< قائمة الدروس

بحث الأصول الأستاذ سیدعلي الموسوي‌اردبیلي

44/08/05

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: الواجب التخييری / الحلّ الثاني/ إشکال العلامة و سيّد الخوئي علی الحلّ الثانيّ

 

مرّ في الجلسة السابقة أنّ الحلّ الثاني له تقريران.

وذكر العلامة تقريره الثاني في كتابه الأُصولي فقال: «هنا مذهب تبرّأ كلّ من المعتزلة والأشاعرة منه ونسبه كلّ منهم إلى صاحبه واتّفقا على فساده، وهو أنّ الواجب واحد معيّن عند الله تعالى غير معيّن عندنا، إلا أنّ الله تعالى يعلم أنّ ما يختاره المكلّف هو ذلك المعيّن عنده تعالى.»‌[1]

ثمّ أشكل عليه قائلاً: «الدليل على بطلانه أنّ الواجب إذا كان واحدا معيّناً عند الله تعالى استحال منه تعالى أن يخيّر فيه، إذ معنى التخيير تجويز ترك كلّ واحد بشرط الإتيان بالآخر، وكونه معيّناً عند الله معناه المنع من تركه بعينه، سواء فعل الآخر أو لا، والجمع بين جواز الترك وعدم جوازه متناقض.

لا يقال: لا منافاة بين التخيير والتعيين، لأنّه تعالى وإن خيّر بين الكفّارات لكنّه علم أنّ المكلّف لا يختار إلا ذلك الذي هو واجب عليه، فلا يقع الإخلال بالواجب. أو نقول: يجوز أن يكون لاختيار المكلّف تأثير في كون ما اختاره واجباً. أو يمكن أن يكون ما عداه مباحاً يسقط به الفرض، كما جوّز بعضهم سقوط الفرض بالمحظور.

لأنّا نقول: لمّا خيّر الله تعالى بينه وبين غيره، فقد أباح تركه، وإيجابه على التعيين معناه أنّه لا يجوز تركه وإن فعل غيره، ولا شكّ في التنافي بينهما. وقبل اختيار المكلّف لابدّ من الوجوب، فمحلّه إن كان معيّناً كان منافياً للتخيير، وإن كان غير معيّن، فهو محال الوجود وأيضا فليس محلّ النزاع.»[2]

فإنّه قد ذكر في مقام الإشكال على المدّعى، التقرير الأوّل للاستدلال أيضاً، على أنّ الإشكال الذي ذكره في خاتمة كلامه على التقرير الثاني فهو إشكال وارد، إذ لو كان الواجب معيّناً عند الله فلا وجه للوجوب التخييري، والنسبة بين الوجوب التخييريّ والتعييني هي التضادّ.

وأمّا ما أورده على التقرير الأوّل من أنّه ينبغي أن يوجد وجوب قبل اختيار المكلّف فإذا كان الواجب معيّناً لم يكن للوجوب التخييريّ معنىً، وإذا لم يكن معيّناً يكون مبهماً وهو محال، فيرد عليه أنّ الواجب على المكلّف هو وجوب التعيين، فإذا عيّن فكلّ ما اختياره يكون واجباً عليه معيّناً.

إلا أن يقال: يلزم من ذلك عدم إمكان إتيان كلا العدلين للواجب، إذ المفروض أنّ الاختيار واجب على المكلّف ولا يتحقّق الاختيار بإتيان كليهما.

وأشکل السيد الخوئيّ على التقرير الثاني للاستدلال أوّلاً: بأنّه مخالف لظواهر الأدلّة الدالّة على وجوب شيئين أو عدّة أشياء على جميع المكلّفين بنحو التخيير، وبالنتيجة فما يتمّ اختياره يكون مصداقاً للواجب لا أنّ يكون نفس الواجب معيّناً.

وثانياً: إنّ هذه الدعوى تتنافى مع قاعدة اشتراك المكلّفين في التكليف، إذ ينتج عن هذا النحو من الوجوب أن يختلف تكليف المكلّفين حسب اختيارهم لأحد العدلين، بل يختلف تكليف المكلّف الواحد في الموارد المختلفة حسب اختياره.

وثالثاً: يلزم من هذه الدعوى أنّه إذا لم يختر المكلّف أحد العدلين لم يكن وجوب في الواقع، لأنّ وجوب كلّ منهما متوقّف على اختيار المكلّف له.

ورابعاً: لو قلنا بعدم وجود أيّ وجوب في صورة ترك المكلّف لكلا العدلين للواجب التخييري وعدم اختياره لهما، لم يكن وجوب حتّى حال الإتيان بأحد عدلي الواجب التخييري، لأنّ العصيان والامتثال يردان على موضوع واحد حتّى يمكن القول بأنّه عصاه أو امتثله. فإذا فرضنا عدم عصيان الواجب في صورة الترك، فلا يعقل حال الإتيان أيضاً تحقّق امتثال الواجب.[3]

ولكن يجاب على الإشكال الأول بأنّ مخالفة الظاهر لا تؤدّي إلى رفع اليد عن الاستدلال، لأنّ الاستدلال إذا لم يشتمل على إشكال ثبوتيّ، أمكن في مقام الإثبات أن نحمل عليه الأدلّة حال فقدان أيّ حلّ آخر.

ويجاب على الإشكال الثاني والرابع بأنّه يمكن الالتزام بأنّ الواجب هو اختيار المكلّف، وهو مشترك بين جميع المكلّفين، فإذا لم يتمّ الاختيار، فالمعصيّ هو الأمر بالاختيار وليس ما لم يتمّ اختياره، ولا استبعاد في توقّف تحقّق موضوع الواجب على فعل من أفعال المكلّف واجب في حدّ ذاته، مثل أن ينذر الاعتكاف، فإذا وفى بنذره وجب عليه أيضاً الصيام حين الاعتكاف، وإلا لم يجب عليه الصيام.

وبعبارة أُخرى فعلى الرغم من وحدة موضوع العصيان والامتثال، ولكن موضوع العصيان في هذا الفرض إنّما يتحقّق إذا اختار المكلّف، وبذلك يتحقّق موضوع الامتثال أيضاً.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo