قال بأنّ المفهوم هو المدلول الالتزامي البيّن بالمعنى الأخصّ فقط، والحال أنّ الملازمة في الموارد المذكورة غير بيّن وليس بيّناً بالمعنى الأعمّ.
ثمّ في سبيل دفع الإشكال بأنّه كما أنّ إدراك وجوب المقدّمة بواسطة وجوب ذيها مستند إلى مقدّمة خارجيّة ـ أي إدراك ثبوت الملازمة بينهما بالعقل ـ فتبعيّة درك المفهوم في القضية الشرطيّة لدرك منطوقها أيضاً مستند إلى مقدّمة خارجيّة ـ أي ثبوت الملازمة بينهما ـ فقال: إنّ تبعيّة المفهوم للمنطوق في الجملة الشرطيّة وإن كان مستنداً إلى أن يكون الشرط علّة منحصرة للحكم، غير أنّ هذا مدلول لنفس الجملة الشرطيّة الدالّة عليه وضعاً أو إطلاقاً، وعليه فدرك المفهوم لا يحتاج إلی مقدّمة خارجيّة، خلافاً لموارد المثال التي نحتاج فيها لدرك وجوب المقدّمة أو حرمة الضدّ الخاص إلى مقدّمة خارجيّة ـ أي حكم العقل بثبوت الملازمة ـ علاوة على مدلول الجملة في مثل صيغة الأمر وأمثالها.[2]
غير أنّه قال في نهاية كلامه: «ثمّ إنّ لزوم المفهوم للمنطوق هل هو من اللزوم البيّن بالمعنى الأخصّ أو من اللزوم البيّن بالمعنى الأعمّ؟
الظاهر هو الأوّل، والسبب في ذلك هو أنّ اللازم إذا كان بيّناً بالمعنى الأعمّ، قد يغفل المتكلّم عن إرادته كما أنّ المخاطب قد يغفل عنه، نظراً إلى أنّ الذهن لا ينتقل إليه من مجرّد تصوّر ملزومه ولحاظه في أُفق النفس، بل لابدّ من تصوّره وتصوّر اللازم والنسبة بينهما، ومن الطبيعي أنّ اللازم بهذا المعنى لاينطبق على المفهوم، لوضوح أنّ معنى كون القضيّة الشرطيّة أو ما شاكلها ذات مفهوم هو أنّها تدلّ على كون الشرط أو نحوه علّةً منحصرةً للحكم، ومن الطبيعي أنّ مجرّد تصوّرها يوجب الانتقال إلى لازمها وهو الانتفاء عند الانتفاء من دون حاجة إلى تصوّر أيّ شيء آخر، وهذا معنى اللزوم البيّن بالمعنى الأخصّ.»[3]
والظاهر من دعواه الأخيرة ـ بالنظر إلى ما ذكره في بداية كلامه ـ أنّ المفهوم والمنطوق وإن أمكن الملازمة بينهما بنحو بيّن بالمعنى الأعمّ والأخص، غير أنّ المفهوم الذي يمكن أخذه والذي يعدّ حجّة هو الذي تكون بينه وبين المنطوق ملازمة بيّنة بالمعنى الأخصّ.
ولكن يُعلم ـ بناءً على ما تقدّم ـ بأنّ الفرق بين المفهوم والمنطوق ليس في كون الملازمة بين المعنى المطابقي والالتزامي بيّنة أو غير بيّنة، أو كونها بيّنة بالمعنى الأعمّ أو بالمعنى الأخصّ، وإنّما يكمن الفرق في أنّ المعنى في المنطوق مستفاد من اللفظ نفسه مع لحاظ جميع الحيثيّات التقييديّة المأخوذة في القضيّة، سواء كان المعنى مدلولاً مطابقيّاً للفظ أو مدلولاً تضمّنياً أو مدلولا التزاميّاً له، بينما المعنى في المفهوم مستفاد من التغيير في الحيثيات التقييديّة للفظ من خلال حذف القيود الموجودة في القضية أو إضافتها، وعليه وإن صحّ القول بأنّ المفهوم من سنخ الملازمات إلّا أنّ هذه الملازمة ليست بين القيد الموجود والمعنى ـ وهو المدلول الالتزامي للفظ ـ بل بين الفظ الذي تمّ تغيير قيوده ـ بالحذف أو الإضافة ـ والمعنى المفهومي.
ويؤيّده أنّ المفهوم مستفاد من المركّبات لا المفردات، بينما لو كان المراد من المفهوم هو المدلول الالتزاميّ للفظ، لوجب القول بوجود المفهوم في المفردات أيضاً.
وسنتابع البحث ونقد مقالة السيّد الخوئي في الجلسة القادمة إن شاء الله.