< قائمة الدروس

بحث الأصول الأستاذ سیدعلي الموسوي‌اردبیلي

44/05/19

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: مسألة الضد / الضد العام / جواب الإشكال الثاني من الميرزا النائينيّ

 

تابع الميرزا النائينيّ ردّه على الإشكال قائلاً: فإن اخترنا الفرض الثاني وقبلنا بأنّ وصف التعقّب بالعصيان هو شرط فعليّة خطاب المهمّ، فهذا لا يستلزم طلب الجمع بين الضدّين، إذ من البديهيّ أنّ عنوان التعقّب بالمعصية يُنتزع من المكلّف من حيث تحقّق العصيان منه في ظرف متأخّر، فإذا فرضنا أنّ معصية الأهمّ تتحقّق في ظرفه والتعقّب بها شرط لخطاب المهمّ، فالنتيجة لا تختلف عمّا إذا اعتبرنا العصيان نفسه شرطاً للطلب ولا فرق بينهما.

وبعبارة أُخرى، إنّ فرض تحقّق امتثال طلب الأهمّ في ظرفه يهدم شرط خطاب المهمّ، فكيف يمكن للمهمّ أن يكون مطلوباً في فرض وجود الأهمّ حتّى يلزم منه طلب الضدّين؟

علماً بأنّ الذي بيّنّاه هو فيما كان كلا الواجبين مضيّقين، وأمّا إذا كان أحدهما موسّعاً، فبناء على امتناع الخطاب الترتّبي، فالفرد المزاحم يخرج من شمول إطلاق الواجب الموسّع مطلقاً، ولكن إذا أمكن الخطاب الترتّبي فخروج الفرد المزاحم من شمول إطلاق الواجب الموسّع مشروطٌ بامتثال خطاب الواجب المضيّق، فإذا عُصي الواجب المضيّق، فالفرد المزاحم له من الواجب الموسّع أيضاً يبقى تحت إطلاقه.

والحاصل أنّ شرط خطاب الواجب المهمّ يقارنه، لكن إذا كان الواجب المهمّ مضيّقاً، فالذي يشترط فيه عصيان خطاب الأهمّ هو أصل خطاب المهمّ، وإذا كان موسّعاً، فالمشروط هو إطلاقه بالنسبة إلی الفرد المزاحم لا أصل الخطاب.[1]

والظاهر أنّ الميرزا النائينيّ يحاول في هذه المقدّمة أن يجيب على الإشكال الذي أورده الآخوند الخراسانيّ على الأمر الترتّبي حيث قال: «ما هو ملاك استحالة طلب الضدّين في عرض واحد، آتٍ في طلبهما كذلك، فإنّه وإن لم يكن في مرتبة طلب الأهم اجتماع طلبهما إلا أنّه كان في مرتبة الأمر بغيره اجتماعهما، بداهة فعليّة الأمر بالأهمّ في هذه المرتبة وعدم سقوطه بعدُ بمجرّد المعصية فيما بعد ما لم يعص أو العزم عليها مع فعليّة الأمر بغيره أيضاً، لتحقّق ما هو شرط فعليّته فرضاً.

لا يقال: نعم، لكنّه بسوء اختيار المكلّف حيث يعصي فيما بعد بالاختيار، فلولاه لما كان متوجّهاً إليه إلا الطلب بالأهمّ، ولا برهان على امتناع الاجتماع إذا كان بسوء الاختيار.

فإنّه يقال: استحالة طلب الضدّين ليس إلا لأجل استحالة طلب المحال، واستحالة طلبه من الحكيم الملتفت إلى محاليّته لا تختصّ بحال دون‌ حال، وإلا لصحّ فيما علّق على أمر اختياري في عرض واحد بلا حاجة في تصحيحه إلى الترتّب، مع أنّه محال بلا ريب ولا إشكال.

إن قلت: فرق بين الاجتماع في عرض واحد والاجتماع كذلك، فإنّ الطلب في كلّ منهما في الأوّل يطارد الآخر بخلافه في الثاني، فإنّ الطلب بغير الأهمّ لا يطارد طلب الأهمّ، فإنّه يكون على تقدير عدم الإتيان بالأهمّ، فلا يكاد يريد غيره على تقدير إتيانه وعدم عصيان أمره.

قلت: ليت شعري كيف لا يطارده الأمر بغير الأهمّ؟ وهل يكون طرده له إلا من جهة فعليّته ومضادّة متعلّقه للأهمّ والمفروض فعليّته ومضادّة متعلّقه له؟

وعدم إرادة غير الأهمّ على تقدير الإتيان به لا يوجب عدم طرده لطلبه مع تحقّقه على تقدير عدم الإتيان به وعصيان أمره، فيلزم اجتماعهما على هذا التقدير مع ما هما عليه من المطاردة من جهة المضادّة بين المتعلّقين، مع أنّه يكفي الطرد من طرف الأمر بالأهمّ، فإنّه على هذا الحال يكون طارداً لطلب الضدّ كما كان في غير هذا الحال، فلا يكون له معه أصلاً بمجال.»[2]

مرجع إشكال الآخوند إلى أنّ ما غفل عنه القائلون بالأمر الترتّبي هو ورود إشكالين في تصحيح الإتيان بالمهمّ العبادي في موارد التزاحم بين الأهمّ والمهمّ: 1 ـ فعليّة الأمر به في زمان لزوم الإتيان بالأهمّ 2 ـ رفع محذور طلب الضدّين في صورة فعليّة الأمر بالمهمّ في زمان لزوم الإتيان بالأهمّ.

أمّا لو فرضنا أنّ الأمر الترتّبي يستطيع معالجة المشكلة، فغاية ما يمكن تصحيحه بالأمر الترتّبي هو فعليّة الأمر بالمهمّ، ويبقى إشكال طلب الضدّين في محلّه، لأنّ الشرط المأخوذ بعين الاعتبار للأمر الترتّبي مصحّح لفعليّته ولا يرفع محذور الطلب بين الضدّين.

وحاول الميرزا النائيني في مقدّمته الثالثة أن يرفع هذا الإشكال ورأى حلّه في أنّه وإن تقارن الخطاب بالأهمّ مع الخطاب بالمهمّ زمنيّاً، لكن وجود التقدّم والتأخّر الرتبيّ بينهما يرفع محذور طلب الضدّين. ومن هنا صرّح بأنّ شرط الخطاب بالمهمّ ينهدم بفرض تحقّق امتثال الأمر بالأهمّ في ظرفه، وبالنتيجة لا يكون المهمّ مطلوباً في فرض وجود الأهمّ حتّى يلزم طلب الضدّين. هذا والحال أنّه صرّح سابقاً أنّ الأمر بالأهمّ فعليّ في زمان الأمر بالمهمّ، ولا يمكن الجمع بين كلاميه إلا إذا حمل كلامه على ما بيّنّاه سابقاً.

لكن من الواضح ـ كما تقدم ـ أنّ التقدم والتأخر الرتبيّ لا يرفعان محذور طلب الضدين، لأنّ أصل المحذور غير متوقف على الاتحاد الرتبيّ بل يعود إلى الاتحاد في الزمان وسيأتي تفصيله في الجلسة الآتية إن شاء الله.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo