< قائمة الدروس

بحث الأصول الأستاذ سیدعلي الموسوي‌اردبیلي

44/04/21

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: مسألة الضد / الضد العام / تصحيح العبادة تمسّكاً بالخطابات القانونيّة

 

الوجه الرابع: تصحيح العبادة تمسّكاً بالخطابات القانونيّة

يقول السيّد الخمينيّ في توجيه تصحيح العبادة المهمّة بترك المأمور به الأهمّ: إنّ الأحكام القانونيّة المترتّبة على موضوعاتها تكون على نحوين:

1 ـ الأحكام الإنشائيّة وهي إمّا أن تكون قد أُنشأت على موضوعاتها ولكنّها لم تبق في مقام الإنشاء على ما أُنشأت عليه، مثل الأحكام الكلّيّة قبل ورود المقيّدات والمخصّصات وبقطع النظر عنها، وإمّا أنّه لم يحن وقت إتيانها، مثل الأحكام الباقية عند صاحب العصر(ع) وقد أُجّل وقت إجرائها إلى عصر ظهوره المبارك لمصالح اقتضتها العناية الإلهيّة.

2 ـ الأحكام الفعليّة وهي التي حان وقت إجرائها وتمّ الإبلاغ بها حين العمل بجميع قيودها ومخصّصاتها.

فحكم ﴿أوفوا بالعقود﴾ [1] على عمومه حكم إنشائيّ، وما يبقى منه بعد ورود المخصّصات عليه بلسان الكتاب والسنّة، فحكم فعليّ.

وأمّا الشأنيّة والفعليّة التي اشتهرت ـ بمعنى كون الحكم شأنيّاً بالنسبة إلى الجاهل والغافل والساهي والعاجز، وفعليّاً لما يقابلها بالتناسب ـ فليس له وجه معقول، لأنّه لا يعقل الاشتراط الشرعي في بعض هذه الموارد، كما أنّه لا دليل على الاشتراط الشرعيّ في أيّ منها، ولا يعقل التصرّف العقليّ أيضاً، إذ لا يمكن تصرّف العقل في إرادة المولى أو جعله، والجاعل هو الوحيد الذي بيده التقييد والتصرّف. نعم، للعقل في مقام الطاعة والعصيان أن يحكم ويقول: أنّه في أيّ مورد تؤدّي مخالفة الحكم إلى استحقاق العقاب وفي أيّ مورد لا تحقّق الاستحقاق لمعذوريّة المكلّف؛ لكن هذا لا يعني التصرّف في الدليل.

وأمّا ما قيل من أنّ الخطاب بما أنّه للانبعاث، فلا يعقل توجّهه إلى الغافل والعاجز والساهي، فهو ناشئ عن الخلط بين الأحكام الكلّيّة والجزئيّة، والسرّ وراء إمكانيّة الخطاب الكلّيّ للجماعة الذين فيهم هؤلاء الثلاثة أنّ الخطابات العامّة لا تنحلّ إلى خطابات متعدّدة بعدد نفوس المكلّفين حتّى يختصّ كلّ منهم بخطاب، بل الخطاب العامّ خطاب واحد يخاطب به العموم.

على أنّ الإرادة التشريعيّة ليست إرادة إتيان الفعل من قبل المكلّف وانبعاثه نحو العمل، وإلا لزم عدم إمكان معصية الإرادة التشريعيّة الإلهيّة، بل الإرادة التشريعيّة عبارة عن إرادة التقنين والجعل بنحو العموم، وفي مثل ذلك فصحّة الخطاب مأخوذة نظراً إلى مصلحة الجعل العامّ للقانون، ومن المعلوم في هذه الحالة أنّ صحّة الجعل ليست متوقّفة على صحّة الانبعاث في جميع الأفراد كما يظهر ذلك بالنظر إلى القوانين العرفيّة.

كما أنّ الاقتضاء والتنجّز ليسا من مراتب الحكم، إذ من الواضح أنّ الاقتضاء قبل الجعل ولا يمكنه أن يكون من مراتب الحكم. وأمّا التنجّز فحكم عقلي لا يتعلّق بمراتب الأحكام المجعولة، ومعناه قطع عذر المكلّف في مخالفته، كما أنّ معنى عدم التنجّز هو معذوريّة المكلّف من غير أن يتغيّر أو يتبدّل الحكم أو الإرادة.

ثمّ أضاف مقدمات أُخرى إلى البحث مثل:

1 ـ تعلّق الأوامر بالطبائع.

2 ـ اختلاف الإطلاق عن العموم بأنّ إطلاق الحكم يتعلّق بالماهيّة والطبيعة نفسها، وليس للطبيعة أن تحاكي وتشير إلى أفرادها وإن كانت متّحدة معها في الخارج، بينما أداة العموم موضوعة لتعمّ جميع أفراده، وبالنتيجة فالحكم في العموم يشمل جميع الأفراد التي يحكيها العامّ.

3 ـ إنّ التزاحمات الواقعة بين الأدلّة بالعرض بسبب عدم قدرة المكلّف على جميعها، فليست ملحوظة في مقام الجعل، لأنّها متأخّرة عن تعلّق الحكم بموضوعاتها وابتلاء المكلّف بالواقعة.

4 ـ إنّ الأمر بأحد الضدّين، أمر بالمقدور، وغير المقدور هو أن يجمع المكلّف بين الإتيان بمتعلّق الأمرين، لأنّ المولى عندما يصدر أمرين بضدّين، فهو لم يأمر بالجمع بينهما، ومجموع الأمرين أيضاً ليس موجوداً مستقلاً حتّى يستحيل.

ثمّ قال مستنتجاً من هذه المقدّمات: إنّه إن كان أحد الضدّين أهمّ والآخر مهمّاً، فإذا اشتغل المكلّف بالإتيان بالأهمّ، فهو معذور في ترك المهمّ بحكم العقل، لأنّه باشتغاله بالأهمّ لا يملك القدرة العقليّة على الاشتغال بالمهمّ، وإذا اشتغل بالمهمّ فقد أتى بما أمر به فعلاً، لكنّه ليس معذوراً في ترك المهمّ، فيكون مثاباً على إتيان المهمّ ومعاقباً على ترك الأهمّ، ولكن لو ترك الاثنين، فيتوجّه له العقاب[2] .


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo