46/04/18
بسم الله الرحمن الرحیم
الاشکال علی مدعی المحقق الاصفهاني - اقتضاء النهي لصحّة العمل/ اقتضاء النهي لفساد العمل المنهيّ عنه /النواهی
الموضوع: النواهی / اقتضاء النهي لفساد العمل المنهيّ عنه / الاشکال علی مدعی المحقق الاصفهاني - اقتضاء النهي لصحّة العمل
الإشكال الآخر الوارد على مقالة المحقّق الإصفهاني هو بطلان دعواه بالنسبة إلى الرواية الثانية ـ من أنّ الرواية تريد بيان أنّ العبد لم يأت بما لم ينفّذه الشارع بل أتى بما لم ينفّذه المولى ـ لأنّ الذي لا ينفّذه المولى لا ينفّذه الشارع أيضاً. كما يمكن الإشكال على دعواه من أنّ السؤال عن الحرمة التكليفيّة بعد الحكم بالنفوذ يشير إلى عدم وجود ملازمة عرفيّة بين الحرمة وبين عدم النفوذ كما لا ملازمة بينهما عقلاً، وذلك أوّلاً: لأنّا قلنا أنّ السؤال عن النفوذ بعد عدم العصيان لا العكس، وثانياً: السؤال عن الملازمة يعني أنّ وجود هذه الملازمة مرتكز في أذهان العرف، وإلّا لم يكن وجه للسؤال عنها، كما أنّه إذا انتفت الملازمة العقليّة بين شيئين لم يكن وجه للسؤال عن وجودها، وقد يشير إلى ذلك الأمر بالتأمّل في نهاية كلامه.
ثمّ إنّ السيّد الخميني يقول بأنّ اشتمال الروايات على أنّ النكاح المذكور معصية للمولى لا الشارع وجهُه أنّ العمل الواحد من حيث إنّه مصداق للعمل الذي جوّزه الشارع ـ أي النكاح ـ مباح وحلال ولا يؤدّي إلى معصية الشارع، ومن حيث كونه مصداقاً لمخالفة المولى حرام، وحرمته من الجهة الثانية لا تسبّب حرمته من الجهة الأُولى كما تقدّم تفصيله في مبحث اجتماع الأمر والنهي.[1] والحاصل من هذا التوجيه أنّ العصيان في كلتا الفقرتين من الرواية بمعنی العصيان التكليفي.
غير أنّ هذا التوجيه فضلاً عن عدم تناسبه مع ظاهر الأخبار ـ إذ ينبغي القول بناءً على هذا التوجيه بأنّ النكاح معصية من جهة وليس بمعصية من جهة أُخرى، لا أن يتحقّق به عصيان المولى دون عصيان الشارع ـ مشكل من حيث إنّ إذن المولى شرط في صحّة نكاح العبد، فلا يمكن اعتبار عمل العبد الواقع دون إذن مولاه مصداقاً للعمل المحلّل من قبل الشارع، لأنّ متعلّق التحليل الشرعيّ هو النكاح الواجد للأثر شرعاً.
اللهمّ إلّا أن يقال: إنّ مراده من التجويز والتحليل هو عدم الحكم بالحرمة، وبما أنّ الحرمة التكليفيّة للنكاح الفاقد لإذن المولى على العبد لم ترد في الروايات، فيمكن القول بأنّ النكاح المذكور كما أنّه مصداق للنكاح من دون إذن المولى الذي لا دليل على حرمته فهو مصداق لمخالفة المولى أيضاً المحرّمة في الأدلّة.
ولم يتطرّق السيّد الخميني إلى نكتة أنّه هل يقول بناءً على هذا التوجيه بوجود مفهوم في الرواية أو لا؟ بمعنى أنّ مفهوم الرواية في هذه الصورة هل هو أنّ الفعل إذا كان مصداقاً لمعاملة حرّمها الشارع حُكم بفساده؟
وفي الختام فلا يبعد أن يقال: إنّ الروايات المذكورة تدلّ على فساد المعاملة المنهيّ عنها بالنهي المولويّ الشرعي، إمّا بحسب تقرير الميرزا النائيني وإمّا بحسب تقرير السيّد الخميني لها.
تتمّة: اقتضاء النهي لصحّة العمل
نُقل عن بعض العامّة ـ مثل أبا حنيفة والشيباني ـ أنّهما قالا باقتضاء النهي لصحّة العمل المنهيّ عنه، وتشمل دعواهم النهي عن العبادات وكذا المعاملات. ومن علماء الخاصّة فالظاهر من العلّامة في «النهاية» أنّه توقّف في المسألة[2] ، وقد ذهب فخر المحقّقين إلى دلالة النهي على صحّة المنهيّ عنه[3] .
وقرّر أبوحامد الغزالي هذه الدعوى كما يلي: «قال أبو زيد عن محمّد بن الحسن وأبي حنيفة أنّه يدلّ على الصحّة وأنّه يستدلّ بالنهي عن صوم يوم النحر على انعقاده، فإنّه لو استحال انعقاده لما نهي عنه، فإنّ المحال لا ينهى عنه كما لا يؤمر به، فلا يقال للأعمى: «لا تبصر» كما لا يقال له: «أبصر»، فزعموا أنّ النهي عن الزنا يدلّ على انعقاده.»[4]
فالمستفاد من هذه الكلمات أنّ المراد من دلالة النهي على صحّة المنهيّ عنه هو أنّ النهي يدلّ على أنّ المنهيّ عنه صحيح قبل تعلّق النهي به، لأنّ هذا المعنى هو الذي يناسب استحالة تعلّق النهي بما يستحيل انعقاده، ولكن لا يستفاد منه أنّ النهي دالّ على صحّة المنهيّ عنه حتّى بعد ورود النهي.
وقد ذكر الشيخ استدلالاً على هذه الدعوى، ثمّ أشكل عليها ممّا سنذكر تفصيله في الجلسة القادمة إن شاء الله.