< قائمة الدروس

بحث الأصول الأستاذ سیدعلي الموسوي‌اردبیلي

44/08/18

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: الواجب الکفائی / تعريف المسألة / إشکال المحقّق الاصفهانيّ والسيد الخوئيّ علی الدعوی

 

ذكرنا في الجلسة السابقة الاحتمال الذي طرحه المحقّق الاصفهانيّ كما ذكرنا الإشكال الذي أورده عليه.

وأضاف عليه السيد الخوئيّ إشكالاً آخر، وهو أنّه لو تمّت هذه الدعوى فلا يمكن الالتزام بها إلا إذا توجّه التكليف إلى صرف وجود مجموع الأفراد المكلّفين بحيث يصدق على قليلهم وكثيرهم، لا أن يتوجّه إلى مجموع الأفراد المتمكّنين من إتيان التكليف، لأنّ بعض الواجبات الكفائيّة بحيث لا يمكن صدورها من مجموع المكلّفين، فكيف يمكن توجيه التكليف إلى مجموعهم؟[1]

ولكن هذا الإشكال ليس له معنى محصّل، إذ المراد من صرف وجود مجموع المكلّفين إذا كان أكثر من واحد منهم، فلا وجه لهذه الدعوى أساساً، بل من الأفضل في الإشكال الاكتفاء بأنّ بعض الواجبات الكفائيّة لا يمكن الإتيان بها من قبل مجموع المكلّفين، فمثلاً لا يمكن امتثال تكليف الوالد الذي طلب من أولاده كأساً من الماء من قبل جميع الأولاد.

ثمّ قال المحقّق الاصفهانيّ في بيان كيفيّة تعلّق الوجوب بالواجبات الكفائيّة: «لمّا كان الغرض واحداً في ذاته ـ كدفن الميّت ـ أو وجوداً واحداً منه لزوميّاً ـ كالصلاة عليه القابلة للتعدّد دفعيّاً ـ وكان نسبة ذلك الغرض الواحد إلى كلّ من المكلّفين على السويّة، فتخصيص أحدهم المعيّن بتحصيله بلا مخصّص، وتخصيص المردّد محال في نفسه، والمجموع بما هو كذلك، فلا محالة يوجب على الجميع، ويجوز ترك كلّ منهم مع فعل الآخر، فإذا صلّوا عليه دفعة كان نسبة ذلك الغرض اللزومي بالإضافة إلى أفعالهم على السويّة، فيكون كلّ منهم مؤدّياً للواجب وممتثلاً، وإذا تركه الكلّ كان كلّ منهم تاركاً للواجب بنحو ترك غير مقارن لفعل الآخر فيعاقب عليه».

لكنّه أشكل بعد ذلك على الدعوى قائلاً: إنّ ما يرد عليها هو أنّه لو شارك جميع المكلّفين مثلاً في دفن الميّت، فلن يحصل امتثال؛ لأنّ الأمر تعلّق بدفن الميّت ولم يمتثله أحد منهم وإنّما تمّ الامتثال بفعل الجميع، بينما المفروض أنّ الأمر قد تعلّق بكلّ واحد منهم لا بالمجموع من حيث المجمو

وقال في الخاتمة: ولکن هذا الإشكال لا يمنع من سقوط الأمر بتحقّق الغرض، كما لا ينافي استحقاق الثواب للانقياد للمولى بالمشاركة في تحصيل غرضه الوحدانيّ، وكذا استحقاق جميع المكلّفين للعقاب في صورة تركهم جميعاً لمتعلّق التكليف.[2]

أقول: إنّ الإشكال الذي ذکره كافٍ لعدم إمكان الالتزام بهذا المبنى، وما ذكره من استحقاق الثواب للانقياد وسقوط الأمر بتحصيل الغرض ولو من دون تحقّق الامتثال، فهو لا يرفع الإشكال.

وأورد السيّد الروحاني إشكالاً آخر على هذه الدعوى وهو أنّ التكليف المنبعث من غرض واحد يجب أن يحصلّ الغرض إذا أتى به أحد المكلّفين، وعليه ينبغي الالتزام بأنّ توجّه التكليف متوقّف على أن لا يأتي به مكلّف آخر قبل هذا المكلّف، فيعود البحث إلى أنّ تكليف كلّ مكلّف مشروط بعدم إتيان سائر المكلّفين به، وهو أيضاً مشكل.[3]

ودعوى رجوع هذا المبنى إلى مشروطيّة الوجوب بعدم إتيان سائر المكلّفين بمتعلّق التكليف وإن كانت صحيحة، لكن إيراد الإشكال على المبنى غير صحيح ممّا سيتّضح في تقرير المبنى.

وذكر السيدّ الخوئيّ مبنىً آخر في كيفيّة تعلّق الوجوب بالواجبات الكفائيّة وردّه.

قال في بيانه: إنّ التكليف يتعلّق بواحد معيّن عند الله تعالی من المكلّفين، ولكنّه يسقط بفعل سائر المكلّفين أيضاً؛ لأنّ المفروض كون الغرض من الأمر واحداً، فإذا تحصّل الغرض في الخارج سقط الأمر أيضاً.

ثمّ قال في الإشكال عليه:

أولاً: هذا خلاف أدلّة الوجوب الكفائيّ الظاهرة في أنّ التكليف موجّه نحو طبيعيّ المكلّف لا أحدهم المعيّن عند الله تعالی.

وثانياً: إذا كان الأمر كذلك، فلا وجه لسقوطه بفعل غير الشخص المتوجّه إليه التكليف؛ لأنّ سقوط التكليف المتوجّه للغير بفعل شخص آخر محتاج إلى الدليل، ولا يكفي لتوجّه التكليف إلى فرد معيّن أن يقال: إنّ دليل الواجبات الكفائيّة يدلّ على سقوطها بفعل سائر الأفراد؛ لأنّ سقوط التكليف فيها ناشئ عن توجّه التكليف إلى الشخص الذي أتى به.

وثالثاً: لا يعقل جعل مثل هذا التكليف، إذ يمكن لكلّ مكلّف أن يجري البراءة بالنسبة إلى توجّه التكليف إليه، وبالنتيجة لا يمكن وصول التكليف إلى المكلّفين ويلغو صدور التكليف.[4]

والحقّ ورود الإشكال الأخير، خلافاً للإشكالين الأوّلين، لأنّهما في مقام الإثبات ولا دخل لهما في مقام الثبوت.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo