« قائمة الدروس
بحث الأصول الأستاذ سیدعلي الموسوي‌اردبیلي

46/04/22

بسم الله الرحمن الرحیم

 اشکال المحقق الإصفهاني علی تفصيل المحقق الخراساني/ اقتضاء النهي لفساد العمل المنهيّ عنه /النواهی

الموضوع: النواهی / اقتضاء النهي لفساد العمل المنهيّ عنه / اشکال المحقق الإصفهاني علی تفصيل المحقق الخراساني

 

ذكرنا في الجلسة السابقة ما عرضه المحقّق الخراساني من التفصيل في دعوى اقتضاء النهي لصحّة المنهيّ عنه.

غير أنّ المحقّق الإصفهاني أشكل على تفصيل المحقّق الخراساني في المعاملات وقال: إنّ أمر المسبّب لا يدور مدار الصحّة والفساد وإنّما يدور مدار الوجود والعدم، وعليه فالنهي عن إيجاد الملكيّة وإن دلّ عقلاً على المقدوريّة وإمكان تحقّقها بحقيقتها ولكنّه لا يدلّ على صحّتها، إذ لا معنى للصحّة فيها. كما أنّ النهي عن السبب وإن دلّ على مقدوريّته ولكنّه لا يلازم نفوذه عقلاً، وعليه فإنّ دعوى أبي حنيفة ساقطة عن الاعتبار على كلّ حال.

كما أنّه أشكل على التفصيل الذي قال به المحقّق الخراساني في العبادات وقال: العبادة سواء كانت من الأُمور الذاتيّة العباديّة أم من الأُمور التي إذا تعلّق بها الأمر فإنّ سقوطه يحتاج إلى قصد القربة، فبما أنّ تأثيره في التقرّب ليس من لوازم وجوده ـ لعدم معقوليّة تقارن المقرّبية والمبغوضيّة ـ فلا يمكن أن نستكشف بواسطة النهي صحّتها في صورة إمكان تعلّق الأمر بها، بل في القسم الثاني من العبادات أصل تعلّق النهي بها ممتنع إلّا في صورة إمكان اجتماع الأمر والنهي في شيء واحد تحت عنوان واحد. وعليه فإنّها من حيث المقدوريّة كالعبادات من القسم الأوّل، كما أنّ القسم الأوّل من العبادات مثل القسم الثاني منها من حيث إنّ المقرّبيّة ليست من لوازم وجودها. إذن لا وجه لما يستفاد من ظاهر كلام المحقّق الخراساني من أنّ هذين القسمين من العبادات تختلف عن بعضها من حيث المقدوريّة.[1]

أقول: إنّ الذي ذكره المحقّق الخراساني بالنسبة إلى ما يکون عباديّته ذاتيّة مبنيّ في الواقع على ما تقدّم منه سابقاً من أنّه لا مانع من أن يكون الفعل عبادة في ذاته وتكون فيه مفسدة في نفس الوقت، وعليه فلا علاقة لصحّته بتعلّق الأمر والنهي به، غير أنّه تقدّم إشكال هذه الدعوى.

والإشكال الذي أورده المحقّق الإصفهاني على كلامه مبنيّ على ما سبق منه من أنّ ذاتيّة القسم الأوّل من العبادات يعني أنّ هذه العبادة لو خلّيت ونفسها فمن الممكن أن تكون عبادة، ولكن بعد تعلّق النهي بها يُعلم أنّ انطباق العنوان المبغوض عند الشارع عليها أدّى إلى عدم عباديّتها بالفعل، ولذلك فبما أنّ إمكان التقرّب بها ليس من ذاتيّاتها ـ بمعنى أنّ التقرّب به ممكن في صورة تعلّق النهي به أيضاً ـ فلا فرق بينها وبين القسم الثاني من العبادات، والنتيجة التي توصّل إليها وإن أمكن الالتزام بها غير أنّ أصل استدلاله مشكل تقدّم بيانه فيما سبق.

ولكن بالنسبة إلى الإشكال الذي أورده المحقّق الإصفهاني في النهي عن المسبّب في المعاملات على المحقّق الخراساني، فيمكن دفعه بأنّ أمر المسبّب وإن دار مدار الوجود والعدم لا الصحّة والفساد، غير أنّ المحقّق الخراساني لم يدّع أنّ النهي عن المسبّب يقتضي صحّته حتّى يشكل عليه بأنّه لا معنى لصحّة المسبّب، وإنّما ادّعى أنّ النهي عن المسبّب يقتضي صحّة المعاملة، ولا تعني صحّة المعاملة إلّا تحقّق المسبّب.

ولذلك فإنّ المحقّق النائيني بعد أن بيّن دوران أمر المسبّب بين الوجود والعدم لا الصحّة والفساد، قال في الإشکال علی المحقّق الخراساني: إنّ النهي المتعلّق بالمسبّب إذا تعلّق بشيء يعدّه الشارع مسبّباً، ففي هذه الصورة فإنّ دعوى اقتضاء النهي عن المسبّب لصحّة المعاملة وجيهة، ولكنّ النهي في الأدلّة لم يتعلّق بمثل هذه المسبّبات، بل هو إنّما تعلّق بالمسبّبات العرفيّة التي قد تجتمع مع إمضاء الشارع وكذا مع عدمه. وعليه فإنّ النهي عن المسبّب غاية ما يعنيه أنّ الشارع حجر المكلّف عن ذلك المسبّب العرفيّ المقدور للمكلّف قبل النهي وبعده ممّا يستلزم فساد المعاملة، وفرق واضح بين أن لا يُقدر على إيجاد ملكيّة عرفيّة وبين أن لا تكون تلك الملكيّة ممضاة من الشارع.[2]

والحقّ ما ذهب إليه المحقّق النائيني، إذ كما أنّ المأخوذ موضوعاً في أدلّة المعاملات الإمضائيّة هو المعاملة بمفهومها العرفيّ ـ كما في قوله تعالى ﴿أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ[3] حيث إنّ موضوع الحلّيّة هو البيع بمفهومه العرفيّ لا أن تكون للبيع حقيقة شرعيّة أو متشرّعية ـ فالمأخوذ في أدلّة النواهي أيضاً هي المعاملة بمفهومها العرفيّ. وعليه فعندما يرد في الدليل نهي عن معاملة ما، فإنّه يعني أنّ الشارع ينهى عن مفهومها العرفيّ الذي لا يلازم ترتّب الأثر الشرعيّ عليها، لأنّ المكلّف قادر على مصداق المعاملات العرفيّة ولو لم يمضه الشارع.

وعليه فإنّ الذي يمكن الالتزام به في نهاية الكلام هو أنّ النهي عن العبادات والمعاملات لا يقتضي صحّتها، ولكن إذا كان مراد المدّعين لدلالة النهي على الصحّة أنّ النهي دالّ على صحّة المنهيّ عنه قبل تعلّق النهي به، فهو ممّا يمكن الالتزام به كما تقدّم سابقاً، بمعنى أنّ المنهيّ عنه قبل تحقّق النهي مشمول بالإطلاقات أو العمومات المقتضية لصحّته، وإلّا لم يكن وجه لورود المنع من إتيانه من دون أن يوجد مقتضٍ لصحّة المنهيّ عنه.


logo