< قائمة الدروس

بحث الأصول الأستاذ سیدعلي الموسوي‌اردبیلي

45/10/15

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: النواهی / اقتضاء النهي لفساد العمل المنهيّ عنه / شمول البحث للنهي الإرشاديّ في العبادات

 

تقدّم في الجلسة السابقة أنّ البحث في اقتضاء النهي لفساد المنهيّ عنه لا يشمل النهي الغيريّ.

أمّا دعوى الميرزا القمّي من أنّ القائلين بوجوب المقدّمة الشرعيّ يعتبرون وجوبها أصليّاً لا تبعيّاً ومؤيّده أنّهم قالوا بأنّ العمل العباديّ الذي يكون تركه مقدّمة للواجب يستحيل إتيانه بنحو صحيح لأنّ فعله متعلّق للنهي وهذا كاشف عن اعتبارهم النهي أصليّاً، لأنّ النهي التبعيّ لا يسبّب فساد العبادة[1] ، فإنّها دعوىً باطلة، لأنّا أسلفنا أنّ فساد العبادة لا ينشأ عن تعلّق النهي وإنّما عن عدم الأمر بها.

علماً بأنّه قال في موضع آخر: «طلب ترك الضّد إنما هو لأجل الوصول إليه، فلا يثبت بذلك عقاب على ترك الترك بمعنى فعل الضدّ، فلا يثبت فساد»[2] وهذه الدعوى صحيحة.

المطلب الخامس: شمول البحث للنهي الإرشاديّ في العبادات

ادّعى الشهيد الصدر بأنّ النزاع في اقتضاء النهي لفساد العبادات إنّما هو فيما إذا كان النهي مولويّاً، ولكن لا إشكال في موارد النهي الإرشاديّ في دلالة النهي على الفساد، لأنّ النهي الإرشادي إمّا أن يرشد إلى البطلان بنفسه وإمّا أن يرشد إلى عدم المطلوبيّة وعدم المطلوبيّة ناشئة عن عدم الملاك، ولا سبيل إلى صحّة العبادة مع عدم الملاك.[3]

ولكن لا يمكن الالتزام بهذه الدعوى، لأنّ النهي الإرشاديّ ليس دائراً مدار الإرشاد إلى البطلان أو عدم المطلوبيّة، بل ربّما كان إرشاداً إلى مبغوضيّةٍ دلّ دليل آخر على لزوم الانزجار عنها، ولذلك لا وجه لزجر المكلّف عنها بواسطة نهي شرعيّ ولا يكون النهي إلا إرشاداً إلى وجود ملاك المبغوضيّة من دون الزجر عنها. والبحث في اقتضاء النهي لفساد المنهيّ عنه ـ باعتبار نشأة النهي المولويّ عن وجود المفسدة وعدم دلالته على عدم الملاك في العبادة ـ إذا شمل النهي المولويّ، فلا مانع من شموله للنواهي الإرشاديّة أيضاً.

اللهمّ إلا أن يقال في الجواب على هذا الإشكال: إذا أرشد النهي الإرشاديّ إلى مبغوضيّةٍ دلّ سابقاً على لزوم الانزجار عنها دليل آخر، فالكلام يعود إلى اقتضاء النهي المولويّ لفساد المنهيّ عنه، ولن يجري الكلام بعدئذٍ في اقتضاء النهي الإرشاديّ للفساد.

ثمّ إنّه يقول بعد ذلك في خصوص أنّ أيّ النواهي في العبادات ينبغي حملها على النهي الإرشاديّ: إذا تعلّق النهي بعنوان ينطبق خارجاً على عبادة ـ كالنهي عن الغصب ـ فيُحمل في هذه الصورة على المولويّة، لأنّ القاعدة الأوليّة هي حمل النهي على استعماله بداعي الزجر وليس بداعي الإخبار.

ولكن إذا تعلّق النهي بذات العبادة، ففي هذه الصورة إذا تعلّق بأصل العبادة لا بخصوصيّة من خصائصها ـ كالنهي عن صيام عاشوراء ـ فبما أنّ هذا النهي صدر في مورد توهّم الأمر، فيُحمل على الإرشاد إلى عدم الأمر.

وإذا فُرض إجمال النهي وعدم ظهوره في الإرشاد أيضاً، فنستكشف منه ـ بناءً على امتناع اجتماع الأمر والنهي ـ عدم وجود الأمر، لأنّ النهي إذا كان إرشاداً إلى عدم الأمر، ثبت المطلوب وإذا كان للتحريم فلا يمكن اجتماعه مع الأمر.

وأمّا إذا تعلّق النهي بخصوصيّة من خصائص العبادة مثل جزئها أو شرطها وكانت الخصوصيّة من الخصائص التي يظنّ كونها جزء العبادة أو شرطها لولا النهي ـ مثل تعلّق النهي بقراءة فاتحة الكتاب في صلاة الميّت ونحن نعلم أن لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب ـ فالنهي أيضاً غير ظاهر في التحريم، لأنّ النهي يكون في مورد توهّم الأمر، فلا يدلّ على البطلان، بل غاية ما يدلّ عليه هذا النهي هو عدم جزئيّة المنهيّ عنه أو شرطيّته للعبادة، أو غاية الأمر أن يقال بأنّ النهي مجمل ومردّد بين الإرشاديّ والتحريميّ فيكون كالصورة السابقة.

وإذا تعلّق النهي بخصوصيّة لا يحتمل ثبوت الأمر بها ـ مثل النهي عن السورة الثانية في الصلاة ـ فالنهي في هذه الصورة وإن لم يكن في مقام توهّم الأمر ولكن يُحمل مع ذلك على الإرشاد إلى المانعيّة، لأنّ الأوامر والنواهي إذا تعلّقت بخصائص المركّب، فهي ظاهرة في الإرشاد إلى الشرطيّة والجزئيّة والمانعيّة، فإذن الأمر بإتيان السورة في الصلاة ظاهر في جزئيّة السورة، والنهي عن تكرار السورة ظاهر في الإرشاد إلى مانعيّة التكرار من صحّة الصلاة.[4]

وسيأتي في الجلسة القادمة إن شاء الله ما يرد على مقالته من إشكال.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo