< قائمة الدروس

بحث الأصول الأستاذ سیدعلي الموسوي‌اردبیلي

44/07/01

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: جواز أمر الآمر مع علمه بانتفاء الشرط / تبيين المسألة / الأقوال

 

أمر الآمر مع علمه بانتفاء الشرط

هذه المسألة ممّا ورد في كلمات الأصوليّين من أهل السنّة، ويقول الجصّاص في بيان صورة المسألة:

«قد اختلف في أمر الله تعالى لمن في المعلوم أنّه لا يمكّن منه ويحال بينه وبينه على شرط بلوغه في حال التمكين، فأبى ذلك قوم وقالوا: لا يجوز أن يأمر أحداً بشيء إلا وفي المعلوم أنّه سيبلغ حال التمكين منه فيفعله أو يتركه مع القدرة عليه. وقال آخرون: يجوز أن يأمره الله على شريطة التمكين وبلوغ حال القدرة وارتفاع الموانع وإن كان في معلومه أنّه سيحال بينه وبينه ويقطع دونه إذا جوّز المأمور أنّه لا يحال بينه وبينه.»[1]

وردّ السيد المرتضى قول من ذهب إلى جواز الأمر في هذه الصورة قائلاً: «في الفقهاء والمتكلّمين من يجوّز أن يأمر الله تعالى بشرط أن لا يُمنع المكلّف في المستقبل من الفعل أو بشرط أن يقدره، ويزعمون أنّه يكون مأموراً بذلك مع المنع. وهذا غلط لأنّ هذه‌ الشروط إنّما تحسن‌ فيمن لا يعلم العواقب ولا طريق له إلى علمها، وأمّا العالم بالعواقب وأحوال المكلّف فلا يجوز أن يأمره بشرط...

ويلزم من سلك هذه الطريقة أن يأمر الله تعالى الميّت بشرط أن يصير حيّاً، ويأمر بما لا يكون صلاحاً بشرط أن يصير صلاحاً، وهذا يوجب عليهم أن لا يقطعوا في من أمره الله تعالى بالفعل أنّ ذلك من صلاحه، كما لا يقطعون بأنّه متمكّن لا محالة منه»[2]

وقال الشيخ في هذه المسألة: «وأمّا ما يجب أن يكون عليه الآمر، فإن كان ممّن يعلم العواقب ـ وهو الله تعالى ـ فلابدّ من أن يكون عالماً بأنّ المأمور يتمكّن من أداء ما أُمر به، ويعلم أنّ المأمور به على وجه يحسن الأمر به، ويعلم أنّه ممّا يستحقّ بفعله الثواب، ويكون غرضه وصوله إلى الثواب...

ومن الناس من جوّز في القديم تعالى أيضاً أن يأمر المكلّف بشرط أن يبقى على كونه قادراً قبل حال الفعل بوقت، وألا يمنعه منه.

والصحيح الأوّل، لأنّ الشرط إنّما يصحّ فيمن لا يعلم العواقب، فأمّا من يعلمها فلا يحسن منه ذلك.»[3]

فيتبيّن بما تقدّم أنّ أصل النزاع في المسألة يدور حول أنّ الله تعالى كيف يستطيع تعليق أوامره على الشرط وهو يعلم أنّ الشرط يكون أم لا؟ لأنّ مشروطيّة الأمر بالشرط إنّما تتحقّق فيما كان الآمر جاهلاً بتحقّق الشرط وعدمه، فهو كما يحتمل تحقّقه فكذلك يحتمل عدم تحقّقه، بينما الذي يعلم بعدم تحقّق الشرط فإنّ صدور الأمر منه قبيح، والذي يعلم تحقّق الشرط فلا وجه لتقييده الأمر بالشرط.

كما لو قال أحد: «إذا جاء زيد غداً فافعل كذا»، فإن كان يعلم أنّ زيداً سيأتي قطعاً، فعليه أن يقول: «إفعل غداً كذا» ولا وجه لاشتراط الأمر بشيء، وإن علم أنّ زيداً لن يأتي قطعاً، فصدور هذا الأمر عنه غير صحيح.

غير أنّ الجصّاص نقل نقضاً مثلما أورده السيّد المرتضى على القائلين بجواز أمر الآمر في هذه الصورة ـ من أنّ لازم الجواز أن يجوز لله تعالى أن يجعل أوامره مشروطة بأُمور ممتنعة عقلاً أو عادة ـ وردّ عليه بأن القائلين بالجواز إنّما قالوا به في صورة عدم علم المأمور بعدم تحقّق الشرط وبقاء أمل حصوله له، فإنّ توجّه الأمر في غير هذه الصورة إليه عبث.[4]

وأيضاً يقول الجصّاص بالنسبة إلى النقض الآخر الذي تقدّم في كلام السيّد المرتضى ـ من أنّ جواز أمر الآمر في هذه الصورة يلزم منه أن يأمر الله تعالى به بشرط وجود المصلحة على الرغم من عدم المصلحة في المأمور به ـ بأنّ هناك ملازمة بين الأمر بالشيء ووجود المصلحة فيه، وبالنتيجة فتعليق الأمر على وجود المصلحة لغو، ولا يراه العرف صحيحاً.[5]

فيعلم إذن أنّ محلّ النزاع هو فيما يجعل الآمر في مقام الإنشاء حكماً وهو يعلم أنّ شرط فعليّته لن يتحقّق في مقام الفعليّة.

فما ذكره المحقّق الخراسانيّ في ردّ دعوى جواز الأمر في هذه الصورة من أنّ الشرط من أجزاء العلّة التامّة وتنتفي العلّة التامّة بانتفائه وبالنتيجة لا يمكن تحقّق المعلول أيضاً[6] ، فهو أجنبيّ عن المقام، لأنّه إنّما يرد إذا كان المراد من المسألة قدرة الآمر على الأمر بالشيء مع انتفاء شرط الأمر، ومن المعلوم في هذه الصورة أنّه لا يمكن وجود الأمر بانتفاء شرطه.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo