« قائمة الدروس
الأستاذ الشيخ حسن الجواهري
بحث الفقه

47/04/15

بسم الله الرحمن الرحيم

المقيم في مكّة إذا وجب عليه التمتّع.../فصل في أقسام الحجّ /كتاب الحجّ

 

الموضوع: كتاب الحجّ/فصل في أقسام الحجّ /المقيم في مكّة إذا وجب عليه التمتّع...

 

(مسألة4): المقيم في مكّة إذا وجب عليه التمتّع، كما إذا كانت استطاعته في بلده أو استطاع في مكّة قبل انقلاب فرضه، فالواجب عليه الخروج إلى الميقات لإحرام عمرة التمتّع، واختلفوا في تعيين ميقاته على أقوال: أحدها: أنّه مهلّ أرضه، ذهب إليه جماعة، بل ربّما يسند إلى المشهور كما في الحدائق، لخبر سماعة عن أبي الحسن (عليه السلام) «سألته عن المجاور أله أن يتمتّع بالعمرة إلى الحجّ؟ قال (عليه السلام): نعم، يخرج إلى مهلّ أرضه فليلب إن شاء»، المعتضد بجملة من الأخبار الواردة في الجاهل والناسي الدالّة على ذلك بدعوى عدم خصوصيّة للجهل والنسيان، وأنّ ذلك لكونه مقتضى حكم التمتّع، وبالأخبار الواردة في توقيت المواقيت، وتخصيص كلّ قطر بواحد منها أو من مرّ عليها، بعد دعوى أنّ الرجوع إلى الميقات غير المرور عليه.

ثانيها: أنّه أحد المواقيت المخصوصة مخيّراً بينها، وإليه ذهب جماعة أُخرى، لجملة أُخرى من الأخبار مؤيّدة بأخبار المواقيت، بدعوى عدم استفادة خصوصيّة كلّ بقطر معيّن.

ثالثها: أنّه أدنى الحلّ، نقل عن الحلبيّ، وتبعه بعض متأخّري المتأخّرين لجملة ثالثة من الأخبار، والأحوط الأوّل وإن كان الأقوى الثاني؛ لعدم فهم الخصوصيّة من خبر سماعة، وأخبار الجاهل والناسي، وأنّ ذكر المهلّ من باب أحد الأفراد، ومنع خصوصيّة للمرور في الأخبار العامّة الدالّة على المواقيت، وأمّا أخبار القول الثالث فمع ندرة العامل بها مقيّدة بأخبار المواقيت، أو محمولة على صورة التعذّر.

ثمّ الظاهر أنّ ما ذكرنا حكم كلّ مَن كان في مكة وأراد الإتيان بالتمتّع ولو مستحبّاً. هذا كلّه مع إمكان الرجوع إلى المواقيت، وأمّا إذا تعذّر فيكفي الرجوع إلى أدنى الحلّ، بل الأحوط الرجوع إلى ما يتمكّن من خارج الحرم ممّا هو دون الميقات وإن لم يتمكّن من الخروج إلى أدنى الحل أحرم من موضعه، والأحوط الخروج إلى ما يتمكّن[1] .

ذكر المصنّف (قده) أنّ المقيم في مكّة إذا وجب عليه حجّ التمتّع، كما لو تحقّقت له الاستطاعة وهو في بلده، أو تحقّقت له الاستطاعة في مكّة قبل انقلاب فرضه إلى الإفراد، أي: استطاع في السنة الأُولى من إقامته في مكّة، فإنّ الواجب عليه الخروج إلى الميقات لإحرام عمرة التمتّع، ولكن وقع الخلاف بين الفقهاء في تعيين الميقات الذي يحرم منه على ثلاثة أقوال.

الأوّل: أنّه يتعيّن عليه الخروج إلى ميقات أهله (مُهلّ أرضه)، فإن كان من أهل العراق مثلاً يحرم من ميقات ذي عرق، وقد ذهب إليه جماعة، ونسبه صاحب الحدائق (قده) إلى المشهور، وقد استُدلّ عليه بموثّقة سماعة، عن أبي الحسن (عليه السلام) «قال: سألته عن المجاور، أله أن يتمتّع بالعمرة إلى الحجّ؟ قال: نعم، يخرج إلى مهلّ أرضه فيلبّي، إن شاء»[2] .

وهذا القول معتضد بجملة من الأخبار، فمنها: الأخبار الواردة فيمَن ترك الإحرام جهلاً أو نسياناً، حيث أُمر فيها بالرجوع إلى ميقات بلده والإحرام منه، كصحيحة الحلبي قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل ترك الإحرام حتّى دخل الحرم، فقال: يرجع إلى ميقات أهل بلاده الذي يحرمون منه فيحرم، فإن خشي أن يفوته الحجّ فليحرم من مكانه، فإن استطاع أن يخرج من الحرم فليخرج»[3] ، بدعوى أنّ الخروج إلى ميقات أهله والإحرام منه هو مقتضى الحكم في حجّ التمتّع، ولا خصوصيّة للجهل والنسيان في دخول الحرم بغير إحرام.

كما أنّ هذا القول معتضد أيضاً بالأخبار الواردة في توقيت المواقيت التي خصّصت كلّ قطر من أقطار العالم بواحد من المواقيت أو مَن مرّ عليها، بدعوى أنّ الرجوع إلى الميقات غير المرور عليه.

الثاني: أنّه يتخيّر في الإحرام من أحد المواقيت المخصوصة، ولا يتعيّن عليه ميقات أهله، وقد ذهب إليه جماعة أُخرى، وهذا القول مؤيّد بأخبار المواقيت، فإنّ المستفاد منها أنّ هذه المواقيت ليست لها خصوصيّة لكلّ قطر أن يأتي منها، بل هي لأهلها ولمن مرّ عليها من غير أهلها، كصحيحة صفوان عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال: «كتبت إليه أنّ بعض مواليك بالبصرة يحرمون ببطن العقيق، وليس بذلك الموضع ماء ولا منزل وعليهم في ذلك مؤنة شديدة، ويعجّلهم أصحابهم وجمالهم من وراء بطن العقيق بخمسة عشر ميلاً منزل فيه ماء وهو منزلهم الذي ينزلون فيه، فترى أن يحرموا من موضع الماء لرفقه بهم وخفّته عليهم، فكتب: إنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وقّت المواقيت لأهلها ومَن أتى عليها من غير أهلها، وفيها رخصة لمن كانت به علّة فلا تجاوز الميقات إلّا من علّة»[4] .

وما ورد في موثّقة سماعة من أنّه يخرج إلى مهلّ إرضه، فإنّه يُحمل على أنّ ذلك أحد المواقيت التي يحرم المكّلف منها، حيث قال (عليه السلام): يخرج إلى مهلّ أرضه إن شاء، أي: أنّه إن شاء يجوز له الإحرام من مهلّ أرض غيره، وبذلك نفهم عدم الخصوصيّة لموثّق سماعة السابق الذي يقول لمهلّ أرضه؛ لأنّ الحكم لا يكون بالإشاءة الوارة في الرواية.

الثالث: أنّه يحرم من أدنى الحلّ، أي: خارج الحرم الذي مَن دخله كان آمناً، ويحرم قطع شجره وحشيشه، ويحرم الصيد فيه، ويمتدّ على بريد في بريد (24 كيلومتراً في 24 كيلومتراً). وذهب إليه أبو الصلاح الحلبي.

وقال المحقّق الخوئي (قده) في فتاواه المتقدّمة بأنّه يتخيّر في الإحرام من أحد المواقيت التي وقّتها رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، أو من مهلّ أرضه، أو من أدنى الحلّ؛ لصحّة جميع الروايات، ثمّ رجع عن هذا القول فقال بوجوب الإحرام من المواقيت التي وقّتها رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، دون أدنى الحلّ.


logo