89/07/04
بسم الله الرحمن الرحیم
جایگاه و مرتبه علم اصول
متن: هدایه المسترشدین[1]
لا يخفى أن العلوم المدونة لها مراتب مختلفة في التقديم و التأخير بحسب الشرافة و بحسب التعليم:
أما الأول فيختلف الحال فيه بحسب اختلاف الموضوعات في الشرافة و اختلاف الغايات في ذلك أو في شدة الاهتمام كما في علم الإلهي و علم الفقه بالنسبة إلى ما عداهما من العلوم.
و أما الثاني:
فقد يكون التقديم و التأخير فيه استحسانيا
و قد يكون من جهة توقف العلم المتأخر عليه؛
أما الأول فمن وجوه:
منها أن يكون أحد العلمين سهل التناول بيّنة المقدمات دون الآخر فيناسب تقديمه في التعليم لسهولة تحصيله على المتعلم فإذا قوي استعداده للعلوم و حصل له ملكة في الإدراكات سهل عليه الاشتغال بالآخر.
و منها أن يكون أدلة العلم المتقدم أحكم من غيره و أبعد من حصول الخطاء فيتقدم في التعليم حتى يتعود المتعلم على عدم الإذعان بالمطالب إلا بعد وضوح البرهان و الوصول إلى كمال الإيقان فلا يعتقد الحكم بأدنى شاهد أو استحسان يشبه البرهان لأداء ذلك غالبا لاعتقاد ما يخالف الواقع و هاتان الجهتان حاصلتان في تقديم العلوم الرياضية على سائر فنون الحكمة كما كان متداولا في تعاليم العلوم الفلاسفة.
و منها أن يكون موضوع أحدهما مقدما بحسب الرتبة على موضوع المتأخر كعلم النحو الباحث عن أحوال الكلام من حيث صحة التركيب و سقمه بالنسبة إلى علوم البلاغة الباحثة عن محسناته فإن الحيثية الأولى متقدمة في الرتبة على الأخيرة.
و منها أن يتقدم غايته على غاية العلم الآخر كذلك كما في المثال المفروض فإن المقصود من النحو حفظ اللسان عن الغلط في البيان و من علوم البلاغة أداء الكلام جامعا للمحسنات على مقتضى الحال و من البين تقدم الغاية الأولى على الأخيرة.
و أما الثاني:
فإنما يكون مع اشتمال أحد العلمين على مبادي الأخيرة فيتوقف التصديق بمسائله عليه و ذلك:
قد يكون من جهة اشتمال أحدهما على إثبات الموضوع الآخر كما في تقدم العلم الإلهي على الطبيعي و الرياضي و قد يكون لاشتماله على إثبات مواد المقدمات المأخوذة في أقيسة العلم الآخر كما في تقدم الأصول على الفقه و قد يكون من جهة تكفله لبيان كيفية النظر و الاستدلال و إثبات إنتاج صور الأقيسة المأخوذة في العلوم كما في المنطق بالنسبة إلى ما عداها من العلوم هذا و لا يذهب عليك أن التقدم في التعليم من الجهات الأخيرة و إن كان لازما لتوقف التصديق بمسائل العلم الآخر عليه إلا أنه قد يكون هناك جهة أخرى تمنع من التقديم.