« قائمة الدروس
بحث الأصول الأستاذ سیدعلي الموسوي‌اردبیلي

46/03/18

بسم الله الرحمن الرحیم

 النهي عن العبادات/ اقتضاء النهي لفساد العمل المنهيّ عنه /النواهی

الموضوع: النواهی / اقتضاء النهي لفساد العمل المنهيّ عنه / النهي عن العبادات

 

النهي عن العبادات

قال المحقّق الخراساني في اقتضاء النهي لفساد العبادة: إذا تعلّق النهي بالعبادة، فبما أنّه يدلّ على حرمتها الذاتيّة فهو يسبّب فسادها، لوضوح أنّ صحّة العمل بمعنى موافقته للأمر أو الشريعة لا تلائم حرمته، وكذا الصحّة بمعنى سقوط الإعادة، لأنّ الصحّة بهذا المعنى مترتّبة على إتيان العمل بقصد القربة ممّا يتوقّف على أن يكون العمل من الأُمور التي يمكن التقرّب بها، وفي صورة حرمة العمل فلا يصلح العمل لذلك، کما أنّ الملتفت إلى حرمة العمل أيضاً لا يستطيع أن يقصد القربة به.

لا يقال: إنّما تتمّ هذه الدعوى فيما إذا دلّ النهي على حرمة العمل الذاتيّة والحال أنّ العبادة لا يمکن أن تکون محرّمة ذاتاً، إذ لا حرمة لها من دون قصد القربة، ولا يمكن إتيانها بقصد القربة إلّا إذا قصد التشريع بها، وحيث تكون في هذه الصورة ذات حرمة تشريعيّة فلا يمكن اتّصافها بحرمة أُخرى، لأنّ المثلين يمتنع اجتماعهما کالضدّين.

لأنّ الجواب: أنّه يمكن الالتزام بالحرمة الذاتيّة لما إذا تعلّق الأمر به كان هذا الأمر عباديّاً، مثل صوم العيدين الذي يکون عبادة منهيّاً عنها، بمعنى أنّه لو وجد أمر به لكان قصد القربة معتبراً في سقوط هذا الأمر كغيره من أنواع الصوم.

إلّا أنّ هذا إنّما يكون فيما إذا لم يعتبر الفعل المنهيّ عنه عبادة في حدّ ذاته ـ مثل السجود لله تعالی ـ وإلّا فهو ذو حرمة ذاتيّة بالرغم من كونه عبادة ـ مثل نهي الجنب والحائض عن السجود لله تعالى ـ لأنّها تكون في هذه الصورة ذات مفسدة ومبغوضيّة، ومع ذلك فلا منع من أن يتعلّق به نهي تشريعيّ أيضاً بتوجيه أنّ متعلّق الحرمة التشريعيّة ليس الفعل حقيقة وإنّما الحکم تعلّقت بشيء من أفعال القلب، كما في التجرّي والإنقياد.

على أنّه ولو لم يدلّ النهي على الحرمة الذاتيّة فسيدلّ على فساد العمل، لأنّه في هذه الصورة يدلّ على الحرمة التشريعيّة، فلا أقلّ من أنّه يدلّ على عدم كون العمل مأموراً به وإن شمله إطلاق دليل الأمر أو عمومه.

نعم، لو كان النهي عن العبادة عَرَضيّاً ـ مثل أن يتعلّق بها من حيث النهي عن ضدّ الواجب بناءً على أن لا نرى الأمر بالشيء مقتضياً لشيء سوی النهي عن ضدّه بنحو عرضيّ ـ فلن يقتضي فسادها.[1]

أقول: إنّه ـ كما مرّ في كلمات المحقّق الخراساني وسبق نظيره منّا أيضاً ـ ليس المراد من تعلّق النهي بالعبادة أن يتعلّق النهي بعمل حين کونه متعلّقاً لأمر عباديّ أيضاً، لوضوح أنّ العمل الواحد لا يعقل أن يكون متعلّقاً للأمر والنهي معاً، وإنّما يراد به أنّه إذا تعلّق النهي بعمل يشمله إطلاق الأمر المتعلّق بالعبادة أو عمومه، فهل يسبّب هذا النهي تقييد دليل العبادة أو تخصيصه به وبالنتيجة لا يمكن إتيان المنهيّ عنه بنحو عباديّ، أم أنّ النهي لا يقتضي ذلك وإتيان العمل بداعٍ قربيّ ممكن حتّى بعد تعلّق النهي به؟

والجواب عن هذا السؤال ـ كما ذكره المحقّق الخراساني ـ هو أنّ تعلّق النهي بالعمل كاشف عن وجود مفسدة فيه ومبغوضيّته لدى المولى، ومن المعلوم أنّ العمل ذو المفسدة المبغوض للمولى، لا يصلح للتقرّب به إليه، فلا يمكن التعبّد بمثل هذا العمل.

فإن قلت: يمكن تصحيح إتيان العمل المنهيّ عنه بقصد القربة تمسّكاً بالملاك وإن لم يتعلّق به الأمر لامتناع اجتماع الضدّين.

فالجواب ـ كما ذكره المحقّق النائيني[2] ـ أنّ التمسّك بالملاك إنّما يصحّح العمل العبادي فيما إذا لم يتعلّق نهي بالعمل وكان عدم تعلّق أمر فعليّ بالعمل ناتجاً عن وجود مانع أهمّ فقط ـ مثل موارد التزاحم ـ وإلّا ففي فرض تعلّق النهي بعمل، يکون ذلک كاشفاً عن وجود مفسدة غالبة فيه ممّا لا يتلائم مع فرض وجود مصلحة غالبة فيه يمکن تصحيح التعبّد بالعمل تمسّکاً بها.

وسنتابع البحث في الجلسة القادمة إن شاء الله.


logo