« قائمة الدروس
الأستاذ الشيخ حسن الجواهري
بحث الفقه

47/06/08

بسم الله الرحمن الرحيم

لا يجوز لمن وظيفته التمتّع أن يعدل.../فصل في صورة حجّ التمتّع على الإجمال وشرائطه /كتاب الحجّ

 

الموضوع: كتاب الحجّ/فصل في صورة حجّ التمتّع على الإجمال وشرائطه /لا يجوز لمن وظيفته التمتّع أن يعدل...

 

ملاحظة: إذا اعتقد المكلّف سعة الوقت فدخل مكّة مُحرماً بعمرة التمتّع، ثمّ تبيّن له بعد ذلك ضيق الوقت، بحيث لو أكمل أعمال العمرة لم يتمكّن من إدراك الوقوف الركني في عرفة، فقد دلّت الروايات على أنّ وظيفته تنقلب من حجّ التمتّع إلى حجّ الإفراد، ثمّ بعد حجّ الإفراد وإتمام مناسكه يأتي بعمرة مفردة إذا كان حجّه التمتّعي واجباً. فهل هذا العدول والتبدّل في الوظيفة من التمتّع إلى الإفراد يجزي عن حجّ التمتع أم لا؟

ظاهر كلمات الأصحاب هو الإجزاء؛ باعتبار أنّ وظيفته قد تبدّلت من التمتّع إلى الإفراد، وهو أمر متسالم عليه، وتدلّ على ذلك أيضاً صحيحة زرارة، قال: «سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن الرجل يكون في يوم عرفة، وبينه وبين مكّة ثلاثة أميال وهو متمتّع بالعمرة إلى الحجّ؟ فقال: يقطع التلبية تلبية المتعة، ويهلّ بالحجّ بالتلبية إذا صلّى الفجر ويمضي إلى عرفات فيقف مع الناس ويقضي جميع المناسك ويقيم بمكّة حتّى يعتمر عمرة المحرَّم ولا شيء عليه»[1] ، فإنّ قوله: «لا شيء عليه» ظاهر في الإجزاء؛ إذ بعد قطع التلبية، أي: تلبية عمرة التمتّع، والإهلال بالحجّ، والوقوف مع الناس بعرفة، والإتيان بجميع المناسك، ثمّ الإتيان بالعمرة المحرَّمة، أي: الإتيان بالعمرة المفردة بعد حجّ الإفراد، لا يُطالب بشيء آخر، وهذا يدلّ على الإجزاء.

وهذه الرواية مطلقة تشمل القوي القادر على قطع المسافة في زمن قصير بحيث يدرك الركن في عرفة، كما تشمل غير القادر كالضعيف أو المريض الذي لا يتمكّن من إدراك الركن في عرفة إذا أتمّ أعمال العمرة، إلّا أنّ إطلاقها يُقيّد بالروايات الأُخرى الدالّة على انقلاب حجّ مَن خشي فوات الركن من التمتّع إلى الإفراد.

وعليه، فمَن انقلب حجّه من التمتّع إلى الإفراد بسبب اعتقاده سعة الوقت، ثمّ تبيّن له ضيق الوقت، فإنّ حجّه الإفرادي يجزي عن حجّ التمتّع؛ لتسالم الأصحاب علىه، وهو يكشف عن رأي أصحاب الأئمّة (عليهم السلام)، ورأيهم يكشف عن رأي الإمام (عليه السلام)، بالإضافة إلى دلالة هذه الرواية على ذلك.

فرع: إذا أحرم المكلّف بعمرة التمتّع في سعة الوقت، لكنّه أخّر الطواف والسعي متعمّداً إلى أن ضاق الوقت، بحيث إذا أكمل العمرة يفوته الوقوف الركني في عرفات، فهل يجوز له العدول إلى حجّ الإفراد أم لا؟

وهذا الفرع يختلف عمّا تقدّم، فإنّ البحث السابق كان فيمَن أحرم بعمرة التمتّع وضاق وقته عن إكمال العمرة اتّفاقاً، أمّا هنا فالمكلّف أخّر الطواف والسعي متعمّداً إلى أن ضاق الوقت.

قد ذكر صاحب العروة (قده) أنّ جواز العدول إلى حجّ الإفراد في هذه الصورة، وكفاية حجّ الإفراد عن حجّ التمتّع، محلّ إشكال، ولكن الأحوط العدول، مع عدم الاكتفاء به عن حجّة الإسلام إذا كان الحجّ‌ واجباً عليه.

وهذه المسألة فيها أربعة أقوال:

الأوّل: جواز العدول إلى حجّ الإفراد، بدعوى إطلاق النصوص المتقدّمة الدالّة على أنّ كلّ مَن أحرم بعمرة التمتّع ولم يتمكّن من إكمالها مع إدراك الوقوف الركني في عرفات، فإنّ حجّه ينقلب إلى الإفراد، فإنّ هذا المكلّف وإن أخّر الطواف والسعي باختياره وكان عاصياً بذلك (لأنّه تهاون في إكمال أعمال العمرة التمتّعية، بحيث يتمكّن من إتيان حجّ التمتّع الذي يجب عليه، فمَن دخل في حجّ التمتّع وأحرم له يجب عليه إكماله كما أُومر به)، إلّا أنّه داخل في إطلاق تلك النصوص.

وعليه، فإنّ حجّه ينقلب إلى حجّ الإفراد، ويجزي عن حجّ التمتّع؛ لأنّ حجّ الإفراد هنا يكون بدلاً اضطرارياً عن الوظيفة الاختيارية وهي حجّ التمتّع، ولكنّه يأثم لتعمّده في التأخير وإيقاع نفسه في الضيق.

وهكذا سائر موارد الأبدال الاضطراريّة، فإنّ الامتثال يتحقّق بالبدل الاضطراي، ولكن يأثم المكلّف إذا كان سبب تعذّر الأمر الاختياري ناشئاً عن سوء اختياره، كما لو أخّر الصلاة إلى أن بقى من الوقت مقدار ركعة واحدة فقط، ثمّ صلّى وأدرك ركعة واحدة قبل الغروب، فتصحّ صلاته لكنّه آثم؛ لأنّه كان قادراً على الإتيان بها في وقتها. وكذلك من أخّر الوضوء اختياراً إلى أن لم يبق من الوقت إلّا مقدار التيمم والصلاة، فإنّه يتيمّم ويصلي وتصحّ صلاته بالبدل الاضطراي، لكنّه آثم. وكذا من أراق ماء الوضوء عمداً، فإنّه يتيمّم ويصلّي وتصحّ صلاته، لكنّه آثم. وهكذا لو عجّز نفسه عن الصلاة من قيام، فتجب عليه الصلاة من جلوس، وتصحّ صلاته حينئذ، لكنّه آثم؛ لتعجيز نفسه عن الوظيفة الاختيارية.

ويُلاحظ عليه: إنّ الروايات الواردة في المقام ليست مطلقة حتّى تشمل مَن كان متمكّناً من الإتيان بعمرة التمتّع وإدراك الوقوف الركني في عرفة ثمّ عجّز نفسه عمداً بتأخير الأعمال، فإنّ مورد الروايات هو مَن لم يتمكّن في نفسه وبطبعه الأوّلي من إتمام العمرة وإدراك الركن.

وعليه، فإنّ الروايات لم تشمل مَن عجّز نفسه عن إتمام العمرة وإدراك الركن عمداً.

ولا يقاس المقام بباب الصلاة؛ لأنّ الصلاة لا تسقط بحال، ويجب الإتيان بها على كلّ تقدير، ولذا تصحّ الصلاة ولو عجّز المكلّف نفسه عن الوضوء أو إدراك الوقت. وقد ورد النصّ في المستحاضة: «لا تدع الصلاة على حال»، وهذه الرواية وإن وردت في المستحاضة، إلّا أنّه لا وجه لاختصاصها بها، فيُتعدّى الحكم بعدم سقوط الصلاة على كلّ حال إلى غير النساء أيضاً، حتّى لو عجّز الرجل نفسه عن الصلاة أو عجّز نفسه عن مقدّماتها كالوضوء.

أمّا الحجّ، فلا يوجد دليل على أنّه لا يسقط بحال، ولا دليل على أنّ مَن عجّز نفسه عن حجّ التمتّع، ينقلب حجّه إلى الإفراد. فلو عجّز المكلّف نفسه عن عمرة التمتّع عمداً، فهو آثم، ويجب عليه الحجّ في السنة الثانية، ولا موجب لانقلاب وظيفته إلى حجّ الإفراد.

الثاني: وهو ما اختاره جماعة منهم السيّد الحكيم (قده)، وحاصله: أنّ هذا المكلّف يأتي بعمرة التمتّع، ثمّ يأتي بالوقوف الاضطراري لعرفة، وهو الوقوف ليلة العيد في عرفة برهة من الزمان، أو يأتي بالوقوف الاختياري للمشعر الحرام، وهو الوقوف ما بين الطلوعين من يوم العيد، أو يأتي بالوقوف الاضطراري للمشعر الحرام، وهو الوقوف في صباح يوم العيد قبل الزوال؛ وذلك استناداً إلى الروايات العامّة الدالّة على أنّ مَن أدرك الوقوف بالمشعر حتّى الوقوف الاضطراري بها، فقد تمّ حجّه[2] ، حتّى لو لم يدرك الوقوف الاختياري أو الاضطراري بعرفة.

ويُلاحظ عليه: أنّ النصوص الدالّة على كفاية الوقوف الاضطراري بعرفات، أو كفاية الوقوف الاختياري أو الاضطراري بالمشعر الحرام حتّى مع عدم إدراك الوقوف بعرفات، إنّما وردت في خصوص مَن كان اضطراره حاصلاً بطبعه وبنفسه، وأمّا إذا كان الاضطرار حاصلاً من سوء الاختيار وتعجيز المكلّف نفسه تعمّداً، فالروايات منصرفة عنه، ولا تشمل من أوقع نفسه في العجز اختياراً.

ويضاف إلى ذلك أنّ الالتزام بهذا القول يستلزم أمراً غير مقبول؛ إذ يلزم منه الحكم بصحّة حجّ المكلّف الذي أكمل عمرة التمتّع وفرغ منها، وأحرم بالحجّ من مكّة، ولكن تعمّد البقاء فيها، ولم يخرج منها إلى عرفات، فلا يدرك الوقوف الاختياري ولا الاضطراري فيها، ولا يدرك الوقوف الاختياري بالمشعر الحرام، ثمّ جاء يوم العيد فأدرك الوقوف الاضطراري بالمشعر قبل الزوال، فإنّ مقتضى هذا القول هو الحكم بصحّة هذا الحجّ، ولكنّه لا يلتزم به أحد، ولا يُحكم بصحّة هذا الحجّ؛ لأنّ الروايات منصرفة عن هذه الصورة؛ إذ إنّ دلالة الروايات على تماميّة الحجّ وصحّته لمن أدرك الوقوف بالمشعر الحرام إنّما هي في حقّ مَن فاته المواقف السابقة لعذر، أمّا مَن تعمّد ترك الوقوف في هذه المواقف بلا عذر، فهو آثم، ولا يشمله الحكم بالإجزاء.

 


[2] الوسائل 14: 37، الباب23 و 25 من أبواب الوقوف بالمشعر.
logo