46/04/05
بسم الله الرحمن الرحیم
الملازمة العرفيّة بين النهي عن المعاملة والتعجيز الشرعيّ عنها/ اقتضاء النهي لفساد العمل المنهيّ عنه /النواهی
الموضوع: النواهی / اقتضاء النهي لفساد العمل المنهيّ عنه / الملازمة العرفيّة بين النهي عن المعاملة والتعجيز الشرعيّ عنها
بيّنّا في الجلسة السابقة دعوى السيّد الخميني من أنّ العرف يحمل النواهي المتعلّقة بالعبادات على الإرشاد إلى فساد العبادة.
ولكن يجاب عن هذه الدعوى بأنّا لو سلّمنا بها في خصوص النهي عن الأجزاء والشروط ـ حيث تقدّم تفصيل الإشكال على المدّعى في خصوصهما أيضاً ـ فهي ممّا لا يمكن الالتزام به في النهي عن ذات العبادة، إذ النهي حينئذٍ يدلّ على عدم شمول الإطلاقات والعمومات على الفرد المنهيّ عنه وعدم توجّه تكليف إلى المكلّف بالنسبة إلى إتيانها، لا الإرشاد إلى أنّه بالرغم من وجود الأمر فإنّ إتيان العمل المنهيّ عنه لا يسبّب سقوطه.
فإن قيل: هذا إنّما يصحّ في النهي عن عبادات كصلاة الحائض، ولكن يمكن في مثل النهي عن صيام العيدين أن يدّعى بأنّه على الرغم من الأمر بالصوم المستحبّ، ولكن إتيان الصوم في هذين اليومين لا يسبّب سقوط الأمر.
فالجواب: أنّ الأمر بالصوم المستحبّ بما أنّه ينحلّ بعدد الأيّام ـ ولذلك فإنّ إتيان الصوم المستحبّ في كلّ يوم يعدّ امتثالاً ـ فعندما يُنهى عن صوم العيدين، فهو يدلّ على عدم توجّه أمر بالصوم المستحبّ إلى المكلّف في هذين اليومين، لا أن يرشد النهي إلى عدم سقوط الأمر على الرغم من توجّهه.
فعُلم بذلك صحّة دعوى اقتضاء النهي لفساد العبادة، والوجه فيه عدم إمكان التقرّب بالمبعّد أو فقدان ملاك عبادي في العمل المنهي عنه. ولكن ينبغي التدقيق في أنّ المراد من الاقتضاء في المقام هو الاستلزام الذي تقدّم توضيحه في مسألة الضدّ.
من الصحيح ما مرّ في الجلسة السابقة من دعوی المحقّق الإصفهاني من نفي الملازمة العقليّة بين مبغوضيّة التسبّب وعدم جعل المسبّب، وأنّ مجرّد كون الشيء مبغوضاً لا يسبّب عقلاً أن يؤخذ عدمه شرطاً لصحّة العقد.
وبعبارة أُخرى: فإنّ الفعل الصادر من الشارع إمّا إمضاء وإمّا تأسيس لطبيعة المعاملات، والفعل الصادر من المكلّف هو إيجاد فرد من أفراد تلك الطبيعة بالإنشاء، ولا مانع عقلاً من أن يكون للإمضاء أو التأسيس المذكور من قبل الشارع مصلحة بينما يكون لإيجاد المكلّف فرداً من أفراد تلك الطبيعة بالإنشاء مفسدة، كما يمكن ملاحظة مثل هذه الموارد في التكوينيّات التي أمرها أشدّ من الاعتباريّات؛ فمثلاً السببيّة التكوينيّة للسحر مجعولة من قبل الله تعالى غير أنّ إيجاد المكلّف لأيّ مصداق من مصاديقه يعدّ ذا مفسدة ويكون مبغوضاً.
غير أنّه من غير الصحيح ما ذكره من وجود ملازمة عقليّة بين مبغوضيّة المسبّب وبين عدم جعله، إذ المفروض أنّ المفسدة للمعتبَر لا للاعتبار نفسه حتّى يقال: إنّه لا يصدر من الشارع الاعتبار في فرض وجود مفسدة فيه، ولا يستبعد عقلاً أن يكون المعتبَر ذا مفسدة مع أنّ الاعتبار نفسه ذا مصلحة في نفس الوقت.
الدليل الثاني: الملازمة العرفيّة بين النهي عن المعاملة والتعجيز الشرعيّ عنها
قال المحقّق النائينيّ في استدلاله على فساد المعاملة بالنهي عن المسبّب: إنّ صحّة المعاملة تتوقّف على أُمور ثلاثة:
1 ـ أن يملك كلّ من المتعاملين العين أو ما بحكمه حتّى يكون نقله تحت اختياره ولا يكون أجنبيّاً عنه.
2 ـ أن لا يكون المتعاملان محجورين عن التصرّف في العين لتعلّق حقّ الغير بها أو لغير ذلك من أسباب الحجر حتّى يكون لهما سلطة فعليّة على التصرّف فيها.
3 ـ أن توجد المعاملة بسبب وآلة معيّنة.
ولكن عندما يتعلّق النهي بالمسبّب نفسه ـ كالملكيّة الناشئة عن البيع ـ فهذا النهي يوجب تعجيزاً مولويّاً للمكلّف عن الفعل ويرفع سلطته، فينتفي الشرط الثاني من الشروط المذكورة بذلك، فتفسد المعاملة.[1]
غير أنّ المحقّق العراقي قال في ردّ هذه الدعوى: «توهّم منافاة حرمة المعاملة ومبغوضيّتها مع الجعل تأسيساً أو إمضاءً لما بيد العرف، فمدفوع بمنع التنافي بينهما، من جهة إمكان أن تكون المعاملة ممضاةً ومؤثّرة في النقل والانتقال علی تقدير تحقّقها ومع ذلك كانت محرّمة.
وحينئذٍ فلا يستلزم مجرّد تخصيص الجواز التكليفي أو تقييده، تخصيص دليل الجواز الوضعي المثبت لصحّة المعاملة ولو كانا ثابتين بدليل واحد، كما لو قلنا بأنّ مثل عموم «الناس مسلّطون» مثبت للجواز الوضعي والتكليفي، حيث إنّه بدليل النهي يخصّص عمومه من جهة الجواز التكليفي دونه من جهة الجواز الوضعي أيضاً كما هو واضح.
نعم، لو كان قضيّة النهي هو مبغوضيّة المعاملة بشراشر وجودها حتّى بالقياس إلى حدودها الراجعة إلى الجعل والإمضاء، لكان لدعوى التنافي المزبور كمال مجال، ولكن من الواضح عدم قابليّة مثل هذا المعنى لتعلّق النهي المولوي به، فإنّ المعاملة بهذا المعنى خارج عن تحت قدرة المكلّف فعلاً وتركاً، فلا يمكن حينئذٍ تعلّق النهي المولوي بها، بل وإنّما القابل لتعلّق النهي به إنّما هو التوصّل إلى وجود المعاملة من ناحية سببه في ظرف تحقّق أصل الجعل من الشارع، لأنّه هو الذي يكون تحت قدرته واختياره فعلاً وتركاً، ومعلوم حينئذٍ أنّ مبغوضيّة المعاملة من تلك الجهة غير منافية مع إرادة الجعل والإمضاء، من جهة إمكان أن تكون المعاملة مبغوضة ومحرّمة إيجادها من المكلّف ومع ذلك كانت صحيحة ومؤثّرة فيما هو الأثر المقصود منها، وهو النقل والانتقال.»[2]
وقد أورد السيّد الخوئي أيضاً إشكالات على دعوى المحقّق النائيني ممّا سنطرحه في الجلسة القادمة إن شاء الله.