< قائمة الدروس

بحث الأصول الأستاذ سیدعلي الموسوي‌اردبیلي

44/07/24

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: النسخ / دلالة الدليل الناسخ أو المنسوخ على بقاء الجواز / الإجابة على دعوى التعارض

 

مرّ في الجلسة السابقة كلام المحقّق العراقي في المسألة وتوضيحه أنّ قياس مقام التعارض مع ما نحن فيه، قياس مع الفارق، لأنّه إذا تعارض دليل ظاهر في الوجوب مع آخر دالّ على الجواز، ففي مقام الجمع بينهما نرفع اليد عن ظهور الدليل الأوّل ونحمله على خلاف ظاهره ـ أي الاستحباب ـ بينما فيما نحن فيه، فبعد العلم بأنّ الدليل المنسوخ دالّ على الوجوب وأنّه نسخ بالدليل الناسخ، فلا يبقى للدليل المنسوخ دلالة حتّى يبحث عن كونها جوازاً أم غيره.

ويمكن الإجابة على دعوى التعارض بين الدليل المنسوخ وأصل حكومة الدليل الناسخ أنّ الدليل المنسوخ لا يمكنه التعارض مع الدليل الناسخ في خصوص دائرة نظارته إلى موضوع الدليل الناسخ، لأنّ وجود التعارض يلزم منه دلالة الدليل المنسوخ بالنسبة إلى دائرة موضوعه، بينما لا يمكن للحكم أن يوجِد موضوعَه أو يحدّد دائرته.

ففي فرض إحراز كون الدليل الثاني ناسخاً، فبما أنّ الدليل الناسخ ـ كما قاله السيد الخوئيّ[1]

أيضاً ـ في الحقيقة يبيّن نهاية أمد الدليل المنسوخ وليس رافعاً له، فينتج عنه عدم بقاء أيّ دلالة في الدليل المنسوخ بعد ورود الدليل الناسخ.

ونظراً لما تقدّم يتّضح جواب دعوى أنّ الدليل المنسوخ كما يدلّ بالمطابقة على الوجوب فإنّه يدلّ بالملازمة على الجواز، وبانتفاء الدلالة المطابقيّة بوجود الدليل الناسخ لا تنتفي دلالته الالتزاميّة، لأنّ أصل وجود الدلالة الالتزاميّة المذكورة وإن كان مقبولاً، ولكن كما تقدّم سابقاً فالدلالة الالتزاميّة تنتفي بانتفاء المطابقيّة بسبب كونها في طولها. بل حتّى على فرض عدم الطوليّة بينهما، فبما أنّ الفرض هاهنا هو عدم بقاء دليل بعد النسخ، فالبحث عن الدلالة الالتزاميّة لا وجه له مع انعدام الدليل.

وأورد الشهيد الصدر إشكالاً آخر على التمسّك بالدلالة الالتزاميّة وهو أنّ لدليل الوجوب أربع دلالات التزاميّة، وهي: نفي الحرمة ونفي الكراهة ونفي الاستحباب ونفي الإباحة بالمعنى الأخصّ، وبالنتيجة بعد الفسخ وانتفاء الوجوب، تتعارض الدلالات الالتزاميّة مع بعضها، إذ لا يمكن انتفاء الأربعة في فرض انتفاء الوجوب.

ثمّ قال في جواب الإشكال: إنّ انتفاء الإباحة بالمعنى الأخصّ ليس مدلول الوجوب بالملازمة بل بالمطابقة، لأنّ الإباحة بالمعنى الأخصّ تثبت بانتفاء الأحكام الأربعة الأُخرى، ودليل الوجوب لا ينفي إلا الحرمة والكراهة والاستحباب بالملازمة، وأمّا نفي الإباحة فإنّه يتمّ بدليل الوجوب نفسه، وبما أنّ نفي النفي إثبات وارتفاع نفي الأحكام الأربعة غير الإباحة يتحقّق بثبوت أحدها ـ وهو في فرض المسألة المدلول المطابقيّ للخطاب ـ فينتج عنه أنّ نفي هذا الخطاب بالدليل الناسخ بانضمام الدلالات الالتزاميّة للدليل المنسوخ من نفي الأحكام الثلاثة الأُخرى، يوجب إثبات الإباحة بالمعنى الأخصّ.[2]

وفيه: أنّ الإباحة الشرعيّة ليست أمراً عدميّاً، وإنّما هي أمر وجوديّ ونسبتها مع كلّ من الأحكام الأربعة الأُخرى هي التضادّ، ولا يمكن اعتبارها بمعنى عدم الأحكام الأربعة الأُخرى، بل وجود الإباحة يلازم عدم تلك الأحكام، وأنّ الإباحة التي يراها حاصلة عن نسخ دليل الوجوب، فهي في الواقع إباحة أصليّة نتجت عن عدم جعل شرعيّ وليس إباحة شرعيّة مجعولة شرعاً.

فإذن يجب الردّ على الإشكال بأنّ ما يتمسّك به بالدلالة الالتزاميّة للخطاب، ليست الأحكام الأربعة المذكورة حتّى يدّعى أنّها تتعارض مع بعضها بعد رفع الوجوب، وإنّما هو جواز العمل بالمعنى الأعمّ، ومن المعلوم أنّ نفي الدلالات الأربعة المذكورة لا تنافي إثبات الدلالة على الجواز.

فإن قيل: كيف يمكن القول ببقاء الجواز بالمعنى الأخصّ بعد نسخ الوجوب وبقاء دلالته الالتزاميّة من نفي الإباحة بالمعنى الأخصّ والاستحباب والكراهة؟

فالجواب: أنّه لا مانع من القول ببقاء الجواز بالمعنى الأعمّ مع تعارض الدلالات الالتزاميّة المذكورة ـ ومنها نفي الحرمة ـ والعلم الإجمالي بثبوت أحد الأحكام الأربعة غير الوجوب.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo