47/05/24
لا يجوز لمن وظيفته التمتّع أن يعدل.../فصل في صورة حجّ التمتّع على الإجمال وشرائطه /كتاب الحجّ
الموضوع: كتاب الحجّ/فصل في صورة حجّ التمتّع على الإجمال وشرائطه /لا يجوز لمن وظيفته التمتّع أن يعدل...
إذن، يجوز الخروج من مكّة إذا لم يكمّل إعمال عمرة التمتّع كما قال صاحب العروة (قده) خلافاً للسيّد الخوئي (قده).
ثمّ، إذا خرج المكلّف من مكّة أثناء عمرة التمتّع قبل الإحلال منها، وهو لا يزال مُحرماً بإحرام عمرة التمتّع، سواء كان خروجه عن جهل أو غفلة أو عمد، ثمّ أراد الرجوع إلى مكّة، فهل يلزمه إحرام جديد لدخول مكّة، أو يكفيه الإحرام الأوّل؟
الظاهر أنّه لا حاجة إلى إحرام جديد، سواء قلنا بحرمة الخروج (كما قال المحقّق الخوئي) أو بجواز الخروج (كما قال صاحب العروة وأيّدناه بذلك)؛ وذلك لأن المفروض بقائه على إحرام عمرة التمتّع ولم يحلّ من إحرامه الأوّل، فلا موجب لبطلان هذا الإحرام وإلزامه بإحرام جديد، حتّى وإن بقي خارج مكّة شهراً أو أزيد، أمّا القول باعتبار الفصل بين العمرتين بشهر، فهو إنّما يوجب إحراماً جديداً لمن خرج من مكّة مُحلّا ثمّ أراد الدخول إليها بعد مضي شهر، لا لمن خرج مُحرماً بإحرامه الأوّل وبقي على إحرامه.
ثمّ، إنّ ما ذهبنا إليه من جواز خروج المكلّف من مكّة أثناء عمرة التمتّع وقبل الإحلال منها، إنّما هو في صورة الاطمئنان بالتمكّن من الرجوع إلى مكّة لإكمال عمرة التمتّع ثمّ الإتيان بحجّ التمتّع، أمّا لو احتمل عدم التمكّن من الرجوع وإكمال العمرة والحجّ، فلا يجوز له الخروج من مكّة، كما لو خرج إلى الأماكن البعيدة كالصين مثلاً وبقي فيها مدّة طويلة؛ لأنّ المكلّف قد دخل مكّة بإحرام عمرة التمتّع، وهو مأمور بإكمال الحجّ، والاشتغال اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني. وعليه، فمتى اطمأن المكلّف أو احتمل أنّ خروجه يمنعه من إتمام عمرة التمتّع، فلا يجوز له الخروج من مكّة.
(مسألة3): لا يجوز لمن وظيفته التمتّع أن يعدل إلى غيره من القسمين الأخيرين اختياراً. نعم، إن ضاق وقته عن إتمام العمرة وإدراك الحجّ جاز له نقل النية إلى الإفراد، وأن يأتي بالعمرة بعد الحجّ بلا خلاف، ولا إشكال، وإنّما الكلام في حدّ الضيق المسوّغ لذلك، واختلفوا فيه على أقوال: أحدها: خوف فوات الاختياري من وقوف عرفة. الثاني: فوات الركن من الوقوف الاختياري، وهو المسمّى منه. الثالث: فوات الاضطراري منه. الرابع: زوال يوم التروية. الخامس: غروبه. السادس: زوال يوم عرفة. السابع: التخيير بعد زوال يوم التروية بين العدول والإتمام إذا لم يخف الفوت. والمنشأ اختلاف الأخبار، فإنّها مختلفة أشدّ الاختلاف، والأقوى أحد القولين الأوّلين ... [1]
ذكر المصنّف (قده) في هذه المسألة أمور:
الأوّل: أنّه لا يجوز لمن كانت وظيفته حجّ التمتّع أن يعدل اختياراً إلى حجّ الإفراد أو القران؛ لأنّ العدول من واجب إلى آخر خلاف القاعدة، فيحتاج إلى قيام الدليل عليه.
نعم، قد ثبت ذلك في باب الصلاة بدليل خاص، فلو دخل المكلّف في صلاة العصر باعتقاد أنّه قد صلّى صلاة الظهر، ثمّ تبيّن له في الأثناء أنّه لم يصلّ الظهر، فإنّه يعدل بالنيّة من العصر إلى الظهر، مع أنّ حقيقة العصر تختلف عن الظهر، ولكنّ الدليل دلّ على العدول في هذه الأمور الاعتبارية. وهذا بخلاف المقام، فإنّ وظيفة النائي هي التمتّع، ولا دليل على جواز العدول منه إلى الإفراد أو القران، مضافاً إلى أنّه لا يشرع له حجّ الإفراد أو القران، لا من البداية ولا في الأثناء.
الثاني: إذا ضاق وقت المكلّف المحرم بعمرة التمتّع عن إتمام العمرة وإدراك الحجّ، بحيث لو أتمّ العمرة لفاته الحجّ، يجوز له حينئذ العدول إلى حجّ الإفراد، ثمّ يأتي بعمرة مفردة بعد الحجّ.
ويدلّ على ذلك الإجماع المنقول والمحصّل كما ذكر صاحب الجواهر (قده)، وتضافرت عليه الروايات أيضاً[2] .
فمنها: صحيحة أبان بن تغلب عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث قال: «أضمر في نفسك المتعة، فإن أدركت متمتعاً، وإلّا كنت حاجّاً»[3] ، وغيرها من الروايات التي تدلّ على أنّ مَن لم يتمكّن من إتمام العمرة وإدراك الحجّ، يجوز له العدول بالنية من التمتّع إلى الإفراد.
ومنها: صحيحة جميل بن درّاج في المرأة الحائض، لا في كلّ مَن لم يتمكّن من إتمام عمرة التمتّع وإدراك الحجّ، حيث قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن المرأة الحائض إذا قدمت مكّة يوم التروية؟ قال: تمضي كما هي إلى عرفات فتجعلها حجّة، ثمّ تقيم حتّى تطهر فتخرج إلى التنعيم فتحرم فتجعلها عمرة، قال ابن أبي عمير: كما صنعت عائشة»[4] ، وهذه الرواية تدلّ على أنّ الحائض سواء طرأ عليها الحيض بعد الإحرام أو قبله، إذا دخلت مكّة يوم التروية ولم تتمكّن من أداء عمرة التمتّع فتقلب حجّها إلى حجّ الإفراد، وتمضي إلى عرفات، ثمّ تأتي بعمرة مفردة بعد الطهر وإتمام المناسك؛ لأنّ الوقوفين وسائر الأعمال كالرمي والذبح والتقصير والمبيت بمنى لا يُشترط فيها الطهارة.
وهذه الرواية إنّما تكون دليلاً على جواز العدول إلى حجّ الإفراد في خصوص المرأة الحائض، ولذلك لم يتعرّض لها العلماء في ضمن الأدلّة لهذه المسألة؛ لأنّ دلالتها لا تشمل جميع المصاديق، بل تختصّ بالمرأة الحائض، فهذه الرواية أخصّ من المدّعى، فإنّ المدّعى هو أنّ كلّ مَن لم يتمكّن من إتمام عمرة التمتّع وإدراك الحجّ، يجوز له العدول من التمتّع إلى الإفراد أو القران، والرواية المذكورة لا تدلّ على ذلك.
الثالث: ما هو حدّ الضيق الذي يسوّغ العدول من التمتّع إلى الإفراد؟
وقد اختلفوا في ذلك على عدّة أقوال، وأهمّها قولان أو ثلاثة.
القول الأوّل: الخوف من فوات الوقوف الاختياري بعرفة، أي: الوقوف من الزوال إلى الغروب.
القول الثاني: الخوف من فوات الركن من الوقوف الاختياري بعرفة، وهو المسمّى منه، كدقيقتين أو ثلاث دقائق قبل الغروب.
القول الثالث: الخوف من فوات الوقوف الاضطراري بعرفة، وهو الوقوف في الليلة العاشرة من ذي الحجّة. وهناك أقوال أُخرى.
ومنشأ الاختلاف، اختلاف الأخبار الواردة في المقام، فإنّها مختلفة أشدّ الاختلاف، فيقع الكلام تارة في مقتضى القاعدة، وأُخرى في مقتضى النصوص.
أمّا مقتضى القاعدة، فهو عدم جواز العدول من التمتّع إلى الإفراد، لا اختياراً ولا اضطراراً؛ وذلك لأنّ المكلّف بعد إتمام عمرة التمتّع إذا لم يتمكّن من إدراك الوقوف بعرفات، لا الوقوف الاختياري من الزوال إلى الغروب، ولا الوقوف الركني قبل الغروب، فإنّ ذلك يكشف عن عدم قدرته على الإتيان بحجّ التمتّع من البداية، ومع عدم القدرة يسقط الوجوب؛ لأنّ الوجوب متوقّف على القدرة. إذن، القاعدة تقتضي بطلان العمل كلّه، ويتبيّن عدم وجوب الحجّ في هذه الصورة.