< قائمة الدروس

بحث الأصول الأستاذ سیدعلي الموسوي‌اردبیلي

44/06/16

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: مسألة الضد / الضد العام / تبيين کلام المحقّق الاصفهاني

 

إنّ الإشكال الوارد على تقرير المحقّق الاصفهانيّ لتصحيح الأمر الترتّبي هو أنّ دعواه من أنّ القدرة بما أنّها متوفّرة لفعل المهمّ والأهمّ على حدّ سواء فالأمر بكلّ منهما فعليّ، فإن كان مراده من القدرة، القدرة العقليّة ـ وهو الظاهر ـ فعلى فرض التسليم بالمدعّى فهذا إنّما يمكن فيما لم يقدّم صرف القدرة في أحد المتزاحمين عقلاً، وإلا ففي موارد وجود الأهمّ والمهم، لا يمكن القول بفعليّة الحكم بالمهمّ بواسطة القدرة عليه مع وجود مثل هذا الحكم من قبل العقل.

على أنّه حتّى لو لم يصدر العقل مثل هذا الحكم ـ كما في مورد المتزاحمين المتساويين ملاكاً ـ فالمدعّى غير تامّ، إذ يمتنع عقلاً فعليّة أمرين مع عدم امتلاك المكلّف إلا قدرة واحدة على الامتثال، بل الفعليّ إمّا أحد المتزاحمين لا على التعيين، أو القدر الجامع بينهما.

وعليه فإنّ دعواه من رفع المانع من صرف القدرة في المهمّ بعدم إعمال القدرة في الأهمّ، غير تامّة، إذ لو فرضنا بقاء إمكان إعمال القدرة في الأهمّ، فالعقل يحكم بإعمال القدرة في الأهمّ لأهميّته، فكيف يجوز أن لا يمنع من فعليّة المهمّ ممّا يلزم منه صرف القدرة فيه؟ وهل ينتج عن ذلك إلا طلب الضدّين؟

وبعبارة أُخرى فإنّ إعمال القدرة في المهمّ وإن قارن عدم إعمال القدرة في الأهمّ ولم يكن مقدّمة له وبالنتيجة لم تلازم ضرورة صرف القدرة في الأهمّ عقلاً النهي عن صرفها في المهمّ، ولكن نتيجة الضرورة العقليّة لصرف القدرة في الأهمّ على الرغم من وحدة القدرة وعدم تعدّدها فيما لم تسقط فعليّة الأهم بعدُ، هي عدم بقاء القدرة المطلوبة لفعليّة المهمّ له، فكما لو لم توجد قدرة عقليّة للقيام بعمل لاستحالت فعليّة الأمر المتعلّق به، لو حكم العقل بضرورة صرف القدرة الواحدة في عمل، لنتج عنه أيضاً عدم بقاء القدرة للفعل الثاني وعدم إمكان فعليّته.

على أنّه لا يصحّ أيضاً افتراض صرف القدرة في المهمّ على الرغم من عدم تحقّق عصيان الأهمّ، إذ لو كان الأهمّ من الأُمور التي كان تقديمها على المهمّ بسبب انتفاء موضوعها في حال عدم صرف القدرة فيها، لكان صرف القدرة في المهمّ في هذه الصورة ملازماً لتحقّق عصيان الأهمّ وسقوط الأمر به أيضاً. وإن كان من الأُمور التي لم يكن تقديمها بسبب انتفاء موضوعها في صورة عدم صرف القدرة فيها بل بسبب ضرورة الفوريّة في امتثال أمرها، ففي هذه الحالة أيضاً ـ كما تقدّم سابقاً ـ فليس الأمر بالأهمّ هو الذي يزاحم المهمّ، وإنّما الأمر بفوريّة امتثاله الذي قد عصي إذا صرف المکلّف قدرته في المهمّ.

هذا وإنّ الإشكال الأهمّ في دعواه في هذا الخصوص هو قوله: أنّه في صورة صرف القدرة في المهمّ، لن يكون الأمر بالأهمّ ذا أثر، وبالنتيجة لا إشكال في فعليّة الأمر بالمهمّ، بينما ليست مشكلة طلب الضدّين ناشئة عن تأثير الأمر بالأهمّ، بل عن فعليّة اقتضائه للإتيان بالأهمّ ولو لم ينبعث به المكلّف.

توضيحه أنّ الذي يتسبّب بمحذور طلب الضدّين، ليس انبعاث المكلّف عن الأمرين، وإلا لوجب القول بأنّ المكلّف الذي لا ينبعث بالأوامر الشرعيّة، فلا إشكال في أنّه يتوجّه إليه أمران بضدّين، وهو واضح الإشكال، بل الإشكال ينشأ عن أنّه لو امتنع الشيء، لامتنع جعل المقتضي له أيضاً.

إذن، عندما لم ينبعث المكلّف عن الأمر بالأهمّ واشتغل بإتيان المهمّ، فإن قيل أنّ الأمر بالأهمّ ليس فعليّاً له في هذه الحالة، فمعنى ذلك أنّ فعليّة الأمر متوقّفة على الامتثال، بينما من المعلوم أنّ الامتثال متأخّر عن فعليّة الأمر وهذا يؤدّي إلى الدور. وإن ادّعي أنّ الأمر بالأهمّ فعليّ ولكنّه يفتقد التأثير على الرغم من فعليّته لأنّه لا يبعث المكلّف وبالنتيجة لا مانع عقلاً من فعليّة الأمر بالمهمّ في هذه الحالة، فيشكل بأنّ فقدان تأثير الأمر بالأهمّ وعدم انبعاث المكلّف عنه لا يرفع إشكال طلب الضدّين، لأنّ الإشکال يكون في ناحية المقتضي، وفي فرض توجّه أمرين فعليّين إلى المكلّف فإشكال طلب الضدّين باقٍ حتّى لو لم ينبعث المكلّف عن أحد الأمرين.

وأمّا قوله: بأنّ الأمر الحقيقي ليس إلا جعل ما توجد فيه قابليّة الداعويّة وإن كانت الدعوة ممتنعة بالغير، فصحيح إلا أنّه راجع إلى ما تقدّم عن المحقّق الخراسانيّ من أنّ ضرورة تقديم الأهمّ على المهمّ لا توجب فقدان المهمّ لملاكه، وقد طبّقه المحقّق الاصفهاني على الأمر الترتّبي وفي ناحية الأمر بالأهمّ.

وبعبارة أُخرى فهو يقول: بعد صرف القدرة في المهم، فعلى الرغم من أنّ الأمر بالأهمّ لا يكون مؤثراً، ولكن امتناعه ليس ذاتياً وإنّما بالغير، وهذا لا ينافي وجود الأمر بالأهمّ الناتج عن إمكان داعويّته الذاتيّة.

بينما لو أردنا تصحيح وجود الأمر بذلك، فلا داعي لتعقيد المسألة والقول أوّلاً بوجود الأمر الترتّبي ثمّ تصحيح وجود الأمر بالأهمّ لحلّ المشكلة، بل يمكن إثبات وجود الملاك للمهمّ بهذا النحو وإتيان المهمّ كما ذهب إليه المحقّق الخراسانيّ.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo