< قائمة الدروس

بحث الأصول الأستاذ سیدعلي الموسوي‌اردبیلي

45/07/23

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: النواهي / إجتماع الأمر و النهي / إشکال علی المدعی السيّد الروحاني (ره)

 

يتّضح بما تقدّم في الإشكال على مدّعى الشيخ وجه الإشكال في دعوى السيّد الروحاني، فقد قال: «إنّ الخروج المضطرّ إليه وإن كان مبغوضاً في نفسه ـ للجزم بعدم اختلافه عن سائر أفراد الغصب ـ إلا أنّه حيث تتزاحم المبغوضيّتان ـ وهما مبغوضيّة الخروج ومبغوضيّة الغصب الزائد ـ فالمولى يحكم بتقديم مبغوضيّة الغصب الزائد وترتفع مبغوضيّة الخروج، والمراد بالمبغوضيّة المرتفعة المبغوضيّة التي تكون مورد الأثر من مبعّديّة وعقاب ولوم وعتاب ـ وهي محلّ الكلام ـ لا المبغوضيّة الطبعيّة، فإنّها موجودة في جميع موارد التزاحم.

وهذا أمر وجداني لا يختلف فيه اثنان، فإنّ من يرى نفسه مضطرّاً إلى قطع يده لحفظ حياته، يكره قطع يده لكن لا يعاقب من يباشر القطع، ولا يختلف في ذلك ما إذا كان الاضطرار قهريّاً أو كان اختياريّاً.

نعم، في صورة الاضطرار الاختياري تتعلّق المبغوضيّة العمليّة بتحريم المولى وجعله مضطرّاً إلى ما هو مبغوض لديه ذاتاً، فإنّ من فعل فعلاً استلزم توقّف حياة الغير على قطع يده، فإنّه لا يتوقّف المضطرّ في قطع يده ويأمر الطبيب بذلك، لكنّه يعاقبه أو يلومه على تحريمه وجعله مضطرّاً إلى ذلك لا على نفس قطع يده.»‌[1]

ويشكل هذه الدعوى أنّ الذي يقع في الاضطرار إلى فعل حرام أو ترك واجب بسوء اختياره يعتبره العقل بحکم المختار وإن لم يكن مختاراً في الواقع، ومعلوم أنّ سبب ارتفاع العقاب والمبعّديّة وغيرها على الرغم من مبغوضيّة الفعل بطبيعة هو عدم اختيار المكلّف، فإذن عندما يحكم العقل بتساوي المضطرّ بسوء الاختيار مع المختار حکماً فلا وجه لسقوط العقاب.

والأمثلة التي ذكرها إثباتاً لدعواه خارجة عن محلّ الكلام، لأنّ مباشر القطع فی المثال الأوّل ليس سبباً لحصول الاضطرار حتّى يستحقّ اللوم، كما أنّ المضطرّ إلى قطع اليد في المثال الثاني هو غير من حدث الاضطرار بسوء اختيار منه.

فالصحيح في التمثيل لذلك أن يكون بنحو يضطرّ فيه الشخص إلى ارتكاب الحرام أو ترك الواجب والاضطرار فيه بسوء اختياره، كما لو أضرّ بنفسه أو أحدث مانعاً آخر لا يمكن رفعه حتّى لا يتمكّن من الحجّ على الرغم من الاستطاعة الماليّة حيث يستقرّ عليه الحجّ من غير شكّ.

أمّا المحقّق العراقي فقد قال في توجيه كلام الشيخ: «بعد أن كان للغصب نحوان من الترك، أحدهما: الترك بترك الدخول فيه،‌ وثانيهما: تركه من غير جهة ترك الدخول ـ كالطيران في السماء في ظرف الدخول ـ وكان الثاني ممّا اضطرّ إليه من الأزل في علم الباري عزّ اسمه، فقهراً ما هو المنهيّ عنه لا يكون إلا ذاك النحو من الترك الاختياري، وإلا فالترك الآخر من جهة اضطراره إليه أزلاً لا يكون منهيّاً عنه أصلاً.

وحينئذٍ فإذا دخل الغصب بسوء اختياره، فقد سقط نهيه المنجّز عليه بالعصيان وبدخوله فيه صار مستحقّاً للعقاب، وأمّا بعد دخوله فيه لا يكون له تكليف بترك الغصب من الأزل، لاضطراره إليه، فإذا لم يكن مكلّفاً بترك الغصب حينئذٍ من غير جهة ترك الدخول، فلا يكون صدوره عنه مبعّداً أيضاً.»[2]

فهو يريد بذلك أنّ ترك الغصب لا يتحقّق بالخروج من المكان المغصوب، لأنّ الخروج بنفسه تصرّف في مال الغير، فالأمر بترك الغصب إمّا أن يكون أمراً بترك مقدّمته ـ أي الدخول في المكان المغصوب ـ وإمّا أمراً بخروجٍ لا يتضمّن تصرّفاً في المكان المغصوب، بينما يستحيل الفرض الثاني ولا يمكن تعلّق الأمر به، كما قد عُصي الفرض الأوّل بعد الدخول في المكان المغصوب وسقط الأمر به، فلا يكون ترك الغصب بعد الدخول إلى المكان المغصوب مأموراً به، والحاصل أنّ الغصب المتحقّق بالخروج من المكان المغصوب لا يمكن أن يكون منهيّاً عنه، لأنّ ترك الغصب ضدّ عامّ للغصب، وإذا لم يجب الضدّ العامّ للشيء، فلن يكون الشيء حراماً.

ولكن يشكل هذه الدعوى أنّه ليس في الأدلّة الشرعيّة ما يدلّ على وجوب ترك الغصب، وإنّما تدلّ الأدلّة على حرمة الغصب والحرمة فيها مذكورة بنحو مطلق، فاضطرار المكلّف أو اختياره ليس دخيلاً في مبغوضيّة الغصب لدى الشارع، وإنّ الذي يسبّب عدم ترتّب عقاب على مبغوضيّة الغصب هو عدم تنجّز تلك الحرمة في موارد الاضطرار المبنيّ على حكم العقل بعدم إمكان تنجّز التكليف لغير المختار. ولكن ـ كما تقدّم ـ فالموارد التي يحدث الاضطرار فيها بسوء الاختيار، فإنّ العقل يرى المضطرّ فيها بحكم المختار، فالمضطرّ بسوء اختياره وإن لم يمكن تنجّز الحكم عليه لعدم قدرته على الامتثال، غير أنّه يترتّب على عمله حكمُ عمل المختار من العقاب على عدم امتثال الأوامر والنواهي الشرعيّة.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo