47/06/24
الحائض تحرم خارج المسجد ... و إذا كان جنباً ولم يكن عنده ماء/فصل في المواقيت /كتاب الحجّ
الموضوع: كتاب الحجّ/فصل في المواقيت /الحائض تحرم خارج المسجد ... و إذا كان جنباً ولم يكن عنده ماء
(مسألة3): الحائض تُحرم خارج المسجد على المختار، ويدلّ عليه مضافاً إلى ما مرّ مرسلة يونس في كيفية إحرامها: «ولا تدخل المسجد، وتهلّ بالحجّ بغير صلاة». وأمّا على القول بالاختصاص بالمسجد، فمع عدم إمكان صبرها إلى أن تطهر تدخل المسجد وتحرم في حال الاجتياز إن أمكن، وإن لم يمكن لزحم أو غيره أحرمت خارج المسجد وجدّدت في الجحفة أو محاذاتها.
ذكر المصنّف (قده) أنّ الحائض تُحرم خارج المسجد على المختار؛ وذلك لأنّ الميقات عنده هو منطقة ذي الحليفة، لا خصوص المسجد. وقد عنون هذه المسألة بالحائض دون أن يذكر النفساء، مع أنّ الحكم فيهما واحد. وهذا هو مقتضى القاعدة.
وقد يقال: إنّ المجنب كالمرأة الحائض يحرم عليه دخول المسجد، فيلزم أن يُحرم خارج المسجد أيضاً، إلّا أنّه ليس كذلك؛ لأنّ الحدث الحيض مستمرّ لعدّة أيّام، بخلاف الجنابة، فإنّها حدث آني غير مستمرّ، ويمكن رفعه بالغسل.
وتدلّ أيضاً صحيحة يونس بن يعقوب على أنّ الحائض تُحرم خارج المسجد، حيث قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الحائض تريد الإحرام؟ قال: تغتسل وتستثفر وتحتشي بالكرسف، وتلبس ثوباً دون ثياب إحرامها، وتستقبل القبلة، ولا تدخل المسجد، وتهلّ بالحجّ بغير الصلاة»[1] .
وقد ذكر المصنّف (قده) أنّ هذه الرواية مرسلة، مع أنّها صحيحة، وقد رواها الكافي (قده) عن محمّد بن يحيى العطّار، وهو من كبار الثقات، عن أحمد بن محمّد وهو ثقة أيضاً، سواء كان أحمد بن محمّد بن عيسى، أو أحمد بن محمّد بن خالد فكلاهما ثقة، عن ابن فضّال. وابن فضّال يُطلق على الحسن بن علي بن فضّال وأبنائه الثلاثة: علي ومحمّد وأحمد، وكلّهم ثقات، سواء الأب أو الأبناء. نعم، المشهور منهم الحسن وابنه علي. وقد اشتهر في حقّهم: «خذوا ما رووا وذروا ما رأوا»، فإنّ انحرافهم العقائدي لا يقدح في وثاقتهم. وعليه، فالرواية صحيحة سنداً (أو موثّقة على الأصح؛ لأنّ بني فضّال ليسوا إماميّة اثنا عشريّة).
وهذه الرواية تدلّ بوضوح على أنّ الحائض تُحرم خارج المسجد، فإنّها تغتسل غسل الإحرام، وتستثفر، أي: تتحفّظ بوضع خرقة أو نحوها في فرجها لمنع تسرّب الدم قدر الإمكان، احتياطاً لئلّا يتلوّث بدنها أو ثيابها، ثمّ تُحرم من خارج المسجد، غاية الأمر لا تصلّي صلاة الإحرام.
وهذه الرواية مطلقة (بترك الاستفصال فيها) لإحرام العمرة من مسجد الشجرة أيضاً، كما أنّ ذكر الإهلال بالحجّ الوارد في الرواية لا يختصّ بإحرام الحجّ؛ لأن حجّ التمتّع اسم لمجموع العمرة والحجّ، فيصحّ إطلاق الحجّ على عمرة التمتّع أيضاً. هذا، مضافاً إلى أنّ الحجّ معناه اللغوي هو القصد إلى زيارة البيت، فالإهلال بالحجّ يعني الإهلال بإحرام زيارة البيت، سواء كان ذلك عمرة مفردة، أو عمرة تمتّع، أو حجّ إفراد، أو حجّ قران، بناء على القول بانعقاد الإحرام بالتلفّظ لا بإشعار الهدي الذي ساقه معه.
إلّا أنّ إطلاق الحجّ على العمرة المفردة نادر وغير معروف.
ولا يجوز تأخير الإحرام إلى الجحفة كما يُستفاد من قضيّة أسماء بنت عميس، حين نفست بمحمّد بن أبي بكر في البيداء، وهو خارج مسجد الشجرة، فأمرها رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بالإحرام من ذي الحليفة، ولا سيّما أنّ النبي (صلّى الله عليه وآله) في ذلك العصر كان يصلّي تحت الشجرة، وهي موضع في ذي الحليفة، ولم يكن هناك مسجد محدّد بسور أو بناء، وإنّما بني المسجد لاحقاً في موضع الشجرة، فسمّي مسجد الشجرة.
وعليه، إذا كان الميقات هو منطقة ذي الحيلفة لا خصوص المسجد، فلا يجوز للحائض أن تؤخّر الإحرام إلى الجحفة، ومع عدم اشتراط الطهارة في صحّة الإحرام، يتعيّن عليها الإحرام من خارج المسجد بلا إشكال، لأنّه ميقات أيضاً، كما دلّ على ذلك الرواية الصحيحة، بالإضافة إلى موافقته لمقتضى القاعدة؛ إذ لا تشترط الطهارة في صحّة الإحرام.
أمّا بناء على القول الآخر القائل بأنّ الميقات هو المسجد نفسه، فقد ذكر المصنّف (قده) أنّ الحائض لا يجوز لها دخول المسجد؛ لحرمة مكثها فيه، فمع عدم إمكان صبرها إلى أن تطهر، تدخل المسجد وتُحرم في حال الاجتياز إن أمكن، وإن لم يمكن ـ لزحام أو غيره ـ أحرمت خارج المسجد، وجدّدت التلبية في الجحفة أو محاذاتها.
ويرد على ما أفاده (قده) من تقييد الإحرام اجتيازاً بصورة عدم إمكان صبرها إلى أن تطهر، بأنّه لا وجه لهذا التقييد، فإنّ الحائض يجوز لها دخول المسجد اجتيازاً على كلّ حال، سواء أمكنها الصبر إلى أن تطهر أم لا، ولذا لو جاز لها الإحرام اجتيازاً فلا فرق في ذلك بين فرض التمكّن من الصبر وعدمه.
وقد ناقش المحقّق الخوئي (قده) إحرامها اجتيازاً، فقال: لا يتحقّق الاجتياز في مسجد الشجرة. نعم، يجوز للحائض أن تدخل المسجد اجتيازاً، ولكن الاجتياز في مسجد الشجرة إذا كان هو الميقات لا يتحقّق؛ لأنّ الميزان في تحقّقه صدق عنوان عابري سبيل المذكور في الآية الشريفة: ﴿وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ﴾[2] ، وهو أن يدخل من باب ويخرج من باب آخر على نحو يتّخذ المسجد طريقاً وسبيلاً، ولا يصدق على ما إذا دخل في المسجد وطاف فيه وخرج من نفس الباب أو من الباب الملاصق له الواقع في جنبه.
أقول: هذا الكلام ناظر إلى المسجد القديم، حيث لم يكن له إلّا باب واحد، أو كان له بابان متلاصقان أحدهما في جنب الأُخرى، فهنا لا يتحقّق الاجتياز كما ذكر المحقّق الخوئي (قده).
وعليه، فإن لم يتحقّق الاجتياز، كما في موارد الزحام، أو لخصوصيّة المسجد نفسه كما لو كان له باب واحد، أو كان له بابان متلاصقان، تُحرم الحائض من خارج المسجد، ثمّ تجدّد التلبية في الجحفة أو في محاذاتها، وهذا هو الاحتياط الذي ذكره المصنّف والمحقّق الخوئي (قده).
ثمّ، إنّنا نؤيّد ذلك فنقول: حتّى لو كان لمسجد الشجرة بابان أحدهما في مقابل الأُخرى، أي: أحدهما من جهة الشرق والأُخرى من جهة الغرب، فلا يصدق الاجتياز أيضاً؛ وذلك لأنّ الحائض تضع راحلتها عند أحد الأبواب، فتدخل منه وتخرج من الباب الأُخرى، ثمّ تعود إلى راحلتها، وهذا لا يكون اجتيازاً، ولا يصدق عليه عنوان «عابري سبيل».
كما يمكن أن يقال: إنّ المكلّفة الحائضة إذا لم تتمكّن من السير في المسجد لحالتها التي توجب عليها التوقّف، فإنّ دخولها حينئذ يستلزم المكث، وهو محرّم علىها. وعليه، ففي هذه الصورة لا يجوز لها أن تدخل المسجد، كما لا يصدق عليها عنوان الاجتياز.
وعليه، فمع عدم إمكان الاجتياز، يحرم على الحائض دخول المسجد، ولا يكون المسجد ميقاتاً لها، فاللازم حينئذ مراعاة الاحتياط بأن تُحرم من خارج المسجد، وتجدّد التلبية في الجحفة أو في محاذاتها أو في أيّ ميقات آخر. هذا كلّه بناءً على أنّ الميقات هو المسجد، وقد تقدّم عدم صحّة هذا القول.
(مسألة4): إذا كان جنباً ولم يكن عنده ماء جاز له أن يحرم خارج المسجد، والأحوط أن يتيمّم للدخول والإحرام، ويتعين ذلك على القول بتعيين المسجد، وكذا الحائض إذا لم يكن لها ماء بعد نقائها.
إذا كان الجنب فاقداً للماء، فإنّه يُحرم من خارج المسجد، والاحتياط أن يتيمّم للدخول والإحرام من المسجد، ويتعيّن عليه ذلك على القول بأنّ الميقات هو المسجد؛ لأنّ التيمّم أحد الطهورين.
ولا يجري هذا الحكم في الحائض مع استمرار حيضها؛ لعدم إمكان ارتفاع حدثها بالتيمّم، أمّا إذا طهرت ولم تجد ماء، فإنّها تكون كالجنب تتيمّم حينئذ وتدخل المسجد للإحرام تعييناً إن كان الميقات هو المسجد.